هذا ما يُلحظ من التعاطف الكبير، الذي أبداه مرشحو الرئاسة الأميركيون مع مسلمي أميركا والعالم، معربين عن رفضهم تصريحات زميلهم الساعي إلى ترشيح الحزب "الجمهوري" للرئاسة دونالد ترامب.
اقرأ أيضاً: النازيون الجدد يدعمون ترامب بعد عنصريته تجاه المسلمين
وفي تصريحات مثيرة للجدل، دعا ترامب إلى منع دخول المسلمين إلى الأراضي الأميركية، وفرض رقابة على المساجد في الولايات المتحدة لمعرفة ما يدور فيها، الأمر الذي أثار مخاوف من احتمال استهداف المصلين من قبل متطرفين أميركيين داخل المساجد.
وجاءت الانتقادات لتصريحات ترامب من داخل معسكر الجمهوريين أنفسهم، بمن فيهم نائب الرئيس الأميركي الأسبق، ديك تشيني، إضافة إلى مختلف الأوساط السياسية والفكرية.
وعلى الرغم من الانتقادات التي جلبها على نفسه، غير أنّ مجرد حصول جدال واسع حول تصريحاته، جعله محط أنظار، وسلّط عليه الأضواء، التي يمكن ان يستغلها للتقرّب من الناخب.
ويعتبر المرشح ذو الشعبية الواسعة منافسيه بأنهم أصحاب لغة مخملية منمقة، يتحدثون بها إلى رجل الشارع البسيط من بروج عاجية عالية، فيما يختار هو الصراحة السياسية والكلمات البسيطة، مهما اعتبرها الآخرون فاحشة أو قبيحة، بحسب رأيه.
ومن الدلائل على أن رجل الأعمال والنجم التلفزيوني الساعي إلى دخول البيت البيض يدرك خطورة أفكاره المعادية للمسلمين، أنّ تصريحاته جاءت قبل أسبوع واحد من موعد مناظرة سياسية، من المقرر أن يجريها مع زملائه المتنافسين على ترشيح الحزب "الجمهوري" لهم، والذين يتفوق الملياردير ترامب عليهم جميعاً في استطلاعات الرأي العام.
ومن خلال هذه التصريحات يكون ترامب قد حدد الموضوع الأكثر بروزاً في المناظرة سلفاً، وهو الموقف من التطرف الإسلامي.
لكن في الوقت نفسه، فإن هجوم ترامب على المسلمين، لم يكن زلة لسان أو مجرد كلام مرتجل في لحظة فورة عاطفية أمام حشد من المصفقين، بل كانت إثارة مقصودة، إذ إنه قرأها من ورقة مكتوبة معدّة سلفاً في أحد التجمعات الانتخابية بولاية نورث كارولينا، وقوبلت بهتافات آلاف المؤيدين من أنصار حملته الانتخابية.
استثناءات ترامب
وفي وقت لاحق، استثنى ترامب من المنع المقترح لدخول الأراضي الأميركية، المسلمين الملتحقين بالخدمة العسكرية في وحدات الجيش الأميركي الموجودين حالياً في الخارج، قائلاً لمحطة "فوكس نيوز"، إن هؤلاء مرحب بهم للعودة إلى وطنهم الأميركي، ولا حاجة لمنعهم من الدخول. كما استثنى المسلمين الموجودين داخل الولايات المتحدة من الطرد خارج البلاد، إن كان وجودهم قانونياً مع اشتراطه فتح العيون عليهم واستطلاع ما يدور في مساجدهم لمعرفة أسباب الغضب، الذي قال إنه يثير الكراهية ضدّ القيم الأميركية، بحسب اعتقاده.
انتقادات
ورفض البيت الأبيض والمنظمات الحقوقية الإسلامية وغير الإسلامية، تصريحات ترامب العنصرية، فيما سارعت المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة، هيلاري كلينتون، ومنافسها الديمقراطي، بيرني ساندرز، إلى شجب ما قاله ترامب، ووصفا اقتراحه بـ"فكرة ذميمة تنم عن عنصرية وتؤدي إلى الانقسام". لكن اللافت كان قادة التشدّد في الحزب "الجمهوري". وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار رفض ديك تشيني تصريحات ترامب، بأنه بمثابة رفض من مؤسسة الحزب "الجمهوري" لترشيح الأخير بغضّ النظر عن تقدمه في استطلاعات الرأي، وهو ما يفتح باب الاحتمالات بأن يضطر ترامب لخوض السباق كمرشح مستقل.
