لا يمكن الحديث عن أي بلد في العالم من دون التطرّق إلى خصوصيّة مطبخه. فالطعام ليس مجرّد غذاء أو حاجة بشريّة، بل تحوّل إلى أحد المعالم السياحيّة التي تضاهي الآثار والمعالم الحضاريّة والمهرجانات المحليّة.
تونس التي طالما راهنت على السياحة كأحد القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد الوطنيّ، لم تشذّ عن القاعدة، واستثمرت في مجال الأطعمة والمطاعم مستغلّة ثراء المطبخ المحليّ الذي جمع بين جذور البلاد الأمازيغيّة وحضارتها العربيّة الإسلامية وتأثّرها بمحيطها المتوسّطيّ، وموقعها الجغرافيّ القريب من أوروبا.
لقد راهنت الدولة على قطاع المطاعم بصنفيها السياحيّ والمحليّ نظراً لما يمثّله هذا القطاع من أهميّة على المستوى الاقتصادي، حيث عملت الحكومات المختلفة على تعزيز القدرة التنافسيّة للمطاعم السياحيّة ودعم المشاريع الكبرى والصغيرة في مجال صناعة "متعة الأكل"، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبيّ والمحليّ، حتى يكاد لا يخلو شارع في معظم المدن التونسيّة من مطعم أو محلّ للوجبات السريعة.
"خلال العشريّتين الأخيرتين، وبعد أن فتحت الدولة المجال أمام الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة، تطوّر قطاع المطاعم بشكل مطرّد ليتحوّل إلى واحد من أهم الاستثمارات في النسيج الاقتصادي التونسي"، بهذا التوصيف استهلّ الخبير الاقتصاديّ محمد ياسين السوسي حديثه مع "العربي الجديد"، ليستطرد قائلاً إنّ معدّل حجم النموّ في هذا القطاع ظلّ ثابتاً عند نسبة 2,3% سنويّاً حسب بيانات وزارة السياحة رغم الهزّات الاقتصاديّة التي شهدتها البلاد عقب الثورة وتزعزع حالة الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ.
ويضيف السوسي أنّ المطاعم في تونس تنقسم إلى صنفين أساسيين، هما المطاعم السياحيّة التي تستهدف بالأساس فئة السياح والطبقة الاجتماعيّة الميسورة، والمطاعم العاديّة أو الشعبيّة التي تمثّل 90% من مجمل المطاعم العاملة في هذا القطاع.
إذ كشف بحث ميدانيّ للمعهد الوطني للإحصاء أنّ عدد المطاعم السياحيّة قد بلغ سنة 2013 نحو 400 مطعم منتشرة في العاصمة التونسيّة والمناطق السياحيّة الكبرى على غرار المدن الساحليّة الشرقيّة. أما المطاعم الشعبيّة فقد بلغ عددها بحسب نفس الدراسة 4020 مطعماً في كافة الأراضي التونسية، وتستحوذ العاصمة على النصيب الأكبر منها بما يزيد عن 3087 مطعماً شعبياً.
كما يساهم هذا القطاع في توفير قرابة 12 ألف موطن شغل بصفة مباشرة في مختلف الاختصاصات، كالطبخ والمحاسبة وخدمة الحرفاء. هذا بالإضافة إلى تأثيره على مجمل القطاعات الأخرى التي ترتبط بأنشطة المطاعم كتجارة المواد الغذائيّة والتجهيز المنزليّ وعمال الصيانة الكهربائيّة، وغيرها من الأعمال الضروريّة لتجهيز المطاعم وصيانتها.
ازدهار قطاع المطاعم في تونس، كان لا بدّ أن يرتبط بنسق استهلاكيّ مرتفع كي يظلّ وجهة استثماريّة مغرية. ويقول صاحب سلسلة مطاعم "أم كلثوم" في منطقة الحمامات السياحيّة، محمد علي سلامة، إنّ المطاعم والأكلات التونسيّة تمثّل عامل جذب أساسيّ للسيّاح الأجانب وحتّى للتونسيّين الذين يبحثون عن تجربة أكلات قد لا يتقنون إعدادها أو للتمتّع بمذاق الطعام في مطاعم راقية وصحيّة.
