المغرب .. بائع السمك "المطحون" يفتح ملف التهريب

05 نوفمبر 2016
قطاع الصيد يحقق إيرادات بنحو ملياري دولار سنوياً (Getty)
+ الخط -

 

لم يقتصر التحقيق في مقتل بائع السمك، محسن فكري، الذي "طحنته" شاحنة نفايات في منطقة الحسيمة شمالي المغرب، على ملابسات الحادث، وإنما اتسعت دائرة التحقيق إلى تتبع مسار الصيد غير المشروع في الحسيمة، على اعتبار أن نوع السمك الذي كان ينقله الفقيد، ممنوع صيده في هذه الفترة من العام.

وكان الفقيد ينقل نحو 500 كيلوغرام من سمك أبوسيف، وهي شحنة تقدر قيمتها بنحو 5500 دولار، غير أن هذا النوع من السمك ممنوع صيده، على اعتبار أنه يخضع لفترة الراحة البيولوجية، التي تمتد من مطلع أكتوبر/تشرين الأول وإلى نهاية نوفمبر/تشرين الجاري.

هذه الشحنة من السمك، التي راح الفقيد ضحية الدفاع عنها وعدم طحنها، بعد مصادرة العناصر الأمنية لها بعد خروجها من ميناء الصيد، أثار العديد من علامات الاستفهام حول مراقبة عمليات الصيد وتحديد المسؤولية عن خروج هذه النوعية من البضائع.

لكن بوعزة الخراطي، رئيس الفيدرالية المغربية لحقوق المستهلك، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الطبيب المكلف بالمراقبة البيطرية، اتخذ قراراً حكيماً عندما قرر أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي".
ويضيف "كما أن قرار ممثل مندوبية وزارة الصيد بالمدينة، جاء سديداً، عندما اعتبر أن الشحنة ناجمة عن صيد غير مشروع، لأنها جاءت في فترة لا يُسمح بالصيد خلالها".

غير أن التحقيق في تتبع مسار الصيد الذي جاء بأمر من العاهل المغربي، محمد السادس، يفتح ملف التهريب بشكل كبير، ليعلن وزير العدل، مصطفى الرميد، مؤخراً أن المدعي العام انخرط في تتبع مسارات التهريب في ميناء الحسيمة.

ويطفو التهريب في مجال الصيد على السطح بين الحين والآخر، فيما تقدر السلطات القطاع غير الرسمي في هذا النشاط بحوالي 30% من نشاط الصيد في الغرب.

وعادة ما ينسب الصيد غير المشروع في المغرب إلى من يوصفون بـ"المافيا".
وقال مسؤول حكومي، فضل عدم ذكر اسمه، إن الأمر يتعلق بسلسلة تبدأ بأصحاب المراكب الذين يخرقون قانون الترخيص بالصيد أو الفترة والصنف المسموح بصيده، وكذلك التجار الذي يشترون الأسماك من دون أن تتوفر لديهم الوثائق التي تثبت قانونية الشحنات التي ينقلونها، فضلا عن أصحاب مصانع التحويل أو التجميد، الذين يتحايلون أيضا من أجل "تبييض" تلك الأسماك.

ويُفترض في من يشتري السمك من الموانئ المغربية، أن يكون حاصلاً على شهادة المراقبة، التي يوفرها ممثلو مندوبية الصيد، وشهادة الطبيب البيطري الذي يصرح بأنها صالحة للاستهلاك.

ويكتسي قطاع الصيد أهمية كبيرة في المغرب، الذي يصل طول سواحله إلى 3500 كلم. وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" في يوليو/تموز الماضي، فإن المغرب أنتج نحو 1.4 مليون طن من الأسماك في عام 2014، مقابل 1.2 مليون طن في 2013، ما يرفعه إلى مصاف 13 بلداً، تمكن من رفع إنتاجه بأكثر من 100 ألف طن سنوياً.

ويقول مصدر مسؤول في قطاع الصيد إن "حجم الخسائر التي يتكبدها المغرب بسبب القطاع غير الرسمي كبير"، مشيراً إلى أن قطاع الصيد يحقق إيرادات بنحو ملياري دولار سنوياً، ويوفر فرص عمل مباشرة لحوالي 160 ألف شخص.
وعندما وضعت وزارة الصيد البحري مخطط تنمية الصيد البحري المعروف باسم "أليوتيس"، كانت تدرك أن هذا المخطط لن يجتث القطاع غير الرسمي، وإنما سيقلص مساحته.

