المعارضة السورية متفائلة بحوار مع موسكو بعد التفاهم الروسي-التركي

03 يوليو 2016
نعسان آغا (اليسار) وسالم مسلط في إحدى جولات جنيف(Getty)
+ الخط -
لم تكد تمضي أيام على عودة الدفء للعلاقات بين تركيا وروسيا، حتى بدأ الملف السوري يشهد تبدلات ميدانية وسياسية هامة، قد تدفع باتجاه إحياء العملية السياسية المتوقفة منذ إبريل/ نيسان الماضي، في وقت أبدت المعارضة السورية فيه تفاؤلها بإمكانية فتح قنوات اتصال مع موسكو لإجراء حوار "هادئ"، مشيرة إلى أن التخلص من رئيس النظام السوري بشار الأسد خطوة متقدمة في اتجاه القضاء على الإرهاب في سورية.
وتواصل قوات المعارضة السورية تقدّمها على أكثر من محور في جبلي الأكراد والتركمان على الساحل السوري (غرب سورية)، مستعيدة السيطرة على مواقع جديدة كانت خسرتها في بداية العام الحالي إثر الأزمة بين موسكو وأنقرة على خلفية إسقاط مقاتلة روسية من قِبل الطيران التركي أواخر العام الفائت، حيث كان من الواضح أن موسكو حاولت "معاقبة" الأتراك من خلال تمهيد الطريق أمام قوات النظام للتقدّم نحو الحدود السورية التركية لدفع أكبر عدد من المدنيين للنزوح نحو الشمال، وإرباك أنقرة. كما سهّل الطيران الروسي الطريق لقوات "سورية الديمقراطية" التي يشكّل مقاتلون أكراد ثقلها الأساسي، للسيطرة على مدن وبلدات في ريف حلب الشمالي غير بعيدة عن الحدود التركية للضغط أكثر على أنقرة التي باتت تخشى من تكريس وجود إقليم كردي على حدودها الجنوبية، ما قد يغري أكراد تركيا للمطالبة بإقليم شبيه.
وتأمل المعارضة السورية أن تنعكس عودة العلاقات بين أنقرة وموسكو إيجاباً على ملف المفاوضات المتوقفة منذ إبريل/ نيسان الماضي بسبب رفض النظام الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، وتمسكه بوجهة نظره بالحل، والتي تقوم على "حكومة وحدة وطنية"، وتعديل الدستور، وبقاء الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وإمكانية ترشحه في أي انتخابات تعقب هذه المرحلة. فيما تصر المعارضة على تخلي الأسد عن السلطة لصالح هيئة حكم كاملة الصلاحيات تدير المرحلة الانتقالية، وتعيد هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، وتعتبر هذا الأمر شرطاً لتقدّم العملية السياسية، وضماناً لديمومتها، وتتهم موسكو بمد الأسد بأسباب البقاء، بل ومشاركته في الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين في سورية.
وتبدو المعارضة السورية ميالة إلى النظر بعين الرضى إلى عودة العلاقات الطبيعية بين تركيا التي تعد حليفها الإقليمي الأبرز، وروسيا، وهي الحليف الأهم للأسد ونظامه، إذ يؤكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، تفاؤل المعارضة بأن "تكون العلاقات التركية الروسية الجديدة مدخلاً لحوار هادئ مع روسيا"، مضيفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لعلها (روسيا) تتوقف عن قصف المدنيين السوريين، وتقبل بحل سياسي تتخلى فيه عن دعمها للأسد ضد شعبه"، مشيراً إلى أن روسيا "تعلم أن رحيل الأسد هو مفتاح الحل"، معرباً عن اعتقاده بأن المصالحة بين روسيا وتركيا "تخفف من حالة الاحتقان في المنطقة".


من جهته، يرى نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري موفق نيربية، أن الاستقرار السياسي في العلاقات بين الدول المرتبطة بالملف السوري سواء من جهة المعارضة، أو النظام، "يؤدي دوراً كبيراً في المضي قدماً باتجاه إيجاد حل ينهي المأساة السورية، ويضع حداً للنزف السوري على كل الصعد". ويعتبر نيربية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تفاهم المعارضة السورية مع الروس حيال القضايا الجوهرية في سورية "مسألة إيجابية، وأعتقد أنها تصب في صالحنا"، مشيراً إلى أن الائتلاف لا يمانع في فتح حوار مع موسكو، مضيفاً: "لسنا سلبيين على هذا الصعيد، وأرى أن فتح قنوات الاتصال مع الروس ضروري للدفع باتجاه بلورة اتفاق سياسي يلبي مطالب السوريين، ولا يتجاوز ثوابت الثورة، ومخرجات مؤتمر المعارضة في الرياض".
