تعود الحرارة تدريجياً إلى العلاقات بين المغرب وإيران، بعد قطيعة دبلوماسية دامت ما يزيد عن 5 سنوات، وذلك بعد إعلان إيران أخيراً عن تعيين محمد تقي مؤيد سفيراً لها في الرباط، وقرب إعلان المغرب عن تعيين سفير جديد له في طهران.
وفي موازاة انطلاق أعمال التنظيف والصيانة داخل وفي محيط مقر سفارة طهران في الرباط، يؤكّد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية المغربية لـ"العربي الجديد"، أنّ "إعلان قرار إعادة فتح سفارة المغرب في إيران، مسألة وقت فقط، علاوة على ضرورة اختيار الشخصيّة ذات الكفاءة لتشغل منصب سفير المملكة هناك".
ويوضح أنّ "قرار عودة العلاقات بين المغرب وإيران ليس وليد اليوم، بل يعود إلى شهر فبراير/شباط الماضي، بعد محادثة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين، اتفقا فيها على العنوان العريض للعلاقات الثنائية، فيما التفاصيل تخضع لعامل الزمن".
وكانت وكالة الأنباء الرسميّة الإيرانية، قد أفادت أخيراً بأن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أيّد مقترح وزير خارجيته محمد جواد ظريف، بتعيين محمد تقي مؤيد، سفيراً لإيران في المغرب، ضمن تعيينات جديدة لسفراء إيران في عدد من الدول. وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران في مارس/آذار من عام 2009، بسبب ما قالت الرباط حينها إنّه "موقف غير مقبول من جانب إيران ضدّ المغرب، وتدخلها في شؤون البلاد الدينيّة"، متّهمة إيران بـ"محاولة تقويض المذهب المالكي السنّي الذي تتبناه المملكة".
مؤشرات ممهّدة
ولن تأتِ عودة الحرارة إلى العلاقات المغربيّة الإيرانيّة بشكل مفاجئ، بل مهّد البلدان لها، من خلال مؤشرات بدت واضحة للعيان بأنها ستُتوج قريباً بعودة العلاقات الدبلوماسية الثنائيّة. وكان لافتاً مشاركة وزير الاتصال والمتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، في الدورة العاشرة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام، والتي نُظّمت في طهران مطلع الشهر الحالي، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على قرب تطبيع العلاقات بين البلدين.
قبل ذلك، أجرى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، محادثة هاتفية مع نظيره المغربي، صلاح الدين مزوار، تطرقا خلالها إلى موضوع "إعادة العلاقات الدبلوماسيّة المقطوعة بين البلدين". ومن المؤشّرات السابقة التي مهّدت لاستئناف العلاقات الثنائيّة بين الرباط وطهران، حضور المندوب الدائم لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي في المغرب، حميد رضا دهقاني، إلى الدورة العشرين للجنة القدس التي انعقدت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي في مدينة مراكش، وترأسها الملك المغربي محمد السادس.
واقع جيوسياسي
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط، الدكتور تاج الدين الحسيني، أن عودة الحرارة إلى العلاقات المغربية الإيرانية "واقع يفرض نفسه، في واقع جيوسياسي لا يعترف بالقطيعة بين الدول، بقدر ما يستوجب ربط علاقات مبنية على شراكات ومصالح اقتصاديّة". ويضع العودة المرتقبة للعلاقات الثنائيّة في "سياقات داخليّة وخارجيّة، تفسّر هذا التوجّه نحو الانفراج في سماء البلدين"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "الرئيس الإيراني حسن روحاني، يعمد بسياسته الإصلاحيّة، إلى محاولة فكّ العزلة السياسيّة، ومن ثم العزلة الاقتصاديّة عن بلده، وهو يسعى جاهداً إلى تجاوز الخلل السابق، من خلال الانفتاح على محيط طهران في المنطقة، ساعياً إلى تدارك الفرص السياسية التي يتيحها الواقع الراهن".
ويبدو أنّ لعودة العلاقات الثنائيّة فوائد سياسيّة للبلدين معاً، إذ تأمل إيران، وفق الحسيني، بأن يشكّل المغرب بوابة رئيسية نحو أفريقيا، نظراً لمكانته في القارة السمراء، وتنتظر منه لعب دور إيجابي في العلاقات المتأزمة بين إيران والإمارات على سبيل المثال. ويرى الحسيني أنّ المغرب، ومن خلال عودة العلاقات مع إيران، يكون قد أضاف رقماً صعباً في معادلة العلاقات الدوليّة للمملكة، من خلال تنويع شركائه في العالم، ما يجعله وسيطاً مطلوباً بين عدد من الدول، خصوصاً الخليجيّة، في علاقاتها المتوترة مع إيران.
ويرى مراقبون أن المغرب، بإعادة علاقاته مع إيران، يستجيب لتوجه محوري لدى المؤسسة الملكية الحاكمة في البلاد، بإعادة ترتيب التوجهات العامة للدبلوماسية المغربية، من خلال الانفتاح على قوى دولية جديدة، عوض فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، تشمل إلى جانب إيران كلاً من الصين وروسيا.