المصادرة... الحل لإعادة ما نهبه نظام مبارك

27 يونيو 2016
احتجاجات مطالبة بمحاسبة الفاسدين (Getty)
+ الخط -
لاقى عدد من المرضى حتفهم بسبب تقصير الدولة المصرية في علاجهم بحجة قلة الموارد المالية قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. اليوم الحالة تتكرر بسبب ضعف مخصصات الصحة في الموازنة نتيجة قلة الموارد المالية أيضاً. من خلال هذه الأحداث، يسوق النظام أطروحة "التصالح" مع الفاسدين من رجال الرئيس المخلوع، حسني مبارك، يوماً تلو الآخر تحت وطأة تدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
في مارس/ آذار 2015 قطعت الدولة أولى الخطوات الفعلية في المصالحة، وذلك بإجراء تعديلات في قانون العقوبات ينظم إجراءات "التصالح" مع رجال الأعمال بموجب تسوية تتم بمعرفة لجنة من الخبراء يشكلها مجلس الوزراء.
وهنا، تثار عشرات التساؤلات في ملف "التصالح" على الرغم من عدم إبرام اتفاقات نهائية حتى الآن. في مقدمة هذه التساؤلات، هل هناك تقديرات بشأن حجم المبالغ المنهوبة التي ستخضع للتصالح؟ هل استنفدت الدولة كافة جولاتها للمضي في هذا الملف قدماً؟ هل هناك طرُق أخرى لاسترداد الأموال دون مصالحة؟ وماذا بشأن الإخلال بمبدأ العدالة بين جميع المواطنين الذين ارتكبوا قضايا فساد؟ ما هي ضمانات عدم تحول المصالحة إلى آلية لتقنين الفساد؟
"لا توجد أرقام واضحة أو تقديرات لحجم الفساد الذي ارتكبه رجال مبارك، لحسم قيمة الأموال المتصالح بشأنها. فتضارب الأرقام، السمة الغالبة على هذا الملف" وفق ما يقوله الخبير المصرفي محمود فريد في تصريحات.
وهناك تضارب عنيف للأرقام، فكل جهة تعلن أرقاماً مختلفة، وفي الوقت الذي أعلن فيه المدعي العام السويسري تجميد 730 مليون دولار بحسابات رجال مبارك بخلاف 134 مليون دولار جمدتها المملكة المتحدة، قدرت مباحث الأموال العامة المصرية الأموال المهربة بنحو مليار ونصف المليار دولار، ثم انخفضت إلى 1.3 مليار دولار بحسب تقديرات اللجنة الشعبة لاسترداد أموال مصر المنهوبة بالخارج.
ويشير فريد إلى أن هناك من يدفع نحو المصالحة من داخل الأروقة الحكومية، إذ إن الدول تطالب عادة بوجود أحكام قضائية مبرمة، تثبت جمع الأموال بطرق غير شرعية حتى يتم اكتشاف الأموال المودعة في المصارف من أجل مصادرتها، إلا أن العديد من المتهمين في قضايا فساد حصلوا على أحكام براءة، لافتاً إلى أن إخفاء الأموال بشركات "الأوف شور" في جزر النعيم الضريبي، مثل بنما والكايمن، وتعقيدات تحويل الأموال بين عدة حسابات سرية يجهض أمال استرداد الأموال دون أحكام إدانة.

تختلف تقديرات حجم الأموال المتصالح بشأنها، فكان وزير العدل السابق، أحمد الزند، قد أكد إتمام تسوية قضايا مع نحو 10 أشخاص مقابل سداد أكثر من 10 مليارات جنيه. ثم أعلن وزير العدل الحالي، حسام عبدالرحيم، أن هناك 35 قضية تصالح تتم مع رجال أعمال من رموز نظام مبارك.

يشمل ملف المصالحة أسماء عديدة، على رأسها الرئيس المخلوع، حسني مبارك ونجليه. تقودنا هذه الأرقام للسؤال عن حجم الاستفادة من المصالحة مقارنة بتكلفة الفساد. فإذا كانت الدولة ستحصل على أكثر من 10 مليارات جنيه من التصالح، فهناك 40 مليار جنيه فقدت بسبب الفساد وفقاً لبيانات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فإذن ما هي الضمانات لإغلاق منافذ الفساد؟
تقول الباحثة في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، ريم سليم، في تقرير بعنوان "رجال الأعمال المصريون بين المصالحة والمصادرة": "إن شركات رجال الأعمال الفاسدين تحظى بالحماية، مع تقليل فرصة دخول منافسين لهم بنسبة 29%، وينخفض نمو التوظيف بنسبة 1.4% بهذه الشركات، فضلاً عن انتهاك حقوق العمال، كما أن 45% من هذه الشركات تعمل في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة بالأسعار المدعمة، مقابل 8% فقط من مجموع الشركات في مصر".
وتؤكد سليم أن هناك محددات للمصالحة تشمل نموذج النمو الذي تنتهجه الدولة فإذا كانت تعتمد على المشروعات القومية، فالأفضل مصادرة ممتلكات الفاسدين أما إذا اتجهت لتنشيط دور القطاع الخاص فسيكون الأجدى عودة رجال الأعمال لمباشرة العمل في منشآتهم. هذا فضلاً عن تقدير تكلفة الفرصة البديلة، حيث إن فشل استرداد الأموال المهربة فرض اتجاه المصالحة، ولكن في الوقت نفسه، هناك خيار المُصادرة. وتضيف أنه إلى ذلك، هناك، أيضاً، محدد آخر يتعلق بالعدالة الاجتماعية، حيث أن السخط الاجتماعي يقلل جدوى المصالحة، وربما يتسبب في زعزعة السلم الاجتماعي، ويخلق احتقاناً بين طبقات المجتمع.
تحظى فرضية مصادرة أموال الفاسدين داخل البلاد بشعبية كبيرة، إذ يطالب الخبير الاقتصادي، أشرف حمدي، بالانحياز لمصادرة الأموال نظراً لأن كسبها تم عبر طرق غير شرعية، كما أنه لا يوجد أي أرقام تقديرية بهذا الشأن.
ويعتبر حمدي أن العدالة الاجتماعية التي نادى بها الشعب المصري، منذ ثورة 2011، تتنافى مع المصالحة لأن الثورة قامت بالأساس ضد الفساد.
من جهة أخرى، تلقى المصالحة تأييد فريق آخر بدعوى أنها تفتح الطريق مرة أخرى أمام جذب الاستثمارات. فيؤكد مدير الاستثمار، أيمن عبدالحميد، أن ملاحقة رجال الأعمال على مدار السنوات الماضية ساهم في تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 6 مليارات دولار مقارنة بنحو 8 إلى 10 مليارات دولار قبل الثورة.
ويقول إنه لا شك أن الموقف الاقتصادي بات محرجاً للغاية، فالدين العام تجاوز حاجز تريليوني جنيه، وعجز الموازنة تخطى 300 مليار جنيه سنوياً، ما يعني أن الدولة في حاجة لموارد مالية جديدة والعمل على تشجيع الاستثمارات.

المساهمون