المغرب..مخاوف "الترشيد" لا تطاول أسواق السلع

15 اغسطس 2016
ظل معدل التضخم في الأعوام الأخيرة دون 2% (Getty)
+ الخط -


رغم التخوفات التي أبداها كثير من المراقبين من رفع الدعم عن المحروقات، إلا أن حكومة عبد الإله بنكيران، دأبت في الأعوام الأخيرة على التأكيد على أنه لم يتم النيل من القدرة الشرائية للمغاربة، حيث تحيل على معدل التضخم الذي استقر دون 2%، كما تؤكد على سعيها لدعم القدرة الشرائية للفئات الهشة.
وفي كل مرة أثيرت فيها مسألة إصلاح الدعم وتداعياته على القدرة الشرائية للمغاربة، كانت الحكومة الحالية ترد، بأن ذلك كان قرارا سياسيا صعبا، إلا أن الأوضاع الدولية ساعدت على حسن تدبيره، كما يؤكد على ذلك محمد الوفا، وزير الشؤون الاقتصادية العامة والحكامة، في أحد ردوده، على تساؤلات مجلس النواب.

ويستحضر المغاربة صعوبة إصلاح الدعم لما كان له من تداعيات سياسية، خاصة أن الدعم كان سببا في ردود أفعال قوية في الشارع المغربي في السابق.
هذا ما يدفع محمد الوفا إلى التأكيد على أن إصلاح الدعم كان يحتاج للغطاء السياسي وتحمل المسؤولية.
وخفضت حكومة بنكيران، الدعم المخصص للمحروقات من 12% من الناتج الإجمالي المحلي، إلى 5.5% في العام الماضي، وهو من القرارات التي رآها بنكيران "مؤلمة"، لكن لا محيد عنها من أجل الحفاظ على توازن الموازنة.

وفي مستهل ديسمبر/كانون الأول الماضي، رفعت الحكومة يدها عن سوق البنزين والسولار والفيول، حيث أضحت أسعارها، تحدد تبعا للعرض والطلب، وهو تدبير ينتظر أن تتلوه تدابير أخرى تمس سلعا تحظى بالدعم.
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، الذي أنجز بمناسبة توفير خط الوقاية والسيولة للمغرب، بأن الحكومة عبرت عن تمسكها بخفض تدريجي للدعم المخصص لبعض السلع.
ويتعلق الأمر بالقمح الذي يتيح توفير الخبز المدعم، والسكر، الذي كانت الحكومة قد اتخذت قرارا برفع الدعم عنه، غير أنها أجلت تفعيله، نظرا لحساسية هذا الموضوع في سياق الإعداد للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد توقعت عند الشروع في رفع الدعم من قبل الحكومة، أن يفضي ذلك إلى ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب الداخلي، وبالتالي تقلص الناتج الإجمالي المحلي. 
غير أن مراقبين يشيرون إلى أن رفع الدعم تزامن مع تراجع سعر النفط في السوق الدولية، ما لم ينعكس كثيرا على الأسعار، متسائلين حول أداء الأسعار، إذا ما ارتفع سعر البرميل في الأعوام المقبلة، علما بأن المغرب يستورد حوالى 94% من احتياجاته النفطية.

وظل معدل التضخم في الأعوام الأخيرة دون 2%، غير أن الاقتصادي المغربي، إدريس لشكر، يتساءل في تصريح لـ "العربي الجديد"، حول سلة السلع التي يحتسب على أساسها التضخم في المغرب.
ويعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الفيدرالية المغربية لحقوق المستهلك، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن المشكل في المغرب، يُطرح على مستوى تركيبة الأسعار، فهي غير معروفة.

ويرى بوعزة أن المغرب يعمل بقانون حرية الأسعار والمنافسة، غير أنه يرى أن الزيادات تبدو في بعض الأحيان غير مفهومة، خاصة في ظل الفوضى التي تسود في السوق بسبب الوسطاء.
ويشدد مراقبون على ضرورة عدم الركون لمعدل التضخم المنخفض، بل لا بد من معرفة مدى تماشي المواطنين مع مستوى المعيشة. فقد أظهر بحث أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، في مايو/أيار الماضي، أن معنويات الأسر كانت في الربع الأول من العام الجاري في أدنى مستوياتها منذ 2008.

وساعد نظام صرف الدرهم على عدم تدهور القدرة الشرائية في الأعوام الأخيرة، رغم خفض مخصصات الدعم، حيث يعتمد المغرب على نظام سعر صرف ثابت، مما ساعد على مواجهة تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية. وتتكون سلة العملات من 60% من الدولار و40% من اليورو. وهذا النظام، يحمي الاقتصاد المغربي، على اعتبار أنه يحد من ارتفاع فاتورة الواردات مثلا.
وإذا كان المراقبون يرون أن الظروف الدولية ساعدت الحكومة الحالية، فإن الاتحادات العمالية، شددت في الحوار الاجتماعي، الذي كان محوره التقاعد، على ضرورة رفع الأجور وتحسين الدخل، دون أن تستجيب الحكومة.

وكانت الحكومة الحالية قد عمدت في 2014 إلى الزيادة في الأجور في القطاعين الخاص والعام، حيث استجابت للاتحادات العمالية، ضد رغبة رجال الأعمال، الذين عبروا عن تحفظهم على ذلك القرار.
وكانت الحكومة قد التزمت في علاقتها مع صندوق النقد الدولي بخفض كتلة الأجور كي تستقر دون 11.5% من الناتج الإجمالي المحلي على المدى المتوسط، خاصة عبر الحد من توفير وظائف جديدة في القطاعات الحكومية.

ويعتبر محمد الهاكش، عضو الاتحاد الوطني للموظفين، أن كتلة الأجور في المغرب لا ترتبط بعدد الموظفين، الذين يمثلون 1.7% من السكان، بل لها علاقة بالفروق في مستوى الأجور بين الدنيا والعليا.
ونبه إلى أن الفوارق في الأجور في الوظيفة العمومية تصل من واحد إلى 33 مرة، مؤكدا أن هذه الفوارق لا تأخذ بعين الاعتبار أجور مديري المؤسسات العمومية، ذلك أن إدماجها سيعمق تلك الفوارق إلى مستويات كبيرة جداً.

وكان رئيس الحكومة قد صرح مرة بأن أحد الوزراء الغربيين استغرب من كون شعبيته لم تتراجع، رغم اتخاذه إجراءات ترفع الأسعار، ودأب في الكثير من الأحيان على التأكيد على أنه يتطلع إلى الاستجابة لمطالب الفئات الدنيا.
ولا يكف عند تطرقه للحصيلة الاجتماعية لحكومته، عن التذكير بتدابير اتخذتها، مثل توفير دعم للأرامل، تفعيل صندوق التعويض عن فقدان العمل، والمضي في تعميم التغطية الصحية للفئات المعوزة، والزيادة في المنح الدراسة للطلبة.

غير أن من المراقبين من يعتبرون أن تلك الإجراءات لا تخلق سياسات عامة يمكنها أن تخفف من حدة التدابير "المؤلمة" التي اتخذتها الحكومة من أجل خفض عجز الموازنة، علماً بأنه لم يتم تفعيل تدبير الدعم المباشر للفئات الفقيرة، رغم الشروع في رفع الدعم عن السلع الأساسية.



المساهمون