ويشمل الصيد غير بالمشروع، ذلك النشاط الذي تقوم به وحدة صيد غير مرخص لها، أو الصيد في فترة الراحة البيولوجية، أو صيد أنواع من الأسماك ممنوع صيدها، أو الصيد بشباك يُحرم القانون استعمالها.

ويقول مسؤول في وزارة الصيد إن المغرب سعى لمحاصرة التهريب، مدفوعا من قبل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، على اعتبار أنه لا يمكن تصدير سوى الأسماك التي تتوفر على شهادة المنشأ، وما يثبت صيدها في الفترات المسموح بها. ويضيف "المشكلة لا تقتصر على الناشطين في مجال الصيد، وإنما هناك قلة في عدد الموارد البشرية التي تتولى عمليات المراقبة".

وبعد وفاة محسن فكري، اعتقلت السلطات مندوب الصيد البحري ورئيس قسم الصيد في ميناء الحسيمة، الأمر الذي أثار حفيظة نقابتين، دعتا إلى تعليق المراقبة في الموانئ، باعتبار أن هذا الإجراء لا مبرر له، وأنهما قاما بواجبهما، بتولي تدمير الشحنة التي كان ينقلها الراحل.

ويقول منير بلهاض، الكاتب العام للنقابة الوطنية للعاملين في الصيد والمؤسسات الموازية، إن "عدد موظفي وزارة الصيد لا يتعدى 1400 موظف، بل إن مشروع موازنة الدولة خصص للوزارة 10 وظائف في العام المقبل، من بين 23 ألف وظيفة". ويضيف أن الأرباح التي سيجنيها المغرب من محاربة التهريب، ستنعكس على مستوى الناتج الإجمالي المحلي وفرص العمل والتغطية الاجتماعية للعمال وإيرادات الضرائب.

ويؤكد المهنيون أن عدد مراقبي الصيد المعتمدين على مستوى مفوضيات الوزارة، لا يتعدى ثلاثة مراقبين في كل مندوبية. ويقول محمد صابر، الذي عمل في الصيد في أعالي البحار لأكثر من عقد ونصف، إن العدد الإجمالي للمراقبين لا يتجاوز 150 أو 200 مراقب، يفترض فيهم التصدي لتهريب الأسماك عند صيدها، بينما طول السواحل المغربية يصل إلى 3500 كيلومتر.

ويقول ناشطون في قطاع الصيد إن الحكومة لا تتحرك إلا عندما تحدث أزمات ملفتة للانتباه. وكانت الحكومة قد اتخذت إجراءات سابقة لمحاصرة تهريب الأخطبوط، بعدما كان المهربون يستنزفون ثرواته من دون التقيد بفترة الراحة البيولوجية التي أقرتها الحكومة.

وبعد انهيار المخزون من الأخطبوط في بداية الألفية، اتخذت المغرب إجراءات من قبل المراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية وإعادة تهيئة المصايد وتوسيع الراحة البيولوجية والعمل بنظام الحصة، ما أدى إلى رفع المخزون بنسبة 50%، حسب المعهد الوطني للبحث في الصيد.

وأشار المعهد إلى أن إيرادات تصدير الأخطبوط، وصلت إلى 500 مليون دولار العام الماضي 2015، من إجمالي تصدير المنتجات البحرية البالغ قيمتها 1.5 مليار دولار.
وتبنى المغرب استراتيجية في عام 2009، تهدف إلى تأهيل وتثمين منتجاته من الصيد البحري، ما يتيح رفع صادرات القطاع.

وتشير بيانات وزارة الصيد، إلى أن أسطول الصيد في المغرب يتكون من 1800 سفينة للصيد الساحلي، و356 سفينة للصيد في أعالي البحار، فيما يقدر مهنيون عدد قوارب الصيد بـ 16500 قارب، يوجد جزء كبير منها في الأقاليم الجنوبية المشهورة بصيد الأخطبوط.


المساهمون