رفعت شركات توزيع الوقود في المغرب أسعار البنزين والسولار للمرة السابعة في نحو شهرين ونصف الشهر، في الوقت الذي تراجعت فيه نبرة الحكومة حول وضع سقف لأرباح وأسعار الشركات رغم تشديدها على اتخاذ خطوات نحو تحقيق ذلك خلال الأسابيع الماضية.
وزادت محطات الوقود سعر السولار بحوالي 17 سنتيماً (الدرهم يحوي 100 سنتيم)، ليصل في المتوسط إلى 9.87 دراهم مقابل 9.70 دراهم للتر الواحد، بينما ارتفع سعر البنزين بأكثر من 20 سنتيماً، إلى 11.57 درهماً بدلاً من 11.35 درهماً (الدولار يساوي 9.64 دارهم).
وتأتي الزيادة الجديدة في وقت تراجعت فيه وتيرة التصريحات الحكومية لتسقيف الأرباح والأسعار (وضع سقف لها)، والتي صعدت لهجتها بشأنها في مواجهة شركات الوقود خلال الأسابيع الماضية.
وأبدت شركات المحروقات تحفّظها على اللجوء إلى تسقيف الأسعار، معتبرة أن ذلك منافٍ للمسار الذي ينهجه المغرب، الذي قرر في ديسمبر/ كانون الأول 2015 تحرير أسعار البنزين والسولار.
وعبر المدير العام لشركة توتال الفرنسية بالمغرب في فيديو انتشر بقوة في الفترة الأخيرة، عن رفض التسقيف، معتبراً أن الحكومة ليس من حقها تحديد أرباح شركات توزيع المحروقات. وأشار إلى أن قرار التسقيف من شأنه أن يؤثر سلباً على الاستثمارات التي تنجزها شركات المحروقات، وفرص العمل التي توفرها محطات توزيع الوقود.
وكان الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، قد قال في الثالث والعشرين من مارس/ آذار الماضي، إنه جرى التوصل إلى اتفاق مع شركات توزيع الوقود، لتحديد أسعارها وهوامش أرباحها لمدة عام.
وقبيل الإعلان عن الاتفاق، اتهم الداودي، في لقاء مفتوح نظمته الأمانة المحلية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة سلا (قرب الرباط)، شركات توزيع المحروقات بالحصول على أرباح من جيوب المواطنين بسبب غياب تسقيف الأسعار، مشيراً إلى أن أرباح الشركات وصلت إلى حوالي 2.33 درهم للتر البنزين، بينما كانت قبل تحرير الأسعار نهاية 2015 في حدود 0.75 درهم للتر.
وفي يوليو/ تموز الماضي، قال رئيس الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، إدريس الأزمي الإدريسي، إن سبع شركات فاعلة في القطاع حققت أرباحاً وصلت إلى 7 مليارات درهم (780 مليون دولار)، بعد تحرير قطاع المحروقات عام 2015، واصفاً هذه المبالغ بـ "الكبيرة".
وقال مصدر في قطاع الطاقة لـ"العربي الجديد" إن الشركات استفادت إلى حد كبير من رأي مجلس المنافسة، وهو مؤسسة دستورية، الذي تحفظت خلاله على مقترح الحكومة تسقيف الأرباح، معتبراً أن الإجراء يتعارض مع قانون حرية الأسعار والمنافسة.
لكن الحسين اليمني، رئيس اتحاد البترول والغاز، قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" إنه "يتوجّب على الحكومة التراجع عن قرار تحرير الأسعار الذي اتخذته في عام 2015، والعمل على إعادة تشغيل مصفاة البترول المتوقفة مند ذلك التاريخ، عبر تسهيل بيعها للمستثمرين، ما سيساعد على تعزيز المنافسة في السوق وخفض الأسعار".
ويستورد المغرب 93 في المائة من المنتجات النفطية المكررة، بعد إغلاق مصفاته الوحيدة "سامير"، ما ساهم في ارتفاع فاتورة واردات البلاد من الطاقة إلى 82.3 مليار درهم في العام الماضي، مقابل 69.5 مليار درهم في 2017. ويصل استهلاك المغاربة سنوياً إلى 91.2 مليون برميل، وفق تقرير برلماني صدر العام الماضي 2018.
وبينما تتمسك الشركات بعدم تسقيف الأسعار، فإن الحكومة تستفيد من رفع الأسعار في المقابل، وفق خبير ضريبي، موضحاً أنه ينتظر أن تجني الحكومة عبر ضريبة استهلاك المحروقات نحو 1.7 مليار درهم في العام الحالي، حسب بيانات الخزانة العامة للمملكة، إذ تضاف الضرائب التي تمثل أكثر من 50 في المائة من السعر.
ورأى مصدر في تجمع البتروليين، الذي يمثل مصالح موزعي الوقود في المغربة، أن زيادة الأسعار ترجع إلى ارتفاع سعر خام برنت في السوق الدولية إلى نحو 70 دولاراً في الأيام الأخيرة.
لكن محمد الهاكش، عضو الاتحاد المغربي للشغل، أكد أن الزيادات المستمرة في أسعار السلع، لا سيما الوقود، تفرغ الزيادة الأخيرة في الأجور من محتواها.
وقال الهاكش لـ"العربي الجديد" إن زيادة أسعار الوقود لها تأثيرات على تكاليف إنتاج السلع والخدمات، وتساهم في الضغط على القدرة الشرائية للأسر.
وأظهر مسح حول معنويات الأسر، نشرت المندوبية السامية للتخطيط نتائجه في وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، تشاؤم الأسر بسبب تراجع قدراتها المالية وضعف ادخارها وتخوفها من توسع دائرة البطالة.
وأشارت 43.2 في المائة من الأسر إلى تراجع مستوى المعيشة في الأشهر الـ12 الماضية، بينما تترقب 26.5 في المائة من الأسر أن يستمر تدهور وضعها المعيشي في الأشهر الاثني عشر المقبلة.
وصرحت 63.6 في المائة من الأسر بأن إيراداتها غطت مصاريفها خلال الربع الأول من العام الحالي، بينما 32.6 في المائة من الأسر استنزفت مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، علماً أن الأسر التي تمكّنت من ادخار جزء من عائداتها لم تتجاوز 3.8 في المائة. وتترقب 81.5 في المائة من الأسر تراجع قدرتها على الادخار في الاثني عشر شهراً المقبلة، بينما تتوقع 18.5 في المائة تحسنها.