بدأت في العاصمة السعودية الرياض، أمس الجمعة، اجتماعات موسعة للمعارضة السورية، بهدف مناقشة الاستعدادات لمفاوضات جنيف، المقررة في 20 فبراير/شباط الحالي، وتشكيل وفد موحد يمثل المعارضة في تلك المفاوضات. وبالتوازي أجرى وفد من الائتلاف الوطني السوري مباحثات في موسكو حول سبل تفعيل العملية السياسية في جنيف، والجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار وآليات الرقابة، في حين تشهد ساحات المعارك تصعيداً يسبق عادة كل جولة من المفاوضات السياسية، في إطار محاولة النظام السوري تمرير أجندته قبل أي استحقاق سياسي، وسعي كل طرف لتحسين موقعه التفاوضي قبل الوصول إلى جنيف.
وقال عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري المعارض، نصر الحريري، لـ"العربي الجديد"، إن ممثلين عن الفصائل المسلحة والائتلاف، بالإضافة إلى الهيئة العليا للمفاوضات، يشاركون في اجتماع الرياض، مشيراً إلى أن مشاركة المعارضة في جنيف ستكون وفق قرار مجلس الأمن 2254، والذي يتحدث عن تطبيق بيان جنيف 1، ويتضمن برنامجاً زمنياً للمرحلة الانتقالية، ابتداءً من الانتقال السياسي فصياغة دستور وصولاً إلى الانتخابات. وأضاف أن الاجتماع سيناقش البنود المتعلقة بوقف إطلاق النار، واجتماع جنيف وتشكيلة وفد المعارضة، معتبراً أن الاجتماع "يقدم رسالة أنه مهما حاولت بعض القوى شق صف المعارضة وتشويه تمثيلها، فإن المجتمعين، من مختلف المشارب، يبدون نضجاً سياسياً واضحاً من خلال اجتماعهم هذا للخروج بقرار واحد". وتنتظر المعارضة تفعيل نتائج الاجتماع الذي تم أخيراً على مستوى الخبراء في العاصمة الكازاخية أستانة، بين تركيا وروسيا وإيران، والذي استهدف تحديد أطر اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم في أنقرة، ودخل حيز التنفيذ في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وآليات مراقبته في ضوء الخروقات المتكررة من جانب قوات النظام والمليشيات لهذا الاتفاق.
ورأى الحريري أنه إذا تم إرساء آليات حقيقية لمراقبة الاتفاق، وفق الأفكار التي قدمتها المعارضة لهذا الاجتماع، والشروع بشكل جاد وفعال ببعض الإجراءات الإنسانية، عندها "لن يكون موضوع الذهاب إلى جنيف مقبولاً فحسب، وإنما سيكون هناك أمل لكل السوريين والأطراف الفاعلة في الملف السوري بأننا سنذهب لعملية جدية، ربما توصل هذه المرة إلى حل". وفي هذا الإطار، قال المسؤول الإعلامي في الائتلاف السوري المعارض، أحمد رمضان، لـ"العربي الجديد"، إن وفداً من الائتلاف الوطني السوري، يضم نائب الرئيس، عبد الأحد اسطيفو، وعضوي الهيئة السياسية هادي البحرة وبدر جاموس، التقى أول من أمس نائب وزير الخارجية المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، في مقر وزارة الخارجية، وذلك "للتباحث بخصوص الأوضاع والجهود الدولية لتفعيل العملية السياسية في جنيف، والجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار وآليات الرقابة، كما تم بحث جدول الأعمال المقترح لزيارة رئيس الائتلاف للقاء وزير الخارجية الروسي خلال الفترة القريبة المقبلة".