وفي المقابل، فإنّ الخدمات المميّزة للمطاعم السياحيّة في تونس وجودة الأكلات المقدّمة فيها، هي العامل الرئيسيّ في ازدهار هذا القطاع ونموّه رغم الصعوبات الاقتصاديّة التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات. أما بالحديث عن الأسعار وكلفة تلك الوجبات التي قد تتجاوز 100 دولار للوجبة الواحدة، فيجيب سلامة بأنّ هذا الصنف من المطاعم هو بالأساس موّجه لفئة معيّنة من المستهلكين الذين هم بالأساس السيّاح والطبقة الميسورة في تونس، وبالتالي فإنّ تلك الأسعار تلائم قدرات تلك الفئة من الحرفاء وتتوافق مع مستوى الخدمات وجودة الأكل المقدّم.
من جهة أخرى، تقول العضوة في الجامعة التونسية لأصحاب المقاهي والمطاعم، سميرة البوعلي، والتي تمتلك مطعماً في جهة لافييات من تونس العاصمة، أنّ ازدهار القطاع يعود لتغيّر عادات التونسيّين الغذائيّة، "حيث أنّ 44% من التونسيّين يتناولون وجباتهم المختلفة خارج المنزل، نظراً لضغط العمل الذي يمنعهم من العودة لمنازلهم لتناول الوجبات المنزليّة بالإضافة إلى خروج المرأة للعمل وصعوبة التنسيق بين المطبخ والمكتب في الوقت الحاضر".
وفي هذا السياق، يعلّق الخبير في قطاع المطاعم والفندقة منصف المنقعي، على وضعيّة قطاع المطاعم في تونس قائلاً إنّ "المطاعم الشعبيّة تحوّلت إلى أحد المرافق الأساسيّة وجزء من الخدمات الضروريّة للموظّفين والعاملين في مختلف القطاعات. إذ أنّ ضيق الوقت وضغط العمل واستحالة التنقّل في العاصمة أوقات الذروة التي تمتد طوال ساعات الظهيرة، دفعت التونسيّين إلى هجر الأكل المنزليّ والاستعاضة بالمطاعم الشعبيّة التي توفّر أصنافاً مختلفة من الأكلات والأطباق والوجبات السريعة. هذا بالإضافة إلى أسعارها المتدنيّة بصفة عامة والتي لا تتجاوز في معظم الحالات دولارين ونصف".
ويضيف منصف أنّه يجب الأخذ بالاعتبار أنّ المطاعم الشعبيّة استطاعت الحفاظ على هذه الأسعار المغرية نظراً لاستفادتها من دعم الدولة للمواد الغذائيّة المختلفة "ممّا مكّنها من المحافظة على هامش الربح المرتفع نسبيّاً والإفلات من ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخّم لتصل إلى حدود 10% بالنسبة للمواد الاستهلاكيّة". ولكنّ الخطر الأساسيّ، وفق منصف، يكمن في تواصل الأزمة ونسق الارتفاع السريع للأسعار، والذي يهدّد بصفة جديّة مستقبل هذا القطاع في تونس.
لقد راهنت الدولة على قطاع المطاعم بصنفيها السياحيّ والمحليّ نظراً لما يمثّله هذا القطاع من أهميّة على المستوى الاقتصادي، حيث عملت الحكومات المختلفة على تعزيز القدرة التنافسيّة للمطاعم السياحيّة ودعم المشاريع الكبرى والصغيرة في مجال صناعة "متعة الأكل"، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبيّ والمحليّ، حتى يكاد لا يخلو شارع في معظم المدن التونسيّة من مطعم أو محلّ للوجبات السريعة.
"خلال العشريّتين الأخيرتين، وبعد أن فتحت الدولة المجال أمام الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة، تطوّر قطاع المطاعم بشكل مطرّد ليتحوّل إلى واحد من أهم الاستثمارات في النسيج الاقتصادي التونسي"، بهذا التوصيف استهلّ الخبير الاقتصاديّ محمد ياسين السوسي حديثه مع "العربي الجديد"، ليستطرد قائلاً إنّ معدّل حجم النموّ في هذا القطاع ظلّ ثابتاً عند نسبة 2,3% سنويّاً حسب بيانات وزارة السياحة رغم الهزّات الاقتصاديّة التي شهدتها البلاد عقب الثورة وتزعزع حالة الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ.
ويضيف السوسي أنّ المطاعم في تونس تنقسم إلى صنفين أساسيين، هما المطاعم السياحيّة التي تستهدف بالأساس فئة السياح والطبقة الاجتماعيّة الميسورة، والمطاعم العاديّة أو الشعبيّة التي تمثّل 90% من مجمل المطاعم العاملة في هذا القطاع.
