المعهد القومي للأورام... بؤس مرضى مصر قبل الانفجار وبعده

07 اغسطس 2019
هلع بُعيد الانفجار (جوناثان رشاد/ Getty)
+ الخط -

فجر الاثنين في الخامس من أغسطس/ آب الجاري، وقع انفجار كبير أمام المعهد القومي للأورام في القاهرة، أسفر عن مصرع نحو 20 مواطناً وإصابة نحو 50 آخرين بجروح، فضلاً عن خسائر مادية كبيرة في المبنى. وبينما يناقش كثيرون الانفجار بحدّ ذاته، يبقى مرضى السرطان أكبر المتضررين.

قبل الانفجار الكبير الذي طاول أخيراً المعهد القومي للأورام التابع لجامعة القاهرة والمتخصص في علاج السرطان وأبحاثه، كانت أيّ زيارة له ولو عابرة تُعَدّ بائسة. لطالما غصّ رصيف المعهد بالمرضى، لا سيّما المعدمين منهم، الوافدين من كلّ محافظات مصر بحثاً عن بصيص أمل بالشفاء، لذا رضوا بالانتظار الطويل، إذ إنّ المعهد لا يستقبل سوى عدد محدود من الحالات يومياً. أمّا قيمة تذكرة الكشف الواحدة عن المريض الواحد فهي 10 جنيهات مصرية (نحو نصف دولار أميركي أو أكثر بقليل)، وفي حال كان المريض يملك تأميناً صحياً حكومياً، فبإمكانه حينها الحصول على تذكرة كشف قيمتها 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات أميركية) والدخول في أيّ وقت، حتى بعد انتهاء مواعيد عمل العيادات الخارجية التي تقدّم خدماتها مجاناً للمواطنين حتى الثانية من بعد الظهر.

والعدد المحدود الذي يستقبله المعهد يومياً هو السبب الأول لازدحام المصريين على رصيفه، علماً أنّ بعضاً من هؤلاء المرضى أو ذويهم يحضرون مع بزوغ الشمس، فيما يبيت آخرون ليلتهم على ضفّة النيل المطلّ على المعهد مباشرة. أمّا أسباب الازدحام الأخرى فترتبط بحجم الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، وإهمال المستشفيات الحكومية في البلاد، وارتفاع عدد المصابين بالسرطان سنوياً.




تجدر الإشارة إلى انخفاض قيمة الإنفاق على الصحة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من 1.8 في المائة في موازنة 2014 - 2015 إلى 1.2 في المائة في الموازنة الجديدة 2019 - 2020، على الرغم من أنّ الدستور يشترط تخصيص ثلاثة في المائة من الدخل القومي للإنفاق على الصحة. كذلك انخفض الإنفاق على الصحة في ما يتعلق بإجمالي مصروفات موازنة 2014 - 2015 من 5.4 إلى 4.7 في المائة في موازنة 2019 - 2010.

وتنصّ المادة 18 من الدستور المصري على أنّه "لكل مواطن الحقّ في الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن ثلاثة في المائة من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفائهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم (...)". لكنّه في الإمكان القول إنّ وضع قطاع الصحة في مصر عموماً والمستشفيات الحكومية خصوصاً، قائم على التبرّعات ويأتي في ذيل أولويات الحكومة.

أمّا المعهد القومي للأورام الذي تأسّس في خمسينيات القرن الماضي، وبحسب ما يعرّف عنه القائمون عليه، فهو مؤسسة حكومية تابعة لجامعة القاهرة غير هادفة للربح، تستقبل 25 ألف مريض جديد سنوياً، وتقدّم العلاج المجاني لكل الفئات والأعمار. ويتردد 300 ألف مريض سنوياً على هذا المعهد، وتُجرى فيه 4748 عملية جراحية كبرى سنوياً، فيما يقصده ما بين 150 و200 طفل مريض يومياً، علماً أنّه يضمّ نحو 34 عيادة خارجية تستقبل نحو 1000 مريض يومياً. وبحسب ما نُشر على الصفحة الرسمية للمعهد على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، فإنّ العيادات الخارجية فيه استقبلت 294 ألفاً و587 حالة مرضية (حالات جديدة ومتابعات) في كل التخصصات في خلال العام المنصرم 2018.

