لا يزال الغموض يلف المفاوضات السورية المرتقبة في أستانة خصوصاً لناحية الأطراف التي ستشارك فيها، في ظل إعلان تركي عن موافقة على مشاركة واشنطن فيها، فيما تحدثت مصادر النظام عن أنها ستكون بين المعارضة والنظام حصراً. يأتي ذلك فيما تتواصل اجتماعات أنقرة بين الفصائل العسكرية وقوى المعارضة السورية من جهة، والجانب التركي من جهة أخرى، للتوصل إلى تصور نهائي حول شروط المعارضة للمشاركة في أستانة، مع بروز مسودة "غير نهائية" تشدد على ضرورة وقف إطلاق النار من النظام ونشر مراقبين في خطوط التماس للمناطق المهددة. في مقابل ذلك، لم تتوقف قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معها عن قصف مناطق مختلفة في سورية، وتوجيه إنذارات لمناطق أخرى بتسليم مناطقها في جنوب دمشق ودرعا. وقالت مصادر مختلفة إن الاجتماعات التي تشهدها العاصمة التركية، تواصلت أمس الجمعة بهدف وضع أسس لمفاوضات أستانة المقررة في 23 الشهر الحالي، مشيرة إلى أن معظم القوى السياسية والثورية مثل الحكومة السورية المؤقتة ممثلة برئيسها وعدد من أعضاء الائتلاف وهيئة المفاوضات وشخصيات مستقلة تشارك في الاجتماع إلى جانب الفصائل العسكرية.
من جهته، وصف رئيس المكتب السياسي في "لواء المعتصم"، مصطفى سيجري، في تصريحات صحافية، الاجتماعات التي تُعقد في العاصمة التركية بأنها سورية داخلية، مع حضور الجانب التركي لبعضها، مشيراً إلى أنه لم يُتخذ بعد قرار بشأن مؤتمر أستانة بانتظار التزام النظام بالشروط التي وضعتها المعارضة لحضور هذا المؤتمر. ونفى سيجري وجود أي ضغوط على المشاركين في الاجتماعات من قِبل الجانب التركي.
وبدأت الاجتماعات في العاصمة التركية يوم الثلاثاء الماضي بهدف تحديد الاستراتيجية التي سيتم انتهاجها حيال مفاوضات أستانة. وأصدرت القوى المجتمعة الخميس بياناً قالت فيه إن تحقيق وقف إطلاق نار شامل، يشمل مناطق جنوب دمشق، ووادي بردى، ومحجة في درعا، والغوطة الشرقية، وبيت جن، والقلمون الشرقي، والوعر في حمص، الرستن، تلبيسة، والساحل، هو شرط لقبولها الذهاب إلى أستانة. وأكد البيان التزام فصائل المعارضة بتقديم خرائطها ليتم اعتمادها واحترام خطوط التماس خلال ست ساعات من تاريخ الخرائط كحد أقصى، ووقف التحشيد والهجوم على هذه المناطق. وأكدت الفصائل أنها لن تسلّم أسماء الوفد المفاوض قبل مرور 48 ساعة من التزام النظام وحلفائه بوقف إطلاق النار والحشد على هذه المناطق، واشترطت قبل الذهاب إلى أستانة نشر مراقبين في خطوط التماس للمناطق المهددة. وطالبت بموافقة الضامنين على هذه الآلية على شكل تصريح رسمي يتضمن النص على شمول الهدنة للمناطق التي حددتها الفصائل. غير أن سيجري قال في تصريحاته إن هذه الشروط هي "مسودة غير نهائية" وإن الاجتماعات ما زالت مستمرة من أجل التوصل إلى تصور نهائي.
في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مساء الخميس، أن روسيا وافقت على ضرورة أن تشارك الولايات المتحدة في المحادثات في اجتماع أستانة، مشدداً في تصريح للصحافيين من جنيف على ضرورة نجاح وقف إطلاق النار من أجل نجاح المفاوضات. وأشار إلى أنّ الدعوات إلى المفاوضات ستوجه على الأرجح الأسبوع المقبل، لافتاً إلى أن الهدف من هذه المفاوضات "هو التوصل إلى حل سياسي يشكل الحل الأفضل". لكن موسكو لم تؤكد ما أعلنه جاويش أوغلو. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أمس تعليقاً على هذا الموضوع: "لا يمكن أن أتخذ موقفاً. بالتأكيد، نحن نؤيد أكبر تمثيل ممكن لكل الأطراف" المعنية بالملف السوري، "لكنني لا أستطيع أن أجيب بشكل دقيق الآن".