إضافة إلى ذلك، رفض جميع المرشحين المنتمين إلى الحزب "الجمهوري" ممن يختلفون مع ترامب في بعض القضايا الفرعية، ويجتمعون معه حول العديد من القواسم المشتركة ومن ضمنها العداء للعرب والمسلمين، "نبرة العداء الفاحش" في دعوته، مبدين تعاطفاً نسبياً نادراً مع مسلمي أميركا.
وأول من بادر من هؤلاء المرشحين إلى مهاجمة ترامب، كان حاكم ولاية فلوريدا السابق، جيب بوش، الذي وصفه في تغريدة على موقع "تويتر" بالمعتوه، فيما تفادى منافسه الآخر السيناتور ماركو روبيو إطلاق أي وصف على ترامب كشخص، مركّزاً على تصريحاته بالقول إنّها "شاذة واستعدائية".
وبادرت المرشحة الجمهورية، كارلي فيورينا، الطامحة إلى منافسة كلينتون، إلى إبداء اعتراضها على هذه التصريحات، قائلةً إنّها لم تكن ضرورية.
وتميّز جراح الأعصاب الأميركي من أصل أفريقي، بن كارلسون، المنافس على ترشيح الجمهوري، بانتقاد ترامب بطريقته الخاصة، إذ أعرب عن رفضه جعل الدين أساساً لتنظيم الدخول إلى الولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه، قدم بديلاً لذلك يتمثل في فرض تسجيل جميع القادمين إلى أميركا كما تفعل الدول الأخرى بغضّ النظر عن جنسياتهم أو دياناتهم.
وكان كارسون قد أدلى بتصريحات سابقة معادية للمسلمين، وإن كانت أقل حدّة، رفض خلالها القبول بترشيح أي مسلم لرئاسة الولايات المتحدة. ولا يخلو سجل المرشحين الآخرين درجة من درجات العداء للمسلمين لكنهم وجدوا في تصريحات ترامب الذي يسبقهم في استطلاعات الرأي فرصة ذهبية لتوجيه الضربات إليه، في حين أنه ألقى حجراً في مياه راكدة لإنقاذ شعبيته من التراجع دون أن يظهر تهيباً من أن يتلطخ هو برذاذها قبل غيره.
اللاجئون السوريون
من بين جميع منافسي ترامب الجمهوريين، كان ممثل حزب "الشاي" المتشدد السيناتور، تيد كروز، الوحيد الذي حرص على الاستفادة من الهجمة على ترامب، دون أن يبدي تناقضاً أو تنازلاً، عما يشترك فيه مع ترامب، إذ انتقد تعميم المنع على المسلمين جميعاً، مقترحاً أن يقتصر على اللاجئين السوريين أو على المهاجرين القادمين من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
في هذه الأثناء، ظهرت تسريبات استخبارية عن محاولات تنظيم "داعش" اختراق صفوف اللاجئين السوريين لدخول الولايات المتحدة. وجاءت هذه التسريبات على ما يبدو لدعم الجهود الرافضة لاستقبال لاجئين سوريين إلى الولايات المتحدة، بحجة أنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي الأميركي. وفي هذا الإطار، نقلت مصادر إعلامية أميركية عن أعضاء في لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي قولهم إن مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأميركية ومركز مكافحة الإرهاب توصلوا إلى معلومات بأن تنظيم "داعش" استطلع إمكانية استغلال برنامج اللجوء لاختراق الأراضي الأميركية. وزعمت المصادر نفسها أن مراسلات رسمية، صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب، إلى جهات تنفيذية وتشريعية تتضمن إشارات إلى أن مسألة الاستفادة من موجات اللجوء إلى الدولة الغربية لم تغب عن واضعي الخطط في تنظيم (داعش).
اقرأ أيضاً: هل يساعد دونالد ترامب "داعش"؟