المسرح المصري.. أضنيتني بالهجر

24 نوفمبر 2014
علي قنديل (تصوير دوشه)
+ الخط -
ربما تكون المفارقة عبثيةً لمن يتابع الأزمة التي يعيشها المسرح المصري منذ أعوام، خصوصاً وأن مصر لم تكن إحدى البلاد العربية التي عرفت الفنّ الرابع مبكراً فحسب، بل احتضنت أيضاً تجارب رائدة في مرحلة بدايات المسرح العربي. من تجربة السوري أبي خليل القباني إلى اللبناني سليم النقاش، وغيرهما ممن قصدوا مصر ليكملوا مشوارهم الفني على مسارح القاهرة آنذاك.

أغلب هذه المسارح أصبحت الآن مهجورة من الجمهور، ويمكن أن نقول من الفن أيضاً، وبعضها أصبح مهجوراً بالمعنى الحرفي للكلمة. في ظل هذه الأزمة، جاءت حملة "عايز مسرح" التي أطلقها المسرحي الشاب والـ"ستاند أب كوميديان" علي قنديل، منذ عدة أيام، عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

يوضح قنديل لـ "العربي الجديد": "الحملة رسالةٌ موجهة إلى (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي، بعد خطابه الذي أعلن فيه احتياجه إلى أفكار الشباب في هذه المرحلة. لذلك انطلقت حملتنا في اليوم التالي للخطاب، لنعلم إذا كانت هناك نية حقيقية في التعاون مع الشباب أم لا، لأننا نعتقد في فرقتنا أن الارتقاء بالشارع المصري يبدأ من الثقافة، وعلى وجه الخصوص المسرح".

تعتبر فرقة "مصر 2 راكب" التي أسّسها قنديل، من نتاج المحاولات والتجارب التي يخوضها المسرحيون الشباب في مصر لإحياء هذا الفن، بعيداً عن البيروقراطية التي تمارسها المؤسسات الثقافية منذ عقود. وتعتمد الفرقة على المزج بين فني "الديو دراما" والـ "ستاند أب كوميدي".

بدأت عروضها على مسرح "بيت الرصيف" في 2013، إلى جانب ما يقرب من 250 عرض "ستاند أب كوميدي" قدمها قنديل على مسارح 11 محافظة مصرية.

"أطالب أن أكون مسؤولاً عن أي مسرح "مهجور" من مسارح الدولة في القاهرة لمدة ثلاثة أعوام. سنقوم أنا وفرقتي بتجديد ذلك المسرح وتقديم العروض المسرحية المختلفة عليه، وسوف يعود دخل هذه العروض إلى الدولة وليس لنا"، يقول مؤسس الحملة التي جاء شعارها الأبرز أنها "ليست حكراً على أحد"، وسوف تستقبل الفرق المسرحية المستقلة التي لديها رغبة في تقديم عروضها على المسرح.

ويرى قنديل "أن المسرح المستقل في مصر يعاني أيضاً من أزمة تتمثل في انشغاله بمحاولات إثبات نفسه أمام مسرح الدولة".

أما عن نوعية العروض التي سيشهدها المسرح، فيقول: "نحن سنستمر في تقديم اللون الذي اعتمدناه لفرقة "مصر 2 راكب"، إضافة إلى مسرح الطفل ومسرح العرائس، ونرحب أيضاً بكل من يريد أن يقدّم عرضاً من الفرق المستقلة، ولن نطالبهم بأي مستحقات مادية، من يريد أن يشارك معنا عليه أن يساهم فقط في مواد بناء المسرح، وسوف تكون مرحلة تجهيزات المسرح جزءاً من عروضنا".

ورغم تضامن عدد كبير من فرق شباب المسرح، خصوصاً المسرح الجامعي، مع الحملة، إلا أن المؤسسة الرسمية المسؤولة عن المسرح وعلى رأسها "البيت الفني للمسرح"، كان لها رأي آخر، إذ يبيّن مديره فتُّوح أحمد لـ "العربي الجديد" أن البيت الفني نفسه لديه نقص حاد في عدد المسارح: "الأمر الذي جعلنا نستعين بمسارح القوات المسلحة، وهؤلاء الشباب ليس أمامهم إلا أن يبحثوا عن مسرح من مسارح القطاع الخاص المغلقة، أو أن ينضموا إلى فرق البيت الفني".

لكن شباب الحملة فسّروا تصريحات مدير "البيت الفني" بأن بيروقراطية المؤسسة الرسمية تسلّمهم إلى رجال الأعمال الذين يمتلكون المسارح الخاصة.

يلفت قنديل في هذا السياق: "لم يعد لدينا ثقة في المؤسسة الثقافية من جهة، لأن وزير الثقافة نفسه أثبت أنه ليس مسؤولاً عندما لم يستطع أن يبتكر حلولاً للخروج من الأزمة. وبالطبع ليست لدينا إمكانيات لاستئجار المسارح الخاصة من جهة أخرى". أما عن فكرة انضمامهم لفرق "البيت الفني"، فيعلق قنديل: "إذا كان رئيس البيت الفني يدّعي أنهم يعانون من نقص حاد في المسارح، فكيف ننضم إليهم ونحن نطالب أصلا بمسرح!".

يبدو أن فكرة المطالبة بمسرح مهجور، التي أصبحت تتبناها اليوم عدة فرق مسرحية شابة في مصر، تحت شعار حملة "عايز مسرح"، لم تأت من باب ابتكار وسيلة لمعالجة أزمة المكان فقط، بقدر ما هي محاولة لتغيير مسار المسرح المصري على مستويات عدة. فقد أصبح الفن الرابع في مصر محاصراً ما بين قبضة المنتجين الذين جعلوا "شبّاك التذاكر" معياراً وحيداً، وبين بيروقراطية المؤسسة الرسمية.

لذلك يرى قنديل "أهمية البحث عن أدوات جديدة، بدايةً من خلال التجديد في اختيار النص المسرحي مثلاً، الذي يدور منذ الستينيات حول خيارات محددة بعينها".

من جهة أخرى، تباينت آراء فناني المسرح المصري حول موقفهم من "عايز مسرح" ما بين متضامن مع الحملة، مثل الفنان صلاح السعدني، الذي يقول لـ "العربي الجديد": "من حق هؤلاء الشباب أن يعرضوا تجربتهم على أحد مسارح الدولة المغلقة"؛ وبين معارض لها، مثل الفنانة سهير المرشدي التي تصرّح: "لا يوجد في مصر مسارح مهجورة من الأساس، ومسرح الدولة يفتح أبوابه للجميع".

أعضاء حملة "عايز مسرح" مشغولون الآن بعمل مسح شامل للمسارح التابعة للدولة في القاهرة، وجدير بالذكر أن الحملة أعلنت أنها وجدت إحدى هذه المسارح وقد تحول إلى محل لبيع "الكُشري"، وقد وثّقت ذلك، وسيتم إعلانه مع قضايا أخرى في مؤتمرهم الصحافي قريباً.

المساهمون