المغرب: باعة جائلون يبحثون عن الاستقرار

09 سبتمبر 2015
عدد الباعة الجائلين يصل إلى 276 ألف شخص (Getty)
+ الخط -
عندما تسأله عن وضعه الحالي، يبدي الكثير من القناعة. فبين حاله اليوم وما كان عليه في السابق، فرق كبير. فقد كان في السابق، نهباً للخوف من أن يفقد مصدر رزقه، بين عشية وضحاها. واليوم أضحى يحس بنوع من الاستقرار الذي يعطي معنى للعمل الذي يقوم به.
كان محمد الرحماني، كما عرّف نفسه، بائعاً جائلاً بمنطقة البرنوصي الآهلة بالسكان في الدار البيضاء منذ أكثر من عشرين عاماَ. واعتقد هذا الخمسيني، أنه سيمضي ما تبقى من حياته، وهو يدفع العربة التي يعرض عليها سلعا صينية، دون أن يظن أنه سيصبح يوماً صاحب محل تجاري، وإن كان في إطار الإيجار، يجنبه العديد من المشاكل التي كان يتعرض لها في الشارع.
عندما زارت "العربي الجديد" السوق النموذجي، الذي استحدث للباعة الجائلين في حي البرنوصي، التقت بالرحماني. كان واقفا داخل محله الصغير، حيث يعرض ملابس جاهزة.
وعندما سئل عن إحساسه، وقد أضحى له محل، أجاب "لقد كان حلماً راودني منذ سنوات، لم أكن أعتقد أنني سأحققه، لكن أصبح اليوم واقعا. لم أعد أقوى علي التجوال في الشوارع بعربتي مع كل الأخطار التي ترافق ذلك".
وكانت السلطات العمومية عمدت، قبل أشهر، إلى شن حملة لإخلاء الشوارع الرئيسية من الباعة الجائلين الذين يحتلونها منذ سنوات، في ذات الوقت طرحت فكرة الأسواق النموذجية، التي يمكن أن تفضي إلى تنظيم أولئك الباعة، غير أن السوق النموذجي بالبرنوصي كان التجسيد الأبرز لتلك الفكرة.
السوق الذي تتولى شركة خاصة الإشراف عليه، مزود بكاميرات مراقبة، وتنظمه فرق حراسة، ويجري تنظيفه يومياً. ويتوجب على الباعة الحفاظ على نظافة المكان، حيث إن من يخالف تلك القاعدة، يعاقب بإغلاق محله ليوم أو عدة أيام.
وتقوم فكرة تجارة القرب التي تحكم إقامة ذلك السوق، على اختيار موقع يستجيب لانتظارات السكان، وتكليف شركة خاصة بإعداد السوق وتجهيزه وتدبيره.

لا يتملك التاجر المستفيد المحل، ويتوجب عليه احترام القواعد، التي يقوم عليها التصور الذي يسند ذلك السوق، والذي ينتظر أن يفضي نجاحه إلى إحداث أسواق مماثلة في المدينة.
هذا السوق النموذجي الذي أوى إليه الباعة الجائلون، استفاد منه الباعة ممن يسكنون محافظة البرنوصي بالدار البيضاء. ويفترض في من يستفيدون من تلك المحلات أداء ضمانة تصل إلى 700 دولار، وبإيجار يصل إلى 4 دولارات في اليوم، أي حوالى 120 دولارا في الشهر.
تلك ضمانة وإيجار يومي، رفضهما بعض الباعة الجائلين في البداية، غير أن المحافظة اعتبرت أن من الرافضين من يريدون الاستمرار في مزاولة نشاط تجاري بشكل غير منظم، علما أن المسؤولين عن تلك السوق ألزموا التجاري بارتداء زي موحد عند مزاولة النشاط التجاري، وعدم تعدي حدود المكان المرخص باستغلاله، واستعمال صناديق بلاستيكية لحمل السلع بغية عدم تغيير معالم تجهيزات الفضاء التجاري.

اقرأ أيضا: بقال الحي..ملاذ الأسر المغربية الفقيرة

وكانت السلطات العمومية في تلك المنطقة، بذلت مجهوداً كبيراً من أجل إقناع الباعة الجائلين بالانتقال للسوق النموذجي، خاصة أنهم كانوا يريدون تملك المحلات، بينما وضع رهن إشارتهم في إطار الإيجار.
عندما زارت "العربي الجديد" السوق صادفت أحد الباعة المستفيدين من أحد المحلات، بدا أنه لم يألف المكان، وكأنه يحن للفترة التي كان فيها بائعاً جائلاً. صحيح أنه ينعم باستقرار التجار في محله اليوم، لكن هذا الثلاثيني أحمد الذي لم يشأ الكشف عن اسمه العائلي، يعتبر أن دخله تراجع، حيث يؤكد أنه عندما كان بائعاً جائلاً، كان يقف في مناطق يعتبرها استراتيجية، على اعتبار أنها تستقطب الكثير من الزبائن.
وتشير دراسة أنجزتها وزارة الصناعة والتجارة، إلى أن عدد الباعة الجائلين، يصل في المغرب إلى 276 ألف بائع، حيث يتحملون مسؤولية أسر يصل عدد أفرادها إلى 1.3 مليون شخص.
وذهبت الدراسة إلى أن رقم مبيعات هذا القطاع يصل إلى 4.5 مليارات درهم (460 مليون دولار)، وهو يمثل حرفة بالنسبة لنحو 60% من مزاوليه.
على بعد عشرة أمتار من السوق، يوجد مقهى يأوي إليه بعض الباعة. هناك حدثنا أحد أبناء الحي العارفين بتفاصيل المنطقة. عبدالله الشافني، الستيني، يؤكد أن السوق رد الاعتبار للباعة الجائلين، رغم حنين بعضهم للزمن الذين كانوا فيها يحتلون الشوارع. هو يقدر أن أرباح الباعة في السوق تتراوح بين 15 و30 دولارا يومياً. ويعتقد أن الاستقرار لا يقدر بثمن.

اقرأ أيضا: الأزقة الضيقة..ملجأ باعة المغرب الجائلين سعياً وراء الرزق
المساهمون