ويعتقد نيربية أن الأسد وأركان حكمه، هم أصل الإرهاب في سورية، مشيراً إلى أن "كل القوى الدولية باتت مقتنعة بأن حل مشكلة الإرهاب في المنطقة يبدأ مع استبعاد الأسد عن السلطة"، لافتاً إلى أن قوى الثورة والمعارضة السورية تقف مع الجهود الدولية في محاربة الإرهاب بكل أشكاله، مضيفاً: "نحن أدرى بالواقع السوري، وندرك أن استقرار منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق من دون تلبية مطالب السوريين، وفي مقدمتها إبعاد الأسد عن السلطة، فهو الذي أسهم في تأجيج الإرهاب، وفي حال رحيله مع أركان حكمه، وتشكيل هيئة حكم تدير مرحلة انتقالية، فالسوريون قادرون على دحر الإرهاب، وخلال مدة زمنية قصيرة".
ويوضح نيربية أن هناك العديد من المحاذير في طريقة التعامل الدولي مع بعض التنظيمات الراديكالية في سورية، مشدداً على أن المجتمع الدولي "يجب أن يضع وجهة نظرنا بالحسبان، كي لا تتعقد المسألة أكثر من ذلك، ويدفع السوريون أثماناً إضافية من أرواحهم ومستقبل بلادهم"، مشيراً إلى أن القصف الجوي الروسي عندما قيل إنه لضرب تنظيمات إرهابية "استهدف بشكل أو بآخر المعارضة السورية المعتدلة، الإسلامية منها وغير الإسلامية".
من جهة أخرى، كان خلاف قد ظهر خلال الأيام الماضية بين الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية التي تتشارك مع الائتلاف في الهيئة العليا للمفاوضات، على مصير الأسد في المرحلة الانتقالية، إذ ترى هيئة التنسيق، المقربة من موسكو، أن اشتراط رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية "تعجيزي". وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس هيئة التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن خلاف هيئة التنسيق مع الائتلاف الوطني "ليس جوهرياً"، ولكنه يعترف أن هناك ما سمّاها "إشكالية"، مضيفاً: "إنهم (الائتلاف) يطالبون برحيل الأسد قبل بداية المرحلة الانتقالية، والمجموعة الدولية بما فيها الإدارة الأميركية تعتبر وجوده ضرورياً في المرحلة الانتقالية الأولى حتى يتم تسليم صلاحياته إلى هيئة الحكم الانتقالي".
ولا يزال الخلاف الدولي مستمراً حول تصنيف التنظيمات الإرهابية في سورية، وهو ما أشار اليه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، إذ تسعى موسكو إلى ضم فصيلي "أحرار الشام"، و"جيش الإسلام" إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، و"جبهة النصرة"، في قائمة المنظمات الإرهابية في سورية، الأمر الذي لم يوافق عليه مجلس الأمن الدولي.
وتحذر مصادر في المعارضة السورية من استهداف فصائل تقاتل قوات النظام من قِبل الطيران الروسي أو طيران التحالف، مؤكدة أن هذه الفصائل "تمتلك رصيداً شعبياً اكتسبته من خلال مقارعة النظام خلال سنوات، ومن ثم فإن استهدافها في هذا التوقيت يساعد النظام على استباحة أكبر لدماء السوريين". وتشير المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أفضل طريقة لإنهاء الإرهاب في سورية "هي في العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف، وإجبار النظام على توقيع اتفاق يؤسس لمرحلة جديدة ليس للسلاح والتنظيمات المتطرفة فيها أي دور".
إلى ذلك، لم تتوقف المعارضة السورية عند الحديث الذي أدلى به الأسد، أول من أمس الجمعة، لقناة تلفزيونية أسترالية، واعتبرته مصادر في الائتلاف الوطني "فلسفة تافهة لا تقدم، ولا تؤخر"، مشيرة إلى أن حل القضية السورية "لم يعد من اختصاص الأسد ونظامه"، مضيفة: "عندما تتفق الأطراف الدولية على صيغة حل، ليس من الصعب إجبار الأسد على التوقيع".