لعل بيت أمير الشعراء أحمد شوقي "قف للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا"، لا يراه آلاف المعلمين في بلدان عربية مواتياً لأوضاعهم الاجتماعية الصعبة، فالمعلم في بعض البلاد العربية يكاد أن يكون فقيراً.
يتقاضى المعلم في المغرب أجراً شهرياً يناهز 512 دولاراً، قد يرتفع بعد سنوات من العمل إلى أكثر من 800 دولار، بينما في مصر لا يتقاضى المعلم سوى 100 دولار شهرياً في بداية عمله، ولا يكاد يصل إلى 500 دولار إلا بعد سنوات طويلة من الخدمة.
هذا الراتب جعل المعلم المغربي يُصنف، وفق تقرير حديث لمركز أبحاث التعليم العالي في جامعة شيكاغو، من ضمن أقل المعلمين العرب أجراً، بينما يحصل المعلم في الجزائر على 345 دولاراً شهرياً، أما المعلم في قطر فقد تبوأ الصدارة براتب شهري يصل إلى 7030 دولاراً.
هذا التصنيف عززته شهادات معلمين يُدرسون في المستوى الابتدائي ببعض مدارس الرباط، في تصريحات متطابقة لـ"العربي الجديد"، حيث قال محمد الوردي إن الراتب الذي يبدأ به المعلم المغربي لا يتجاوز 4000 درهم مغربي، أي 512 دولاراً، وترتفع بعد سنوات من الخدمة إلى 868 دولاراً.
وتابع الوردي أن "هذا الراتب الشهري يصعب على المعلم أن يعيش به في راحة بال، بالنظر إلى تكاليف الإيجار ولا سيما بالنسبة للمعلمين والمعلمات الذين يعيّنون في مناطق نائية بعيداً عن منازل أهاليهم".
وبدورها، سردت مريم أزلي، معلمة من جنوب المغرب تم تعيينها في مدرسة بالرباط، معاناتها الاجتماعية مع مشكلة التنقل والبعد عن أسرتها الصغيرة، حيث اضطرت إلى دفع إيجار شهري مقابل بيت تأوي إليه، ما جعل راتبها لا يكفيها لأنها تقتطع جزءاً منه وترسله إلى والديها في مدينة تزنيت.
وبالنسبة إلى محمد بنحسين، مدير مدرسة تعليمية بضواحي الرباط، فإن "المعلم قد لا يدخر من راتبه شيئاً باعتبار مصاريف الكراء والتنقل وغيرها من تكاليف الحياة، غير أنه بمرور سنوات الخدمة يتطور الأجر ليصل إلى حوالى 870 دولاراً، بينما معلم الثانوي يصل إلى 1300 دولار".
وحاولت الحكومات المتعاقبة بالمغرب، خلال السنوات القليلة الأخيرة، تحسين رواتب المعلمين والعاملين بقطاع التربية والتعليم، غير أنها مجهودات رسمية لا تجد لها أثراً واضحاً بسبب تكلفة العيش، والارتفاعات الصاروخية في أسعار المواد الغذائية والسكن والبنزين.
محمد الصدوقي، الأخصائي التربوي، قال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الاجتماعي للمعلم المغربي يتأثر كثيراً وفق المعايير التالية: الراتب والسكن والتطبيب والتقاعد، مبرزاً هزالة أجرة المعلم بالمغرب مقارنة مع دول عربية أخرى.
وأكد الصدوقي أن ضعف الراتب وبطء الترقية المهنية للمعلم المغربي من العوامل التي تنعكس سلباً على وضعه الاجتماعي، وبالتالي على رضاه ومردوديته المهنية"، مشيراً إلى أن "قيمة الراتب تشير إلى قيمة المعلم ضمن سلّم أولويات البلاد التنموية".
وزاد شارحاً "الدول التي تعطي قيمة أكبر للتعليم، نظراً لكونه الصانع الأساسي لنوعية الإنسان المواطن الذي نريد، ولتنمية وتقدم الأمم، نجدها هي نفسها الدول التي يتمتع فيها المعلمون براتب أكبر، وقيمة واحترام مجتمعيين أفضل، وهي الدول ذاتها التي تشهد نهضة وتقدماً أكثر".
وتابع الصدوقي بأنه "رغم مجهودات الدولة لتحسين بعض الخدمات الاجتماعية للمعلمين مثل السكن والتطبيب، من خلال مساعدتهم على امتلاك السكن بفوائد تفضيلية، واستفادة معظمهم من التغطية الصحية، غير أنها تدابير محدودة في ظل غلاء العقار وكلفة العيش بالمغرب".
وخلص المتحدث إلى أن "مدى اهتمام الدولة بتحسين الظروف الاجتماعية لمعلميها يعكس مدى قيمة المعلم والتعليم، وإرادتها في تحقيق التنمية والتقدم المجتمعيين، ومدى اعتنائها بإنسانها ومواطنها، حيث إن المعلم هو الصانع الأول والحقيقي للإنسان ونهضة المجتمعات".