المعارضة لا تثق في جدوى الحوار السوداني

16 أكتوبر 2015
المعارضة لإبعاد البشير عن رئاسة الحوار (فاروق باكيش/فرانس برس)
+ الخط -


لم تكن المرة الأولى التي يُصدر فيها الرئيس السوداني، عمر البشير، قرارات وتوجيهات رئاسية، في ما يتعلق بإطلاق يد الحريات الصحافية والسياسية، غير أن هذه القرارات لا تُطبّق على الأرض، بل تُنتهَك قبل مرور 24 ساعة على صدورها حتى.

وأظهرت تجارب الحوار السابقة، منذ يناير/كانون الثاني 2014 وحتى الآن، نقاطاً عدة تُشير إلى تراجع البشير عن قراراته. وقد أصدر الرئيس في هذا الصدد، أربعة قرارات، بينها مرسومان جمهوريان يهدفان إلى تهيئة مناخ الحوار عبر إطلاق الحريات، غير أنه دائماً ما تحضر جهة ما لـ"تحطيم" قرارات الرئيس ولا تتقيّد بها.

كما تجلّى ذلك قبل 24 ساعة من خطاب البشير، يوم السبت، مع بدء أعمال مؤتمر الحوار الوطني، التي أعلن خلالها عن قرارات بشأن إطلاق الحريات السياسية والصحافية، وإصداره "عفواً عاماً" عن حَمَلَة السلاح الراغبين في المشاركة بالحوار. واعتقلت الأجهزة الأمنية في هذا السياق، يوم الأحد، رئيس "جبهة القوى الثورية المتحدة"، حافظ إبراهيم، لدى عودته من رحلة استشفاء في العاصمة المصرية القاهرة، بحجة "حظره عن السفر"، قبل أن تعود وتطلق سراحه، بعد ساعات من تدخل لجنة الحريات الخاصة بالحوار الوطني للإفراج عنه.

وقابلت المعارضة السودانية قرارات الرئيس باللامبالاة، واعتبرتها "ذراً للرماد"، وتحدته بـ"الإعلان عن ندوة جماهيرية، في 21 أكتوبر/تشرين الأول الحالي"، بالتزامن مع ذكرى انتفاضة 1964 التي أطاحت الحكم العسكري في حينه.

وترى المعارضة أن "قرارات الرئيس بما يتصل بالحريات خصّ بها الأحزاب المشاركة فقط"، بينما يتنبأ "تحالف المعارضة"، الذي يضمّ 21 حزباً، معظمهم من الأحزاب اليسارية ومن بينهم الحزب الشيوعي، بـ"أن تبدأ مراحل التضييق عليهم أكثر خلال الفترة المقبلة". وتكشف المعارضة أن "لا نية لإطلاق سراح أي من المعتقلين السياسيين".

ويرى القيادي في "تحالف المعارضة" ساطع الحاج، أن "لا رغبة لدى البشير في إطلاق الحريات، سواء للصحافيين أو السياسيين، وأن القرارات قصد منها شراء الوقت". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها "ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها البشير مثل تلك القرارات ذات المعنى الاحتفالي، للسخرية على عقول الناس". ويستبعد الحاج "وجود جهات تُحطّم قرارات الرئيس"، مشدداً على أن "البشير قوي ويمسك بالدولة وقابض عليها، ولا أعتقد أن هناك من حاشيته، أو نظامه، من يجرؤ على تجاوز قراراته".

لكنَّ محللين يرون أن "السبب يكمن في عدم اهتمام البشير بمتابعة قراراته، وغياب جهاز إداري لمتابعتها، ليغيب بالتالي التنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة". ويؤكد هؤلاء "عدم ثقة المعارضة في قرارات البشير عموماً"، وهو ما أشاروا إليه بـ"تمسك المعارضة بالضمانات الدولية والإقليمية، قبل المشاركة في أي حوار مع الحكومة في الخرطوم".

وتشير مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رؤساء قادة الحركات الدارفورية الثلاث، المنشقين عن الحركات الرئيسية، رفضوا عند وصولهم الخرطوم للمشاركة في جلسة الحوار الافتتاحية، النزول من الطائرة الخاصة التي أقلتهم بصحبة الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الضامن لأمنهم. واشترطوا حضور مسؤول الأمن التشادي معهم في الحوار، لعدم ثقتهم في ضمانات الحكومة. وهو ما تمّ بالفعل، قبل أن يعودوا أدراجهم مع ديبي، من دون المشاركة في أعمال لجان الحوار، التي استؤنفت الأحد".

ويقول المحلل السياسي، الطيب إبراهيم، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، إن "معظم قرارات البشير لا تنفذ، بسبب عدم متابعته لها". ويوضح أنه "كما لا يوجد جهاز إداري أسوة بالدول المجاورة، التي قد يتجاوز عديد طاقمه الـ50 شخصاً، باستثناء الموظفين".

اقرأ أيضاً: البشير يمدد وقف إطلاق النار مع انطلاق الحوار

ويضيف إبراهيم "حتى أنه لم يتم توزيع مهامٍ على مجموعة المستشارين الذين عُيّنوا في الحكومة خلال الفترة الماضية". ويرى أن "القرارات ذات الطبيعة الأمنية قد تجد اهتمام الرئيس"، مستبعداً أن "يوقف الأمن صحافياً أو يعتقل سياسياً، من دون علم البشير". ويرى أنه "عموماً قضية الحرية ليست من اهتمامات البشير، الذي يرفض تماماً انتقاد الحكومة".

