يسعى قادة الفصائل العسكرية السورية المعارضة إلى جعل خطة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، حول تجميد القتال في مدينة حلب تمتد إلى ريفها، ولا تقتصر فقط على المدينة كما يقترح المبعوث الدولي، وفق ما تكشف مصادر سورية لـ"العربي الجديد".
وكان دي ميستورا قد اجتمع في اسطنبول، أمس الأحد، مع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة، لبحث خطته المتعلقة بتجميد القتال في حلب، على أن يعقد اعتباراً من اليوم، الإثنين، لقاءات مكثّفة في مدينة غازي عنتاب التركية على مدار الأيام الثلاثة المقبلة مع عدد من الفاعليات السورية المعارضة، عسكرية وسياسية ومدنية، بهدف إقناع المعارضة بمبادرته المذكورة.
وتكشف مصادر سورية محلية في غازي عنتاب، لـ"العربي الجديد"، عن أن دي ميستورا سيلتقي وفوداً تمثّل قادة الفصائل العسكرية والحكومة السورية المؤقتة والفاعليات والنخب المدنية والثقافية والسياسية في مدينة حلب.
وتوضح المصادر أن قادة الفصائل العسكرية يركّزون على ضرورة ألا يقتصر تجميد القتال على مدينة حلب، بل أن يمتد إلى ريفها أيضاً، بما يشمل توقّف الغارات الجوية ومحاولات قوات النظام تطويق المدينة.
وتشير المصادر إلى أن الكتائب المسلّحة رفضت في لقائها الأخير مع أحد مساعدي دي ميستورا، وهو شكيب الريس، أن يقتصر التجميد على مدينة حلب، وكانت حينذاك في موقف ضعف نسبياً من الناحية العسكرية إذ كان النظام على وشك تطويق المدينة، أما اليوم فان وضعها أفضل بكثير وهي تصرّ على ألا يقتصر التجميد على مدينة حلب، وتطالب بأن تشمل الخطة إقامة مناطق عازلة في شمال البلاد تؤوي اللاجئين السوريين، والحكومة السورية المؤقتة.
وبحسب المصادر نفسها، فإن دي ميستورا سيبدأ لقاءاته في غازي عنتاب اليوم بالاجتماع مع وفد من الحكومة المؤقتة، برئاسة أحمد طعمة، ووزير الدفاع في الحكومة، سليم إدريس، ومن ثم يلتقي وفدين يمثل الأول الكتائب العسكرية، والثاني النخب السياسية والثورية في مدينة حلب.
ومن المقرر أن يعود المبعوث الدولي إلى مدينة اسطنبول للاجتماع مع الائتلاف المعارض، بعد أن ينهي لقاءاته في مدينة غازي عنتاب القريبة من الحدود السورية.
وكان وفد من الائتلاف قد اجتمع في مدينة الريحانية التركية، أمس الأول، مع المجلس العسكري ورئيس الحكومة المؤقتة ووزيري الدفاع والداخلية في الحكومة، وذلك في إطار التحضير كما يبدو للقاءات مع دي ميستورا.
ويصف عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، محمد خطيب بدلة، في حديث مع "العربي الجديد"، خطة دي ميستورا بالمخيفة، معرباً عن مخاوفه من أن تتحوّل المناطق المقترح تجميد القتال فيها إلى ما يشبه مناطق الحكم الذاتي، وهذا يتناقض مع مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية الذي تلتزم به الأمم المتحدة.
ويتساءل بدلة "لماذا لا تُقام منطقة عازلة في المناطق الحدودية لإيواء مئات آلاف السوريين، الذين تم تهجيرهم إلى تركيا ودول أخرى تحت إرهاب قوات النظام؟"، مشيراً إلى أن الائتلاف "سيوافق على كل خطة تأتي وفق مبادئ جنيف الستة المعروفة".
وحول ما يشاع عن أن دي ميستورا ربما يسعى إلى تجاوز دور الائتلاف كممثل للسوريين، في لقاءاته مع الفاعليات السورية المعارضة من هيئة التنسيق في الداخل والفصائل العسكرية المسيطرة على الأرض والفاعليات الأخرى المختلفة، يؤكد بدلة أن "هناك تنسيقاً دائماً بين الائتلاف والفصائل العسكرية، وتوافُق على الخطوط العامة لأي حل مقترح".
وكان الائتلاف المعارض قد حدّد في اجتماعه الأخير في اسطنبول الخطوط العامة للموقف من المبادرات السياسية المطروحة للحل في سورية، وخصوصاً مبادرة دي ميستورا، وأكد أنّ "أية عملية سياسية يجب أن تستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وما ورد في مبادئ جنيف 1، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب".
ورأى أن المقترحات التي تقدّم بها المبعوث الدولي تتناول جانباً من الإجراءات التمهيديّة، التي يمكن أن تُحضّر لاستئناف عملية سياسية تفضي إلى إقامة حكم انتقالي في سورية.
واعتبر الائتلاف أنّ خريطة الطريق لتلك الإجراءات يجب أن "تشمل إقامة مناطق آمنة، شمال خط العرض 35، وجنوب خط العرض 33، وفي إقليم القلمون، على أن يُحظّر فيها وجود النظام ومليشياته وأي امتداد له، وفرض حظر للقصف الجوي بأشكاله كافة، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين، وضمان وصول المساعدات الإغاثية والطبية والإنسانية اللازمة للمناطق المحاصرة كافة، وإلزام النظام بعدم استخدام المدنيين رهائن، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير السجون السرية، ومحاسبة مرتكبي جرائم حرب".
وكان رامي شحادة، من مكتب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، وشكيب الريس، قد التقيا قبل أكثر من أسبوعين في غازي عنتاب ممثلين عن بعض الكتائب العسكرية العاملة في حلب لإبلاغها فكرة تجميد القتال، وطلبت تلك الفصائل حينذاك المزيد من التفاصيل قبل أن تقرر موقفاً نهائياً، مع إشارتها إلى ضرورة أن يشمل "التجميد" ريف حلب.
ورجّح مراقبون أن يقبل دي ميستورا بشمول ريف المدينة بالخطة، لسهولة بناء خط وقف لإطلاق النار بين المتقاتلين هناك، خلافاً لوسط المدينة حيث تصعب مراقبة تحركات المسلحين.
وحول آلية مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة المجمدة، أشارت مصادر مقربة من المبعوث الدولي، في تسريبات إعلامية، إلى إمكانية إنشاء لجان أمنية مشتركة من مسلّحي المعارضة وجيش النظام ينضم إليها مراقبون من الأمم المتحدة.
وتتضمن العملية أيضاً، بعد وقف إطلاق النار، إعادة الخدمات في المدينة، وهو أمر سيواجه صعوبات كثيرة، خصوصاً أن "جبهة النصرة"، التي ترفض خطة التجميد، "تسيطر على محطة المياه في منطقة سليمان الحلبي، كما أن المحطة الحرارية الكهربائية في حلب تحت سيطرة تنظيم (الدولة الإسلامية/داعش)".
يضاف إلى ما سبق، ضرورة الحصول على دعم تركيا للخطة، وهو ما لم يحصل حتى الآن، إذ تُفضّل أنقرة إقامة منطقة عازلة على الحدود.
إلى ذلك، اجتمع في اسطنبول، أمس الأحد، المبعوث الروسي ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع الائتلاف الوطني المعارض، لبحث الأفكار الروسية المتعلقة بتحريك المسار التفاوضي السوري.
وتحاول روسيا إقناع المعارضة السورية والنظام السوري بعقد لقاء في موسكو في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي لهذا الغرض.