إذ كشف بحث ميدانيّ للمعهد الوطني للإحصاء أنّ عدد المطاعم السياحيّة قد بلغ سنة 2013 نحو 400 مطعم منتشرة في العاصمة التونسيّة والمناطق السياحيّة الكبرى على غرار المدن الساحليّة الشرقيّة. أما المطاعم الشعبيّة فقد بلغ عددها بحسب نفس الدراسة 4020 مطعماً في كافة الأراضي التونسية، وتستحوذ العاصمة على النصيب الأكبر منها بما يزيد عن 3087 مطعماً شعبياً.
كما يساهم هذا القطاع في توفير قرابة 12 ألف موطن شغل بصفة مباشرة في مختلف الاختصاصات، كالطبخ والمحاسبة وخدمة الحرفاء. هذا بالإضافة إلى تأثيره على مجمل القطاعات الأخرى التي ترتبط بأنشطة المطاعم كتجارة المواد الغذائيّة والتجهيز المنزليّ وعمال الصيانة الكهربائيّة، وغيرها من الأعمال الضروريّة لتجهيز المطاعم وصيانتها.
ازدهار قطاع المطاعم في تونس، كان لا بدّ أن يرتبط بنسق استهلاكيّ مرتفع كي يظلّ وجهة استثماريّة مغرية. ويقول صاحب سلسلة مطاعم "أم كلثوم" في منطقة الحمامات السياحيّة، محمد علي سلامة، إنّ المطاعم والأكلات التونسيّة تمثّل عامل جذب أساسيّ للسيّاح الأجانب وحتّى للتونسيّين الذين يبحثون عن تجربة أكلات قد لا يتقنون إعدادها أو للتمتّع بمذاق الطعام في مطاعم راقية وصحيّة.
وفي المقابل، فإنّ الخدمات المميّزة للمطاعم السياحيّة في تونس وجودة الأكلات المقدّمة فيها، هي العامل الرئيسيّ في ازدهار هذا القطاع ونموّه رغم الصعوبات الاقتصاديّة التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات. أما بالحديث عن الأسعار وكلفة تلك الوجبات التي قد تتجاوز 100 دولار للوجبة الواحدة، فيجيب سلامة بأنّ هذا الصنف من المطاعم هو بالأساس موّجه لفئة معيّنة من المستهلكين الذين هم بالأساس السيّاح والطبقة الميسورة في تونس، وبالتالي فإنّ تلك الأسعار تلائم قدرات تلك الفئة من الحرفاء وتتوافق مع مستوى الخدمات وجودة الأكل المقدّم.
من جهة أخرى، تقول العضوة في الجامعة التونسية لأصحاب المقاهي والمطاعم، سميرة البوعلي، والتي تمتلك مطعماً في جهة لافييات من تونس العاصمة، أنّ ازدهار القطاع يعود لتغيّر عادات التونسيّين الغذائيّة، "حيث أنّ 44% من التونسيّين يتناولون وجباتهم المختلفة خارج المنزل، نظراً لضغط العمل الذي يمنعهم من العودة لمنازلهم لتناول الوجبات المنزليّة بالإضافة إلى خروج المرأة للعمل وصعوبة التنسيق بين المطبخ والمكتب في الوقت الحاضر".
وفي هذا السياق، يعلّق الخبير في قطاع المطاعم والفندقة منصف المنقعي، على وضعيّة قطاع المطاعم في تونس قائلاً إنّ "المطاعم الشعبيّة تحوّلت إلى أحد المرافق الأساسيّة وجزء من الخدمات الضروريّة للموظّفين والعاملين في مختلف القطاعات. إذ أنّ ضيق الوقت وضغط العمل واستحالة التنقّل في العاصمة أوقات الذروة التي تمتد طوال ساعات الظهيرة، دفعت التونسيّين إلى هجر الأكل المنزليّ والاستعاضة بالمطاعم الشعبيّة التي توفّر أصنافاً مختلفة من الأكلات والأطباق والوجبات السريعة. هذا بالإضافة إلى أسعارها المتدنيّة بصفة عامة والتي لا تتجاوز في معظم الحالات دولارين ونصف".
ويضيف منصف أنّه يجب الأخذ بالاعتبار أنّ المطاعم الشعبيّة استطاعت الحفاظ على هذه الأسعار المغرية نظراً لاستفادتها من دعم الدولة للمواد الغذائيّة المختلفة "ممّا مكّنها من المحافظة على هامش الربح المرتفع نسبيّاً والإفلات من ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخّم لتصل إلى حدود 10% بالنسبة للمواد الاستهلاكيّة". ولكنّ الخطر الأساسيّ، وفق منصف، يكمن في تواصل الأزمة ونسق الارتفاع السريع للأسعار، والذي يهدّد بصفة جديّة مستقبل هذا القطاع في تونس.