المغتربون الجزائريون... موسم عودة منغّص

21 يوليو 2018
لا بدّ من أنّ المنغصات طاولتهنّ (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -


في مثل هذه الأيام، يعود مغتربون كثر إلى أوطانهم لقضاء العطلة الصيفية بين الأهل والأصدقاء. المغتربون الجزائريون من هؤلاء، وهم يشكون من مشكلات تخرّب بشكل من الأشكال عطلتهم.

مع حلول موسم الصيف والعطل وانتهاء الدراسة، تبدأ رحلة العودة المؤقتة للمغتربين الجزائريين إلى الوطن، بهدف قضاء وقت ممتع مع العائلة الكبيرة ومحاولة خلق روابط بين أولادهم ووطنهم الأم. وهذه العودة، على الرغم ممّا تحمله من حنين وحميمية، لا تخلو من منغصات تتكرر في كلّ عام لتفسد على المغتربين بعضاً من فرحتهم. ولعلّ أبرزها غلاء تذاكر السفر والمشكلات التي يواجهونها في مطارات الجزائر وموانئها.

من دول مختلفة حول العالم، يتدفّق المغتربون في الصيف عائدين إلى البلاد، فيكثر الازدحام في المطارات وعند الموانئ، سواء أكان من جرّاء عدد المغتربين العائدين أم عدد أفراد عائلاتهم التي تسارع إلى استقبالهم في أجواء حميمية خالصة. إلى ذلك، تتأهب السلطات الجزائرية في كل عام لاستقبالهم وتنظيم عودتهم في ظروف جيدة، وتلجأ شركة الخطوط الجوية الجزائرية في الغالب إلى زيادة عدد رحلاتها باتجاه المطارات الجزائرية انطلاقاً من المطارات الفرنسية والإيطالية خصوصاً. يُذكر أنّ تلك الرحلات تحمل أكبر عدد من المغتربين الجزائريين. وبهدف ضمان تغطية احتياجات المغتربين وتلبية طلب الجالية الجزائرية، قررت الشركة، بحسب مديرها العام محمد الصالح بولطيف، إضافة 30 رحلة أسبوعية خلال الصيف. إلى ذلك فرضت تخفيضات على الرحلات الداخلية والخارجية لتمكين الجزائريين، لا سيّما المغتربين، من قضاء عطلة نهاية السنة.

لكنّ عدداً كبيراً من المغتربين يشكون من مشكلات سوء الخدمات وغلاء تذاكر السفر على طائرات الخطوط الجوية الجزائرية. يقول محمد تريف، وهو مغترب يقيم في فرنسا، إنّ "ما لا أستطيع فهمه هو تسيير الخطوط المغربية رحلات من فرنسا لمصلحة الجالية المغربية بقيمة لا تتجاوز أحياناً 100 يورو ومثلها تفعل الخطوط التونسية، في حين تبالغ الخطوط الجزائرية في أسعار التذاكر التي تصل في الصيف إلى نحو 300 يورو". يضيف: "تصوّروا مغترباً تتألّف عائلته من أربعة أفراد، هل يمكنه التفكير في السفر لقضاء العطلة في الجزائر؟ ولا ننسى صعوبة الحصول على التذاكر في الأساس". ويشير تريف إلى أنّ "عدداً كبيراً من المغتربين صاروا يحجزون تذاكر سفرهم إلى الجزائر مبكراً قبل أشهر، ليس فقط لضمان سعر معقول إنّما لضمان الحصول على التذاكر كذلك". أمّا مراد بومجرية الذي يقيم في موسكو فيقول إنّ "تذاكر السفر غالية جداً، وكان نواب البرلمان الممثلون للجالية الجزائرية في الخارج قد طالبوا السلطات بالتدخل، لدفعها نحو مراجعة تذاكر سفر الجالية".




وعلى خلفية هذه الظروف، صار قطاع كبير من المغتربين الجزائريين، خصوصاً من سكان مناطق الشرق القريبة إلى تونس مثل عنابة وقسنطينة وحتى سطيف، يرسمون مساراً مغايراً للعودة إلى البلاد عبر تونس. فيعمدون إلى حجز مقاعد في بواخر شركة النقل البحري التونسية وينزلون في ميناء حلق الوادي في ضواحي العاصمة تونس. من هناك، ينطلق هؤلاء المغتربون إلى الجزائر التي لا تبعد عن تونس العاصمة إلا 220 كيلومتراً وهو ما يتطلب ساعتَين ونصف الساعة، وفي ستّ ساعات يصلون إلى مدينة قسنطينة. ويشير ريان سليم المقيم في إيطاليا إلى أنّه يفضّل اللجوء إلى "خط روما - تونس في الباخرة مع سيارتي في مقابل 178 يورو ذهاباً وإياباً، وأدخل الى الجزائر من تونس. ذلك أفضل لي من تذاكر سفر طائرة مع عائلتي بمبلغ يفوق ألف يورو".

لا تنتهي منغّصات المغتربين العائدين إلى الجزائر في المطارات والموانئ هنا، بسبب ما يعدّونه سوء استقبال وضعفاً في الخدمات ومشكلات مع هيئة الجمارك. وفي 19 يونيو/ حزيران الماضي، واجه النائب عن الجالية الجزائرية في أوروبا وأميركا نور الدين بلمداح رئيس الحكومة أحمد أويحيى في جلسة مفتوحة في البرلمان، متحدثاً عن الصعوبات واستياء المغتربين الكبير لدى عودتهم إلى البلاد في الموانئ والمطارات، واصفاً الأمر بأنّه "ابتزاز". وأكد بلمداح: "سبق وقلت مراراً وتكراراً إنّ التقشّف لا يجب أن يطاول شراء معدات مراقبة حديثة للجمارك، لكنّكم تتركونهم يبتزون جاليتنا بالموانئ من خلال تعمّد التفتيش الكلي لمحتويات سياراتهم في غياب متعمّد لكاميرات المراقبة. من يدفع (رشوة) يخرج ومن لا يدفع يتعرّض للمضايقة، في حين أنّ التجار يخرجون من الموانئ معزّزين بسلاسة ومكرّمين بسبب شركاء لهم من أعوان الجمارك". ودعا الحكومة إلى "القضاء على هذه الظواهر المشينة والمسيئة من قبل بعض أعوان الجمارك الذين يطمعون حتى في حبّة موز".




على الرغم من كل هذه المنغّصات التي يواجهها المغتربون الجزائريون، فإنّ قسماً كبيراً منهم يعمل على تجاوزها وإلا كانت لتصير حائلاً دون قضاء عطلة في الوطن، بالقرب من العائلة الكبيرة والأهل والأحبة مع تعريف الأجيال الجديدة على البلاد وعاداتها وتقاليدها وتاريخها، وكذلك تعريف الأولاد على الجزائر وطبيعتها الخلابة وتعزيز الانتماء إلى الوطن بالنسبة إلى المولودين في خارجه وتعليمهم اللغة العربية وبعضاً من الدين الإسلامي.