وصلت التحركات التي تسارعت في الأيام الأخيرة للتوصل إلى اتفاق تهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وإتمام المصالحة الداخلية بين حركتي "فتح" و"حماس"، إلى نقطة حاسمة، مع توجّه وفد "حماس" إلى القاهرة أمس الأربعاء حاملاً رد الحركة على مشروع التهدئة، وسط مؤشرات توحي بتعقيدات جديدة، في ظل مماطلة من قِبل إسرائيل وتلويحها برفض مشروع التهدئة المطروحة من الأمم المتحدة والمدعومة من مصر وقطر، قبل الحصول على معلومات عن الأسرى الإسرائيليين الأربعة الموجودين بيد "حماس".
كما أن ملف المصالحة لا يخلو من تعقيدات جديدة، خصوصاً بعد التعديلات التي أدخلتها القاهرة على ورقتها للمصالحة التي كانت "حماس" قد وافقت عليها، بينما رفضتها "فتح"، لتأتي التعديلات الجديدة لتتبنّى شروط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ما دفع "حماس" للتعبير عن ملاحظات لديها، وخصوصاً حول تأخير رفع العقوبات عن قطاع غزة، المحاصر منذ 12 عاماً.
وعاد إلى العاصمة المصرية القاهرة أمس وفد حركة "حماس" قادماً من قطاع غزة، برئاسة صالح العاروري، حاملاً معه رد الحركة على مشروع التهدئة المقدّم من مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، برعاية مصرية وضمانات قطرية. كذلك حل عباس ضيفاً في الدوحة بعد مروره بعمّان ولقائه الملك الأردني عبدالله الثاني، الآتي من رحلة 40 يوماً إلى أميركا، فيما تواصل الإدارة الأميركية اتصالاتها لإقناع أطراف إقليمية ودولية بإملاءاتها لتصفية القضية الفلسطينية باسم "صفقة القرن"، حسبما أكد المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات. في حين من المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت" اليوم الخميس، لمناقشة التهدئة مع قطاع غزة على ضوء اللقاء المرتقب بين وفد "حماس" ومسؤولي جهاز المخابرات العامة المصرية.
وقالت مصادر قيادية في حركة "حماس"، لـ"العربي الجديد"، إن وفد الحركة العائد إلى القاهرة بقيادة العاروري، بعد اجتماعات عقدها مع المجلس العسكري لـ"كتائب القسام"، وممثلي الفصائل المختلفة، وقيادة الحركة في القطاع، يحمل رداً مفصلاً على الورقة المصرية للمصالحة الداخلية، والملاحظات التي سبق لوفد حركة "فتح" بقيادة عزام الأحمد أن طرحها على الجانب المصري الأسبوع قبل الماضي، إضافة إلى حمل الوفد لرد الحركة بعد التنسيق مع الفصائل على مقترح التهدئة المقدّم من المبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف.
وأضافت المصادر أن "حماس لا تمانع عقد الهدنة، شرط وجود ضمانات واضحة بعدم اختراقها، تحت ذرائع واهية في أي وقت أو الإخلال بأي بند من بنود الاتفاق المتعلقة بفتح المعابر وتسهيل الحركة عليها، مع تحويل معبر رفح لمعبر بضائع، إلى جانب حركة الأفراد، بالإضافة لاحتفاظ الحركة بحق الرد على أي خروقات للهدنة من جانب الاحتلال".
ولفتت المصادر أن "حماس تمسكت بعدم المساس بسلاحها أو سلاح الفصائل الأخرى، مع تعهدها بضبط الإيقاع داخل القطاع وعدم خرق الهدنة من جانب غزة سواء من قِبل كتائب القسام أو أي من الفصائل الأخرى بعد الحصول على موقف موحّد من كافة الفصائل". كما أشارت إلى اشتراط الحركة فتح أجواء العمل لأبناء القطاع، من خلال توسيع مساحات الصيد، وتسهيل حركة المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال.
وأوضحت المصادر أن "هناك توجساً لدى قيادة الحركة من تملّص إسرائيل من الاتفاق بعد انتهائها من مجموعة من الإجراءات الأمنية والاحترازية التي تنفذها بطول الحدود المشتركة بين القطاع والأراضي المحتلة، في وقت تصل فيه مدة الهدنة المقترحة لخمس سنوات"، متابعة "الحركة تُبدي تجاوبها مع كافة الجهود الدولية والعربية في هذا الصدد حتى لا تُتهم بأنها هي سبب العرقلة ويتم تعليق مسؤولية الأوضاع الإنسانية المتردية في القطاع عليها".
