المستوطنون المسلحون وبنادق السلطة

21 أكتوبر 2015
+ الخط -
تمثل قطعان المستوطنين المسلحين تحدياً مفتوحاً، وتهديداً متفاقماً، وعلى مدار الساعة، للآمنين الفلسطينيين، في حياتهم ومزارعهم وبيوتهم. ولهذه القطعان مرجعيتها المركزية، وإن تعدّدت أسماء مجالسها وتجمعاتها. والمستوطنون، من الوجهتين السياسية والقانونية، لا يتمتعون بأية شرعية في ناظر العالم، ويُفترض أن ينسحب التوصيف الدولي لهم على سلاحهم، وأن يُبنى موقف فلسطيني ميداني على هذا التوصيف. تقوم المقاربة، هنا، على قاعدة "أوسلو" نفسها التي وُجد بموجبها سلاح فلسطيني خفيف، غايته حفظ النظام العام، في محاذاة قوة احتلالية نظامية، مسلحة حتى النواجذ.
لنحدد، أولاً، سبب تسليح المستوطنين، علماً أن وجودهم ومستوطناتهم مدانة دائماً من الأمم المتحدة، بلسان أمينها العام، ومرفوضة من الإدارة الأميركية، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن سائر أطراف ما تسمى "الرباعية". إن ذريعة تسليح المستوطنين التي جعلوها سبباً هي احتمال تعرضهم لهجمات من أصحاب الأرض الفلسطينيين. لكن، ما يحدث أنهم هم الذين يهجمون ويعتدون وينطلقون من بؤر وتجمعات وجودهم اللاشرعي، وبسلاحهم المليشاوي اللاشرعي. وتنكر إسرائيل أن جيشها يحميهم، ويغطي هجماتهم، ويدافع عنهم.
هناك، في الضفة، سلاح آخر، لا يختلف طرفان على شرعيته، هو سلاح قوة الأمن الوطني الفلسطينية وسلاح الأجهزة الشرطية والأمنية. حاملو السلاح، من الجنود والضباط الفلسطينيين، ينتمون إلى المجتمع المُعتدى عليه، وهم، في جوهر الأمر، وطنيون. وترتسم، في المشهد، مهمتان متناقضتان. يضطلع بالأولى المحتلون، هي إسناد المستوطنين المسلحين وتغطية هجماتهم، دونما اكتراث بلا شرعية وجودهم ولا شرعية سلاحهم ووقائع اعتداءاتهم. وتضطلع بالثانية قوى الأمن الفلسطينية، هي حفظ النظام العام، دونما مساندة لأي عمل عنفي ضد الاحتلال والتنسيق، لكي لا يحدث العمل المسلح. السؤال هنا للسلطة الفلسطينية: ما هو واجب رجل الأمن الفلسطيني المسلح، في حال أقدمت قوة مليشاوية ذات وجود مدان دولياً، وبسلاح غير نظامي وغير شرعي، واعتدت على بيوت أهله، وأحرقت أشجارهم وبيوتهم ومساجدهم وكنائسهم؟
أما السؤال الذي للاحتلال: هل المستوطنون المسلحون هم القوة الطليعية، أو القوة الرديفة لجيشكم؟ وإنْ كانت هذه غير الحقيقة التي تنكرونها، فلماذا تعتبرون ردعها إرهاباً فلسطينياً؟
لا بد، على هذا الصعيد، أن يُحسم الأمر في سياق الاتصالات السياسية مع الذين تحمسوا وهبّوا لإخماد غضبة الجماهير الفلسطينية، في وجه هؤلاء الظلاميين المهووسين الذين يمتشقون السلاح، ويقتلون ويحرقون. ينبغي أن يحدّد لنا الوسطاء طبيعة السلاح الذي يصوّبه المستوطنون في وجهنا ومهامه، وأن يعطونا رأيهم في ما إذا كان من حق المكلف الفلسطيني بحفظ النظام العام، بسلاحه الخفيف، الشرعي والمتفق عليه، أن يردع المستوطن المعتدي على بيوت الناس وحقولهم، بسلاحه الخفيف والمواد الحارقة؟
نعلم كيف تفكر الأوساط العنصرية الصهيونية، لكننا نريد أن نعلم كيف يفكر الوسطاء الداعون إلى تهدئة الأوضاع، ونسأل: هل تريدون بندقية الجندي الفلسطيني، لردع ما تسمونه إرهاباً فلسطينياً، ولا يكون له الحق في ردع الإرهاب الذي يمارسه المستوطنون كل يوم؟ وهل الإرهاب الذي تتحدثون عنه صفة العنف الفلسطيني، أياً كانت أسبابه، ولا يمكن أن يصبح صفة العنف اليهودي الصهيوني المتطرف، أياً كانت تعدياته؟
من بين أسباب غضبة الجماهير الفلسطينية الاختلال في المنطق الذي تُحاكم به الوقائع والأحداث. لذا، سيكون من عوامل التهدئة، لمن يريدها، وكذلك من عوامل ترضية السلطة ناسها وشعبها، أن يكون الطرح الأهم للوسطاء إعلاناً عن تهيؤ قوى الأمن الفلسطينية لردع المستوطنين الذين يهجمون، بسلاحهم اللاشرعي، على الآمنين الفلسطينيين، وبمواد حارقة، من مستوطناتهم التي دان العالم بناءها أصلاً.
ربما، وسط ضجيج الأحداث، ومع مرارات القلوب، لا يُسمع سؤال عن موقف بندقية السلطة، ومن يحملها. لدى هذه البندقية ما تؤديه من الواجبات، وفق طبائع حضورها ومسوّغاته، بندقية لحفظ النظام العام ومنع العنف. هكذا، يمكن القول، للوسطاء وللعدو نفسه، من دون الخروج عن مقتضى التسليم بالعناصر التي يتشكل منها المشهد.