المصلحــــــــــــــــة

11 مايو 2014
+ الخط -

باتت كلمة المصلحة سيئة السمعة في زماننا، وأصبحت وصمة عار فى جبين من يوصف بها، وأمسى من يـُــنعت بها يتوارى عن عيون البشر.
لا ليست المصلحة فى ذاتها سـُـــبة، ولا إهانة، بل على النقيض تمامًا، إنها القانون الذي يحكم علاقات البشر جميعًا، ويضبط التوازنات الكونية في العلاقة بين البشر وبعضهم. فالإنسان لا يُقدم على خطوةٍ من خطوات حياته، ولا يقيم علاقة ما، إلا إن كانت هناك مصلحة مبتغاة، ومقابل مرجو، وعى هذه المصلحة عند إقدامه أم لم يعها، وسواء كانت مادية أو معنوية.
جـُــلَّ المعانى السامية والقيم الشامخة وكل المشاعر وجميع الأخلاقيات في المجتمع، كالعدل والحق والحب والحنان والخير والسلام ...إلخ، إنما تـُحفظ وتـُـصان بقانون المصلحة. فعلاقة الأم بأبنائها، والأبناء بأبويهم، قائمة على المصلحة، وعلاقة الأخ بشقيقه قائمة، أيضًا، على المصلحة، وعلاقة الحبيب بمحبوبته قوامها المصلحة، وكذا كل علاقات المجتمع قائمة على المصلحة نفسها.
ألم تر الأم التى تغدق على صغيرها من صنوف الحنان والحب وعظيم المشاعر، ألم ترها فى قمة نشوتها بل ومنتهى سعادتها، ألا تـُـعد هذه النشوة، وتلك السعادة، بل وشعور الأمومة نفسه هو عين المقابل، والمصلحة الذي تكتسبه من فعلها العظيم. وإذا طوفنا بخيالنا واستبدلنا هذه النشوة والسعادة ألمًا وحزنـًا أتجد الصغير حينئذ يناله أيٌّ من العطف والحنان؟
ألم تر قلب الأم يعتصر حزنـًا وألمًا، ويتملكها الخوف، عندما تجد صغيرها مصابًا، أو متألمًا، وسرعان ما تحاول أن تميط الأذى عنه، ألا يُعَّد دفع الألم والخوف اللذين اعتصرا قلبها عين المقابل والمصلحة الذي تتلقاه الأم حينها، وإذا تخيلت، مرة أخرى، أن هذا الألم تغير، وتبدل إلى سعادة ونشوة، أتجد الأذى حينها يفارق الصغير؟
والحب أيضًا بين الأحباء غير مـُنـَـزَّه عن المصلحة. ألم تستشعر للحب معنى؟ ألم تذق للاشتياق لهيبًا؟ ألم تجد فى كلمات العشق شفاء؟ ألم تجد في نظرات العين مناجاة؟ وهل تجد في الفراق إلا اللوعة؟ وهل تجد فى البعاد إلا الألم والحسرة؟
مذاق الحب ولهيب الاشتياق وروعة العشق ونشوة القلب جميعها المقابل الذي يتقاضاه المحبون عن حبهم، وهو ما يجعل في داخلهم رغبة دفينة في السعي وراء الحب، والنيل منه أينما كان، لأن مصالحهم النفسية والقلبية تتسق مع مشاعر الحب. بل ودفع لوعة الفراق وألم بعاد الأحباب، بما في ذلك من بؤس وشقاء، عن القلوب المحبة، هو أيضًا عين المصلحة التي تبتغيها النفس، ويسعى إليها القلب.
جلب المنفعة ودرء المفسدة أصل كل فعل إنساني في الوجود، ويختلف البشر فقط فى نوع المنفعة التى يرونها تحقق مصالحهم، وفي طبيعة المفسدة التى تـُـجهض أحلامهم؛ فمنهم من يرغب في المصالح المادية، ومنهم من يسعى وراء المصالح المعنوية.
قانون المصلحة، وهو من أسمى قوانين الوجود، تحول بفعل حالة انعدام المعايير التى نحياها في مجتمعاتنا، ليصبح لفظاً سيئ السمعة.
فالحب والأمومة من أعظم معاني الحياة، وأسمى علاقات البشر؛ ولذا، آثرت عرضهما هنا من دون غيرهما لتبيان أثر قانون المصلحة عليهما، فإن كانت هاتان العلاقتان ترتكزان فى الأصل على قانون المصلحة، فكيف لهذا القانون أن يكون سيئ السمعة، ثم لك، بعد ذلك، أن تقيس على هذين المثالين ما شئت من العلاقات، وما شئت من القيم والمبادئ، لتجد الحقيقة الواقعة، أنها جميعها مـُـصانة بقانون المصلحة. هذا، وإن تثبت وتحققت من هذه النظرة، فلا يصح، بعد ذلك، أن تخجل، إذا قال أحدهم عنك إنك تسعى وراء مصلحتك.
لكن، حذار أن تقع فى المحظور، وتسعى وراء مصالحك على حساب مصالح البشر وتدهس بأقدامك أحلامهم، فتلك هي المصلحة التي تستحق سوء السمعة.

 

avata
avata
أحمد رشاد (مصر)
أحمد رشاد (مصر)