المعارضة في مصر اليوم... وقبل عام

02 سبتمبر 2014
السيسي يخنق الحريات العامة (فاروق باتشي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لا تُشبه الليلة البارحة، على الإطلاق، في مصر، فبعدما ارتفعت أصوات أحزاب المعارضة المصرية وفي مقدمتها "جبهة الإنقاذ"، مطالبةً بإسقاط أول رئيس مُنتخب بعد ثورة 25 يناير، محمد مرسي، ما انتهى بعزله في 3 يوليو/ تموز2013، اكتفى هؤلاء بتقديم مذكرة للنائب العام للمطالبة بإطلاق سراح المحبوسين احتياطياً، متجاهلين حقوق أكثر من 40 ألف معتقل في السجون في نيل حريتهم.

تجاهل هؤلاء أو ربما صموا آذانهم عن كثير من "الممارسات القمعية" للسلطة التي حكمت البلاد بعد 3 يوليو/تموز التي تجاوزت بأشواط، بحسب مراقبين، ما كانت انتقدته ألسنتهم من قرارات، في عهد الرئيس المعزول الذي أتمّ بالكاد عامه الأول في الحكم، وسط مظاهرات للمعارضة، لم تنقطع يوماً، ومطالبات متكررة بإسقاطه.

وبعدما تحولت ميادين القاهرة والمحافظات إلى ساحات للمظاهرات التي جابت شوارع البلاد طولاً وعرضاً، وصل بعضها إلى قصر الاتحادية الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة، وتسلّق بعض المشاركين فيها أسواره، وتمكنوا من الدخول إلى بهوه، بحسب شهود، في ديسمبر/كانون الأول في عام 2012، تحولت شوارع القاهرة والمحافظات في ظل النظام الحالي إلى ثكنات عسكرية أجبرت كل من يحاول الاعتراض على التفكير ألف مرة قبل الدعوة إلى أي احتجاج، فآلة القمع هي لغة الحوار الوحيدة التي فرضتها السلطات.

وتقدم كل من المرشح الرئاسي الخاسر، حمدين صباحي، ورئيس حزب الدستور، هالة شكر الله، الإثنين الماضي، بمذكرة إلى النائب العام، طالبا فيها بالإفراج عن المحبوسين احتياطياً الذين لم تثبت إدانتهم في وقائع جنائية.

اكتفى صباحي وشكر الله بالتقدم بالمذكرة "حفظاً لماء الوجه، بعد ما وجهت الحركات الاحتجاجية إلى قادة (جبهة الإنقاذ) انتقادات لاذعة، على مواقفهم المتخاذلة إزاء ممارسات السلطة القمعية"، حسبما يقول أحد الناشطين الشباب (فضل عدم الإفصاح عن هويته).

ويوضح الناشط، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن سقف معارضة الأحزاب انخفض إلى درجة كبيرة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفرح كثير منهم بإعلان الحكومة نيتها إدخال تعديلات على قانون التظاهر، سيئ السمعة، واعتبروه إنجازاً". ويضيف أنه "لم تدع أي من هذه القوى إلى مسيرة للمطالبة بالاقتصاص للقتلى بعد الانقلاب، كما لم يرفع أحدهم صوتاً للاحتجاج على توجه الحكومة نحو التقشف، ورفعها الأسعار، وفشلها في حل أزمة انقطاع الكهرباء".

ويلفت، إلى أنها "لم تتخذ موقفاً واضحاً من عدم الإعلان عن جدول زمني لإجراء الانتخابات البرلمانية، ولم تحتج على عدم إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية حتى الآن، والتزمت الصمت".

ويشير الناشط، إلى "تفكك معسكر 30 يونيو/حزيران قبل الماضي، الذي دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ما بين من ارتدوا عباءة السلطة من قيادات (جبهة الإنقاذ)، أملاً في مقعد برلمان أشبه ببرلمان 2010 الذي أسقطته ثورة يناير، وبين شباب الحركات الاحتجاجية الرافضين لعودة العسكر إلى سدة الحكم، والمُتحفظين في الوقت نفسه على مطلب عودة الرئيس المعزول".

ويوضح، أنه "ربما يُغير إعلان (حزب الوسط) انسحابه من عضوية التحالف الوطني، لدعم الشرعية ورفض الانقلاب" من ملامح المشهد، وقد يؤدي دوراً في "توحيد كافة القوى الثورية، يميناً ويساراً، الرافضة للانقلاب، تحت مظلة أكثر اتساعاً"، وهو ما أكدته قياداته. ويلفت إلى أنه "لا عزاء حينها لمن ارتموا في أحضان العسكر".

بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، في تصريح لـ" العربي الجديد"، أن "قدرات المعارضة السياسية على رفع سقف مطالبها ترتبط، إلى درجة كبيرة، بمستوى سقف الحرية المتاح لها في ظل النظام السياسي". ويعتبر أنه "وفقاً لهذا المعيار، يمكن القول إنه في ظل نظام جاء بانتخابات مباشرة، اتسمت بمعدلات عالية من النزاهة والشفافية، بعد ثورة شعبية متكاملة الأركان، كان طبيعياً أن تتعدد الرؤى والتيارات السياسية".

ويضيف "في هذا الإطار يكون المعيار الحاكم للمنافسة هو تقييم المواطنين لقدرة هذه التيارات على الحركة، وهو ما رفع من سقف مطالبها، مقارنة بمرحلة من القمع والقهر في ظل نظام جاء بعد انقلاب عسكري متكامل الأركان، لا يعترف بالديمقراطية وآلياتها، وآلته الرئيسة هي الأمن والعنف، في مواجهة كل المعارضين والمنافسين".

ويؤكد عبد الشافي، أن "ارتفاع سقف المطالب يرتبط في جانب منه بتعدد المنابر الإعلامية القادرة على التعبير عن مطالب مختلف القوى السياسية، ونقل مطالبها إلى المواطنين، وتحويل القضايا الهامشية إلى قضايا رئيسة، وهذا ما كان متاحاً بكل قوة في العام الأول من حكم مرسي واختفى نهائياً في ظل سلطة الانقلاب التي تعتمد إعلاماً موجهاً توجه كل العاملين فيه بما تشاء، بما تملكه من أوراق ضغط على كل العاملين فيه".

ويوضح، أنه "من ناحية ثالثة يرتبط سقف حركة المعارضة بثقتها في وجود قضاء وتحكيم للقانون وقدرتها على نشر القضايا والتحقيقات بشفافية شبه مطلقة، بل والتصدي لهذه الأحكام عبر مختلف مستويات التقاضي، وعبر مختلف الوسائل. وهو ما كان متاحاً في العام الأول من حكم مرسي، خلافاً للقضاء المسيس في ظل سلطة انقلابية تحتكر كل السلطات وتقهر كل المعارضين بأحكامها الفاسدة ما أدى إلى تراجع سقف الحريات وبالتالي سقف المطالب".