من جانبها، ذكرت الخارجية الروسية أن بوغدانوف بحث مع وفد الائتلاف "الآراء المطروحة حول الوضع في سورية، والتركيز على مجموعة من قضايا التسوية السياسية، بما في ذلك مفاوضات جنيف المقررة بعد عشرة أيام". ونقلت وسائل إعلام روسية عن أحد أعضاء الوفد قوله إن الزيارة تأتي في سياق استقراء الموقف الروسي الرسمي، وتوجهاته في ما يخص مؤتمري أستانة وجنيف، مشدداً على أن الروس هم اللاعب الأساسي في الملف السوري. وذكرت مصادر في الائتلاف أن مسؤولين فيه كانوا قد رفضوا الذهاب إلى موسكو في وقت سابق، خوفاً من أن تفرض موسكو وجود منصات أخرى إلى جانب الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف وممثلي تشكيلات المعارضة المسلحة في الوفد التفاوضي في جنيف. وكان رمضان قد قال، لـ"العربي الجديد"، إن التوجّه في أوساط المعارضة هو أن يتم تشكيل وفد المعارضة مثالثة بين هيئة التفاوض والائتلاف من جهة والفصائل العسكرية من جهة أخرى، وهيئة التنسيق وبقية المنصات والشخصيات من جهة ثالثة. كذلك توصّلت الهيئة السياسية في الائتلاف، خلال اجتماعها الذي اختتم في إسطنبول الخميس، إلى نتيجة مشابهة، إضافة إلى المثالثة في اللجنة الاستشارية واللجنة التقنية الخاصة بالوفد، بحيث يشارك كل طرف بـ15 عضواً، بمعدل خمسة أعضاء في وفد جنيف، وخمسة لكل من اللجنتين التقنية والاستشارية.
في غضون ذلك، جدّدت موسكو التأكيد على موقفها بضرورة عدم طرح ما سمته شروط مسبقة لاستئناف مفاوضات جنيف، بما فيها شرط تنحي رئيس النظام بشار الأسد. وقال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف إليكسي بورودافكين، "إن مثل هذه الشروط ستقوض الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات"، مضيفاً أن بلاده ترى ضرورة أن تكون هذه المفاوضات مباشرة، وأن يمثل وفد المعارضة ممثلي منصات موسكو والقاهرة وأستانة وحميميم، إلى جانب الأكراد. ودعا إلى الحفاظ على جميع الآليات السابقة للتعاون حول سورية وتطويرها، داعياً الإدارة الأميركية الجديدة إلى "التخلي عن التعصب والعداء الذي شهدناه من الإدارة السابقة، وترجمة الاتفاقات التي تم التوصل إليها في العام الماضي إلى واقع عملي".
من جهته، رحب الحريري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بالعودة الأميركية إلى الملف السوري، معتبراً أن الغياب الأميركي خلال الفترة الماضية كان لصالح النظام السوري وإيران، وأن "مواصلة الغياب الأميركي تهدد ليس سورية وحسب، بل الإقليم والعالم". وأضاف أنه إذا أظهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جدية في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولجم إيران، فإن "ذلك سيكون خيراً للشعب السوري وعموم المنطقة، لأن إيران دولة إرهابية تبث سمومها في كل دول المنطقة". وحول إمكانية أن تراجع المعارضة حساباتها، وتعيد اصطفافها في حال زيادة فاعلية الدور الأميركي خلال المرحلة المقبلة، أوضح الحريري أن المعارضة السورية تبحث دائماً عن مصلحة الشعب السوري، وهي تنتظر دوراً إيجابياً من الولايات المتحدة، و"إذا رأينا سياسة جادة من جانب الإدارة الجديدة في واشنطن، فسيكون خيارنا معها، من دون التفريط بالعلاقة الجديدة مع روسيا، وإن كنا نرى أن الأخيرة ما زالت تدعم نظام الأسد، وإذا واصلت ذلك لن تكون صديقة للشعب السوري".
بدوره، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده تساهم في تفعيل الحوار بين نظام الأسد والأكراد للحفاظ على وحدة سورية. وقال، في مقابلة مع صحيفة "إزفيستيا"، إن الجانب الروسي يبذل جهوداً لتيسير التفاهم بين نظام الأسد والأكراد السوريين من أجل الحفاظ على وحدة البلاد، إذ قامت روسيا، العام الماضي، بأربع جولات من الاتصالات لإقامة هذا الحوار. وأضاف "نؤكد على وجود إمكانيات كبيرة للتوصل إلى اتفاقيات، ويشير إلى ذلك وجود العديد من الأسس المشتركة في مواقف الجانبين، وتحولات هيكلية نراقبها أخيراً". وأشار لافروف إلى أن المسالة الكردية تعتبر مسألة أساسية على صعيد الحفاظ على وحدة أراضي سورية. وقال إن "المسألة الكردية تعتبر قضية أساسية في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وآفاق التسوية في الشرق الأوسط. إن مشاركتنا المعمقة في شؤون المنطقة، والتي تنطلق من مصلحة إعادة إرساء الاستقرار هناك، والقضاء على بؤرة الإرهاب الدولي، يقضي بمواصلة الجهود على صعيد البحث عن حلول وسطية مقبولة تسمح لكافة المجموعات العرقية للشعب السوري بالعيش في سلام ووفاق".