مقابل ذلك، نقلت وكالة "فرانس برس" عن "مصدر سوري قريب من السلطات" السورية، أنه قد تعقد في 23 الحالي جلسة افتتاحية وبروتوكولية مع العديد من البلدان المدعوة، بينها الولايات المتحدة، كما كانت الحال في العام 2014 في مونترو بسويسرا، وبعد ذلك تبدأ المفاوضات حصراً بين النظام والمعارضة بإشراف روسي تركي.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، علي باكير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك مصلحة تركية-روسية في انعقاد مؤتمر أستانة، لكن هناك مشاكل ومصاعب كما كان متوقعاً"، مشيراً إلى أن "نجاح المؤتمر يتطلب إرادة من الطرفين، ومن الواضح أنّه في الوقت الذي يصرح به نظام الأسد عن استعداداه للمشاركة والتفاوض، فإنه عملياً يخرق الاتفاق كل يوم بمساعدة إيران والمليشيات". وحول ما إذا كانت هناك ضغوط تركية على قوى المعارضة لحضور مؤتمر أستانة، أعرب باكير عن اعتقاده بأنه "إذا أحسنت الفصائل عرض مبرراتها، وفق رؤية واضحة، فلن يكون بإمكان الجانب التركي إجبارها على فعل العكس، ما لم يتم تصحيح الوضع من قبل الطرف الآخر أي محور روسيا".
ميدانياً، وبينما خرجت تظاهرات في العديد من مناطق المعارضة تطالب بوحدة الفصائل ودعم المناطق التي تتعرض لهجمات من قوات النظام، واصلت الأخيرة خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار في العديد من المناطق، خصوصاً في منطقة وادي بردى التي شهدت أمس قصفاً عنيفاً حتى ساعات الظهر، قبل أن يتم وقف إطلاق النار بعد اتفاق بضغط روسي على إيران وحزب الله، ودخول ورش الصيانة إلى منطقة نبع الفيجة لإصلاح الأضرار فيه. وأكد محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم للتلفزيون التابع للنظام أمس أن مهندسين دخلوا منشأة عين الفيجة بالاتفاق مع مسلحي المعارضة وأن إمدادات المياه ستعود قريباً إلى العاصمة دمشق. فيما قال أحد أعضاء الهيئة الإعلامية لوادي بردى في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، يتضمن عودة كل الأهالي إلى قراهم في بسيمة وعين الفيجة وإفرة وهريرة، لكنه أشار إلى أن قوات النظام تمكنت من الدخول إلى قرية بسيمة وبقيت فيها حتى فترة متأخرة من عصر أمس. وأوضح أن الاتفاق يقضي بدخول أفراد من الشرطة المدنية لحماية النبع مع فصائل المنطقة، من دون تدخّل قوات النظام أو "حزب الله"، مشيراً إلى أن المنطقة ستكون تحت إدارة ضابط متقاعد يقيم في قرية عين الفيجة.
فيما قال الناشط أبو محمد البرداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هدوءاً ساد مناطق وادي بردى اعتباراً من الساعة 12 ظهر أمس، حين توقف القصف على المنطقة. وكانت قوات النظام استهدفت منطقة وادي بردى قبل ظهر أمس، خصوصاً منطقتي بسيمة وعين الفيجة، بأكثر من 40 غارة جوية، بينما ألقت مروحيات براميل متفجرة وصواريخ فراغية مع محاولة تقدّم قوات النظام من جهة وادي بسيمة بتغطية كثيفة بالقذائف. لكن مقاتلي المعارضة تصدوا لها. كما قصفت قوات النظام جرود قرية كفيرالزيت بالمدفعية الثقيلة واستهدفتها بغارات من الطيران المروحي.
وفي شمال البلاد، شنّت طائرات النظام ظهر أمس غارات على الأحياء الجنوبية من مدينة إدلب موقعة قتلى وجرحى في صفوف المدنيين ودماراً واسعاً في الممتلكات العامة والخاصة. من جهتها، استهدفت فصائل المعارضة التي تحاصر بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشمالي ولليوم الثاني على التوالي، مواقع وتجمّعات قوات النظام داخل البلدتين، ما تسبب بوقوع عدد من الإصابات في صفوف هذه القوات، التي ردت بقصف مدفعي من داخل البلدتين نحو مواقع المعارضة في محيط بلدة بنش. كما واصلت طائرات النظام غاراتها على قرى وبلدات في ريف حلب الغربي، ما أوقع عدداً من الإصابات في صفوف المدنيين. ورد مقاتلو المعارضة باستهداف تجمّعات لقوات النظام في منطقة حلب الجديدة بعدد من الصواريخ محلية الصنع، الأمر الذي أدى إلى وقوع إصابات في صفوفها.