أمام مبنى المعهد... بعد لحظات من الحادثة (جوناثان رشاد/ Getty)

وبحسب تصريحات حديثة لعميد المعهد القومي للأورام، الدكتور حاتم أبو القاسم، فإنّ علاج المرضى يتمّ مجاناً من خلال ميزانية جامعة القاهرة التي تغطّي 30 في المائة من ميزانية المعهد وتقدّر بنحو 80 مليون جنيه مصري (نحو أربعة ملايين و800 ألف دولار)، وما تبقى من الميزانية، أيّ 70 في المائة، فتموّل من خلال تبرّعات. لكنّ تلك الأرقام كلها لم تشفع لهذا الصرح الطبي العملاق حتى تتطلّع إليه الحكومة، إلا بعد الانفجار الأخير. يُذكر أنّ المعهد بدأ يستقبل على الأثر، تبرّعات من كلّ حدب وصوب، من قبل رجال أعمال مصريين وكذلك من دول عربية وخليجية.

وكانت وزارة الصحة المصرية قد أفادت في عام 2017 بأنّ نسبة المصابين بالسرطان في البلاد تصل إلى 166.6 إصابات سنوياً من بين كلّ 100 ألف نسمة، بمعنى أنّ إصابة جديدة بالسرطان تظهر في كلّ ساعة. قبل ذلك، في عام 2014، أعلن المعهد القومي للأورام أنّ عدد المصابين بمرض السرطان في مصر يقدّر بنحو مائة ألف مصاب سنوياً. وكانت الخطة القومية لمكافحة السرطان، التي أعدتها اللجنة القومية للأورام في وزارة الصحة والسكان، قد كشفت أنّ معدلات الإصابة بالسرطان مرشّحة للزيادة ثلاثة أضعاف، بحلول عام 2050، إذ إنّ معدّل الإصابة الحالي يصل إلى 166 شخصاً من بين كلّ 100 ألف نسمة، بينما النسب العالمية هي 45 حالة من بين كلّ 100 ألف نسمة.

وتُعَدّ نسبة الإصابة بسرطان الكبد لدى المرضى الذكور الأعلى مع 33 في المائة من الإصابات، ثمّ يأتي سرطان المثانة لديهم بنسبة 10.71 في المائة، وسرطان الرئة بنسبة 5.69 في المائة، وسرطان الغدد اللمفاوية 5.48 في المائة، وسرطان المخ بنسبة 5.48 في المائة، وسرطان البروستات بنسبة 4.27 في المائة. أمّا بالنسبة إلى المريضات الإناث، فتأتي النسبة الأعلى للإصابات بسرطان الثدي مع 32.04 في المائة، ثمّ سرطان الكبد بنسبة 13.54 في المائة، وسرطان المخ بنسبة 5.18 في المائة، وسرطان المبيض بنسبة 4.12 في المائة، وسرطان الغدد اللمفاوية بنسبة 3.80 في المائة، وسرطان الغدة الدرقية بنسبة 3.28 في المائة.



وتكشف تقارير علمية أنّ ثمّة خمسة مصادر أساسية للإصابة بالسرطان في مصر، هي: انتشار المواد الحافظة والألوان الصناعية في كثير من المواد الغذائية، وانتشار اللحوم المصنّعة، وريّ المحاصيل الزراعية بالمياه الآسنة بسبب النقص في مياه الريّ، بالإضافة إلى انتشار المبيدات، وكذلك ارتفاع نسبة الرصاص والأبخرة السامة الصادرة عن عوادم السيارات في الهواء، خصوصاً في القاهرة. تضيف التقارير أنّ ارتفاع أسعار أدوية الأمراض السرطانية وقلة توفّرها في المستشفيات الحكومية والصيدليات العامة، يُعدّان أزمة أخرى بالنسبة إلى المرضى.