وذكرت المصادر نفسها أن "إسرائيل تعرض تخفيف حصارها لقطاع غزة مقابل التزام الفلسطينيين بالتهدئة على الجانب الخاص بهم من الحدود، وتجديد تصاريح الصيد فقط، من دون الحديث عن تسهيلات متعلقة بتيسير الحياة اليومية لشعبنا". أما على صعيد الحديث بشأن صفقة لتبادل الأسرى بين الاحتلال وما إذا كانت جزءاً من اتفاق التهدئة، أكدت المصادر على استقلالية ملف صفقة الأسرى، لافتة إلى أنها قد تكون في مرحلة مستقلة بعد التوصل لاتفاق الهدنة.
لكن الإيجابية التي تتعامل بها "حماس" مع مقترح الهدنة، يقابلها الاحتلال بشروط مسبقة، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، الذي استبعد التوصل إلى "اتفاق موسع وطويل المدى لوقف إطلاق النار مع حماس في غزة". ولكنه استدرك: "قد تكون هناك قنوات سرية غير معروفة حتى للوزراء، وحينما يتم تقديم الاقتراح فسيتم نقاشه". واعتبر أردان، في حديث للموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس، أن أي اتفاق في غزة يجب أن يتضمن "هدوءاً كاملاً، ونحن بالتأكيد لن نساوم على وقف الطائرات الورقية والبالونات الحارقة وبالطبع وقف إرهاب المسيرات أيام الجُمَع". وقال: "تعليماتنا وسياستنا هي أنه يجب أن يكون هناك رد قوي على أي انتهاك لسيادتنا وأي عمل إرهابي يجري من قطاع غزة ضد المواطنين الإسرائيليين". وأضاف "لن نوافق على إعادة تأهيل طويل المدى لقطاع غزة من دون الحصول على حل لجنودنا ومواطنينا الذين تحتجزهم حماس، ومنعها من بناء قدراتها".
لكن القيادي في "حماس" خليل الحية، قال إن لحركته "ملاحظات" على الورقة الجديدة التي قدّمتها مصر بغرض تحقيق المصالحة. وأوضح الحية، في مقابلة مع قناة "الجزيرة مباشر"، أن "مصر كانت قد قدّمت ورقة للمصالحة، ووافقنا عليها، ثم فوجئنا بتقديم ورقة جديدة... هذه الورقة لدينا ولدى الفصائل ملاحظات عليها". ولم يكشف الحية تفاصيل الورقة الجديدة، لكنه أكد أن حركته تشترط رفع عباس "العقوبات التي فرضها على قطاع غزة"، قبل البدء في تنفيذ المصالحة. وأضاف: "نريد مصالحة تقوم على أساس اتفاقيات القاهرة التي وقعت عام 2011، ومخرجات بيروت في يناير/كانون الثاني 2017".
يُذكر أن الورقة المصرية في نسختها الأولى التي كانت "حماس" قد وافقت عليها، نصّت على أن المصالحة سيتم إنجازها عبر 4 مراحل، بواقع 10 بنود، وتتضمن المرحلة الأولى منها "إنهاء الإجراءات المتّخذة ضد غزة بصورة فورية، وإعادة رواتب الموظفين (موظفي السلطة الفلسطينية في غزة) بشكل كامل، ودفع الموازنات التشغيلية للوزارات، وتوفير وقود لمحطة الكهرباء من دون ضرائب".
في المقابل، جاءت الورقة المعدّلة لتتألف من ثلاث مراحل بعد إدخال تعديلات، أبرزها تأخير إنهاء إجراءات السلطة الفلسطينية ضد غزة، بما يلبي بوضوح شروط عباس بالكامل. وبحسب مصادر فلسطينية نقلت عنها وسائل إعلام أخيراً، أن القاهرة عدّلت ورقتها للمصالحة الفلسطينية بعد ملاحظات من "فتح" وعباس، لتصبح من ثلاث مراحل، أولها تبدأ بعودة الوزراء في حكومة الوفاق الوطني والموظفين لمزاولة عملهم في غزة، يليها توجّه وفد أمني يمثل السلطة الفلسطينية لعقد اجتماعات مع وفد أمني من "حماس" في القاهرة وعقد اجتماع بين مسؤولين في وزارة المالية في الضفة وغزة للاتفاق على تسليم حماس الجباية لحكومة التوافق، على أن تشهد المرحلة الأولى أيضاً بدء محادثات تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أما المرحلة الثانية فتتضمن تسليم الجباية على أرض الواقع لوزارة المالية في حكومة الوفاق، والتعهد بصرف رواتب موظفي غزة، إضافة إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء في مقره في مدينة غزة لتقويم تمكين الحكومة وما أُنجز في المرحلتين. بينما المرحلة الثالثة تتضمن عقد اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من "حماس" والسلطة الفلسطينية، فضلاً عن عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت المكلّف إعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير.
يُذكر أنه في سياق الحراك حول الملف الفلسطيني، التقى نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الثلاثاء، بملادينوف. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أنه جرى خلال الاجتماع استعراض تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، لا سيما التطورات الأخيرة في قطاع غزة.