الغش في امتحانات المغرب: قانون زجري بمواجهة وسائل متطورة

12 يونيو 2019
جهود متواصلة للحد من الغش في الامتحانات (تويتر)
+ الخط -
عاد ملف الغش إلى الواجهة في المغرب مع انطلاق امتحانات البكالوريا (الشهادة الثانوية) أمس الثلاثاء، وأثير النقاش مجدداً عن مدى نجاعة قانون زجر الغش الحكومي أمام الزحف المتواصل لوسائل الغش المتطورة، ومدى مساهمة الحملات التحسيسية التي تطلقها الوزارة الوصية على القطاع في تكريس قيم الاستحقاق وتكافؤ الفرص والحيلولة دون أن يتصدر النتائج من يتوسلون بالغش والتحايل والأساليب غير المشروعة.

ومع كل موسم امتحانات يطالعنا بعض الطلاب بطرق مبتكرة للغش في الامتحانات طمعاً في النجاح السهل والحصول على شهادة تفتح أمامهم أبواب سوق الشغل، لنجد أن استعمال القصاصات الصغيرة أو الاستعانة بخدمات النسخ والتصغير، قد تراجع ليفسح المجال لوسائل أكثر تطوراً، من سماعات بلوتوث وأقلام ضوئية، انتهاء بقمصان متطورة موصولة بسماعات رقمية تسهل عملية الغش، تم ضبطها أخيراً وكانت موجهة للمترشحين الراغبين في ارتكاب أعمال الغش في الامتحانات، قبل أن تتمكن عناصر الشرطة القضائية بمدينة الرباط من حجزها، وإيقاف شخص يبلغ من العمر 20 سنة، وهو في حالة تلبس بحيازة وترويج قمصان سوداء اللون، عبارة عن صدرية موصولة بجهاز معلوماتي وبسماعات إلكترونية لاسلكية، يشتبه في تسخيرها في أعمال الغش في امتحانات البكالوريا، كما أن الأبحاث والتحريات المنجزة في إطار هذه القضية مكنت من تشخيص هوية تلميذة من المترشحين الأحرار، كانت قد اشترت قميصاً مماثلاً لأغراض الغش في البكالوريا، والتي تم إخضاعها بدورها لإجراءات البحث القضائي.

تمكنت عناصر الشرطة من حجز قمصان متطورة للغش (تويتر)

متخصصون تربويون يؤكدون أن ملف الغش يُثار مع انطلاق الامتحانات، ويتم تسجيل حالات جديدة وأحياناً بوسائل لا تخطر على بال أحد، دون الحديث عن الصعوبات التي تعترض المراقبين، برغم كل المجهودات المبذولة من الوزارة ومختلف المتدخلين في القطاع للحد من هذه الظاهرة التي تضرب أسس التعليم في البلاد، مما يعني أننا أمام ظاهرة مركبة يصعب إيجاد حلول سريعة لها بين عشية وضحاها.

وفي السياق، يقول الباحث التربوي اسكوكو نور الدين لـ"العربي الجديد" إن "حالات الغش التي يتم تسجيلها كل سنة مع انطلاق الامتحانات، ما هي إلا انعكاس لأزمة قيم ككل تنطلق من التنشئة وتتشعب مروراً بالشارع إلى المدرسة التي تظهر لنا نتائج هذه التربية عبر الغش بتنوع طرقه"، مشيراً إلى أن محاربة هذه الظاهرة لا تتم عبر تبني مقاربة أمنية أو عقابية، بل يجب البحث عن جذور الغش وإعادة النظر في المنظومة التربوية في شموليتها، بما فيها طبيعة الامتحانات والمراقبة المستمرة والمنهاج التربوي، داعياً المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى إيلاء الأهمية الكافية لهذا الموضوع، وإعداد تقرير حول الغش، لتدارس أسبابه والبحث عن حلول له.

من جهته، يوضح الباحث في قضايا التربية والتكوين، جواد حنافي لـ"العربي الجديد"، أنّ أسباب الغش في الامتحانات مركبة، أغلبها راجع إلى غياب أو ضعف الزجر التربوي، وثقافة مجتمعية كادت تحول الغش إلى حق مشروع، إلى جانب نوعية الامتحانات التي تركز على الاجترار، فكيف يعقل أن يختبر المتعلم في مئات الصفحات ويتم التركيز على الكم عوض الكيف، يتساءل الباحث، لافتاً أيضاً إلى أن تلاشي منظومة القيم، وسوء استغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة ساهما في استفحال الغش في الامتحانات.

ضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية (توماس كوهلر/getty) 



ومن بين الحلول التي اقترحها الباحث التربوي للحد من الغش في الامتحانات إعادة الاعتبار للمدرس والإدارة التربوية، كي لا يكون في مواجهة مباشرة مع المرشح، وعدم تغليب مقاربة محاربة الهدر المدرسي على مقاربة الجودة والتحصيل.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الباحث صعوبة الإحاطة التامة والشاملة بملف الغش، فإن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أكدت على لسان الوزير سعيد أمزازي، في تصريح صحافي، أمس الثلاثاء، أنه تم تسجيل انخفاض "مهم جداً" على مستوى عدد حالات الغش في امتحانات البكالوريا على الصعيد الوطني، وذلك من الفترة الممتدة من سنة 2016 إلى اليوم.

ولفت الوزير إلى أن هذا الانخفاض المسجل يعد ثمرة عمل تحسيسية شهدتها مختلف الثانويات التأهيلية على مستوى المملكة، والتي امتدت طيلة شهر مايو/ أيار الماضي، مشيداً في هذا الصدد بالانخراط الكبير للأطقم التربوية والبيداغوجية وكذلك التلاميذ في مجموع هذه المبادرات. 

وأكد أمزازي الدور الذي لعبه إصدار القانون المتعلق بزجر الغش سنة 2016 في تقليص عدد حالات الغش على المستوى الوطني.

وينص هذا القانون على حالات الغش، ومن ضمنها تبادل المعلومات كتابياً أو شفوياً بين المترشحات والمترشحين داخل فضاء الامتحان، وحيازة المترشحة أو المترشح على أي مخطوط أو وثيقة لها ارتباط بموضوع الامتحان وكذلك استعمال آلات أو وثائق غير مرخص بها داخل فضاء الامتحان وحيازة أو استعمال الوسائل الإلكترونية الحديثة كيفما كان شكلها أو نوعها سواء كانت مشغلة أم لا.

كذلك ينص القانون على العقوبات التأديبية التي تطبق في حق كل مترشحة أو مترشح ضبط وهو يرتكب عملية الغش في الامتحان أثناء إجرائه، بدءا بالإنذار من طرف المكلفين بالحراسة وانتهاء بسحب ورقة الامتحان من المترشحة أو المترشح وتحرير محضر بذلك، كما تتخذ اللجنة التأديبية العقوبات المقررة حسب درجة خطورة الغش، منها اعتماد نقطة موجبة للسقوط، والإقصاء لمدة سنتين من اجتياز الامتحان في القانون.

وينص كذلك على حماية المكلفين بالحراسة داخل فضاء الامتحان أو خارجه ضد أعمال العنف أو التهديد بارتكاب جناية، وفي حالة ضبط السلطات العمومية شبكة تتولى تسريب مواضيع الامتحان أو المساعدة في الإجابة عنها أو المشاركة في أية عملية من عمليات الغش أو المساهمة فيها، تقوم هذه الأخيرة بعرض الملف على السلطة القضائية المعنية لاتخاذ العقوبات الملائمة.

الغش عالم غير محدود

"الغش عالم غير محدود" يقول الطالب سعيد المدني لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أن الغش لا يوقفه أي قانون زجري، إذا لم ينطلق من قناعة الطلاب واستعدادهم لإحراز النجاح بكفاءة، عوض اللجوء إلى قمصان متطورة أو سماعات أو غيرها من الوسائل التي صار الطلاب يلهثون وراءها ويدفعون مقابلها أموالاً.

القانون حد من حالات الغش (عبد الحق سينا/فرانس برس) 

من جهتها تثمن الطالبة آلاء المرتضى لـ"العربي الجديد" قانون زجر الغش، وتعتبر أنه ساهم في الحد من انتشار حالات الغش، استناداً إلى الأرقام التي تعلن عنها الوازارة عقب انتهاء الامتحانات، مشيرة إلى أن الطلاب لو سخروا القليل من مجهودهم وتركيزهم على التحصيل العلمي والمثابرة لنالوا نتائج ترضيهم، وفي النهاية فإن مقولة "من نقل انتقل" لم تعد صالحة لزمننا، لأن من "نقل سينتقل حقاً لكن إلى مقر الضابطة القضائية".

أما محمد المعتز، وهو والد أحد الطلاب المرشحين لامتحانات البكالوريا فيحمل مسؤولية انتشار الغش إلى النظام التعليمي القائم على الحفظ والاستظهار والامتحانات النمطية التي لا تقيس القدرات الفردية وإنما تعتمد بشكل أساسي على مقولة "بضاعة ردّت إلينا".

ويدعو الوزارة المعنية إلى ضرورة مراجعة المنظومة التربوية التقليدية بما يواكب العصر الحالي، ويضمن تكافؤ الفرص لجميع الطلاب، وتشجيع الطلاب على الإبداع خارح قيود النص، ونشر ثقافة الاستحقاق والمؤهلات الشخصية المعرفية والعمل على تطبيقها وترسيخها.

دلالات