ومع بدء الحوار، أثار الجدل الذي وقع بين البشير ورئيس حزب "الأمة الوطني" عبدالله مسار، تعليقات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن البشير أدار الجلسة التي تلت الجلسة الافتتاحية، بطريقة عصبية، ما حدا بقادة المعارضة إلى المطالبة بإسناد رئاسة الحوار إلى شخصية محايدة، واصفة البشير بـ"الدكتاتور".

وكان مسار قد طلب الإذن من البشير للتحدث، إلا أن الأخير زجره بلهجة حادة وطالبه التزام الصمت، قائلاً "يا عبدالله أنا عندي قائمة شغال بيها، ما بغيرا عشانك أنت ولا عشان زول (شخص) تاني.. الكلام دا واضح".

وهو ما قاد مسار لاتهام الأمانة العامة للحوار بالفشل، وحمّلها مسؤولية حرمانه من الحديث، مؤكداً أنها "غير مؤهلة لإدارة الحوار". ويتساءل مسار "كيف ستتمّ إدارة حوار لكل أهل السودان، في ظلّ فشل الأمانة العامة للحوار في إعداد قائمة المتحدثين في الجلسة ما بعد الافتتاحية؟".

من جهته، يعتبر الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" ياسر عرمان، أن "رئاسة الحوار تُعدّ من أكبر القضايا"، رافضاً جعل "الخصم نفسه قاضياً". ويشدد أن "رئاسة الحوار مهمة كما الحوار نفسه، وإلا ستتحوّل البلاد كلها إلى عبدالله مسار".

وتمّ استحداث لجنة جديدة خاصة للاتصال بالحركات المسلحة والقوى المعارضة، أُضيفت للجان التي ستُناقش أزمة البلاد، وهي لجان السلام والحريات والهوية والحكم والاقتصاد. وقررت اللجان عقد اجتماعاتها ثلاث مرات أسبوعياً، بمشاركة مائة عضو ينتمون إلى أحزاب ومنظمات مجتمع مدني.

ويرى مراقبون أن "اللجان تقصّدت عدم تكثيف الاجتماعات، لكسب مزيد من الوقت لضمّ القوى المعارضة، لا سيما الحركات الدارفورية، باعتبار أنها تعي تماماً أن الحوار في ظلّ غياب تلك القوى غير مجدٍ، كونها صاحبة التأثير الأكبر على الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد".

وتُشير مصادر مُطّلعة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك جهات داخل الحزب الحاكم، صوّرت للبشير نجاح حوار السبت ومشاركة حركات فاعلة فيه بجانب القوى السياسية، غير أن ذلك لم يحصل، وهو ما أثار غضب البشير في جلسات السبت". وتُضيف المصادر أن "الحكومة بدأت خطوات ردم الهوة مع الاتحاد الأفريقي، الذي قاطع مؤتمر السبت، رغم تسلّمه الدعوة".

وتلفت المصادر إلى أن "الاتحاد الأفريقي والقوى الدولية، طلبت من الخرطوم إرجاء مؤتمر السبت، من دون أن تجد مطالبهم استجابة سودانية". وتكشف أن رئيس الآلية الأفريقية، ثابو أمبيكي، حدّد 23 أكتوبر الحالي، موعداً لعقد المؤتمر التحضيري، الذي يضمّ كافة الفصائل السودانية إلى جانب الحكومة، للاتفاق على أساسيات وإجراءات الحوار".

وتتابع المصادر "الحكومة ستشارك في المؤتمر، على الرغم من إعلانها الرفض، ومشاركتها ستكون عبر لجنة الاتصالات المستحدثة، التي أُنشئت خصيصاً لإخراج الحكومة من الحرج، بعد رفضها المشاركة الأولية". والخلاف، بحسب المصادر، حول المؤتمر، يكمن في أن "الحكومة تريد أن يقتصر اللقاء على الحركات للاتفاق على وقف إطلاق النار، بينما تريد القوى الأخرى أن يكون المؤتمر ضامناً لمشاركة جميع الممانعين".

ويرى المحلل السياسي، حامد عبدالعزيز، أن "الأطراف السودانية مجتمعة، ستواجه بضغط إقليمي ودولي لتسوية الأزمة السودانية عبر الحوار، لا سيما أن القوى الإقليمية والدولية حريصة على عدم انتقال التوتر، الذي يشتعل في المنطقة، إلى السودان".

ويتابع في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "إن انتشار المجموعات المتطرفة، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لإثارة القلاقل من السودان، أمر مقلق". ويعتبر عبدالعزيز أن "التباعد بين الحكومة والمعارضة بشأن الحوار، ليس مجرد مناورات"، ودعا إلى "ضرورة عقد مؤتمرٍ، بغضّ النظر عن المسميّات، يجمع الحكومة مع القوى المعارضة، لأن أي طرف غير قادر على مواصلة الحرب".

اقرأ أيضاً الحكومة السودانية تحاور نفسها اليوم: المعارضة والحركات المسلحة تقاطع

المساهمون