عام 1996، كانت إحدى النساء تسبح على أحد الشواطئ في دبي. حدث أن ابتعدت قليلاً عن الشاطئ وبدأت بالاستغاثة. هي لا تعرف السباحة. صرخت طالبة النجدة. هرعت الوحدات المختصة لإنقاذها وسحبتها إلى الشاطئ. ما إن هم شابان من وحدة الإنقاذ بالقفز في المياه، حتى دفعهم الأب بعيداً وبقوة. رفض إنقاذ ابنته. فضل موتها على أن "يلمسها" الغرباء. ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الحادثة بعد عشرين عاماً على حدوثها. وبحسب "مايل أونلاين"، فإن أحد أعضاء وحدات الإنقاذ البحرية كان يروي أخيراً أغرب القصص التي حدثت معه، وأتى على ذكر هذه الحادثة.
لا يهم زمان أو مكان هذه الحادثة، إن وقعت اليوم أو قبل عشرين عاماً. في آسيا أو الإمارات العربية المتحدة، هناك من ينصّب نفسه قيّماً على حياة النساء، ويعطي نفسه الحق بإنهائها. الجرائم التي ترتكب بحق النساء بدافع "الشرف" ليست بعيدة عنها. ما أن تبادر النساء إلى ممارسة حقوقهن أو بديهيات حريتهن بالحب أو السباحة ربما، يأتي من يقرر إنهاء حياتهن. القرار بيده لأنه نصّب نفسه حامياً لمنظومة قيمية ذكورية تضع الشرف بين قدمي الفتاة.
على المقلب الثاني، وفي سياق آخر، تدخل المرأة العشرينية بفستانها الأبيض قاعة الاحتفال. تضع الطرحة على وجهها. تتأبط ذراع والدها الذي يسير بها نحو العريس. "يسلّمه" إياها. يذرف الجميع دموع الفرحة. وينتهي المشهد.
يرتبط هذا المشهد بشكل عضوي بالمشهد الدرامي السابق. بل إنه أحد العوامل التي تمهد لحدوثه لاحقاً. نرفض تصديق النتيجة الدرامية للقتل المستمر للنساء والفتيات. لكننا نحتفل بشكل ممنهج ومنمّط بأحد عوامل حدوثه. العرس ومراسمه في جميع بلدان العالم هو تكريس فج لعمق الثقافة الذكورية. يؤكد التاريخ أن أول فستان عرس باللون الأبيض عام 1840 جاء ليرمز للطهارة الجنسية والعذرية والنقاء الذي يجب أن تتحلى به النساء. وتكمل الطرحة المشهد كونها تغطي وجه المرأة كرمز لحسن أخلاقها "وإذعانها". ويكتمل المشهد حين تُسلّم المرأة من رجل إلى آخر في مشهد سريالي وكأنه يدور بينهما الحديث التالي: "ها هي بذمّتك الآن. لقد قمت بواجبي، وسلّمتها لك عفيفة طاهرة وبريئة. خذها. هي ملكك الآن".
ربما لم يستطع الرجل الذي ترك ابنته تغرق تحمل فكرة "تدنيس" طهارة ابنته وعفّتها إذا مسّها رجل غريب. ربما لم يتحمل أن "يسّلم" ابنته "مدنّسة" إلى رجل آخر ففضل تسليمها للموت. هل من رابط شرطي تلازمي بين من يقدس قيمة "شرف" محصور بين قدمي امرأة وبين المعتوه؟
اقرأ أيضاً: هل قلتم أميركا؟