المستقلون في تونس: إثراء للمشهد السياسي أم تشتيت للأصوات؟

07 سبتمبر 2014
يشكل المستقلون قوة ضغط على الأحزاب (فتحي بلعيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم يجد كثيرون من الشخصيات التونسية نفسهم ضمن أي من الأحزاب الموجودة على الساحة السياسيّة، على الرغم من تجاوز عدد الأحزاب في البلاد 150 حزباً. ونأت تلك الشخصيّات بنفسها عن الانضمام إلى قوائم الأحزاب التي تتنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مفضّلة التقدّم للانتخابات المقبلة ضمن قوائم مستقلة، لأسباب مختلفة.

خيبة المستقلين في انتخابات 2011

يقول رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، إن 1500 قائمة ترشّحت إلى الانتخابات التشريعيّة المقبلة، موزعة على 910 قوائم حزبية و158 قائمة ائتلافية و472 قائمة مستقلة، فيما بلغ عدد القوائم المرشّحة في الانتخابات الماضية، نحو 1700 قائمة، منها 655 قائمة مستقلة.

وتعكس تلك الأرقام إصرار المستقلين على خوض الانتخابات تحت شعارات غير حزبية، رغم اقتناع عدد كبير منهم، بعدم جدوى الترشّح "على هامش" الساحة الحزبيّة. ولم تفلح إلا 9 قوائم من أصل 655 قائمة ترشّحت لانتخابات عام 2011، في الدخول إلى المجلس التأسيسي. وتعكس هذه الإحصاءات فشلاً ذريعاً في تقديم تصوّرات وبرامج انتخابيّة ناجعة، وتقود، من دون تردّد، إلى الاستنتاج بأنّ الناخب التونسي غير مقتنع بالمرشّح المستقل.

ورغم سيطرة الفكرة الحزبيّة على المشهد السياسي الانتخابي في تونس، وفشل المشروع المستقل، لكنّ عدد القوائم المستقلة يبقى مرتفعاً مع وجود 472 قائمة، وكذلك أمل المستقلين بتحقيق نتائج أفضل من الانتخابات الماضية.

المستقلون وصراع الفيلة

يقول المحلّل السياسي، صلاح الدين الجورشي، الذي سبق له أن ترشح في قائمة مستقلة عام 2011، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وجود المستقلين ضروري للمشهد السياسي، وهو يعكس وجهة نظر شريحة من المواطنين خارج الصراع السياسي". ويوضح أنّ "غياب آلة انتخابيّة تعمل لصالحهم وتروّج لهم، وتحوّلهم إلى ثقل انتخابي، يبقى من أبرز التحدّيات المطروحة عليهم".

وفي حين لا ينكر الجورشي وجود "هجمة من الأحزاب السياسية لتهميش المستقلين، إذ يرون فيهم "نباتات غير طبيعيّة" تسرق منهم جزءاً من قاعدتهم الانتخابيّة"، يرى أنّ "الحاجة إلى المستقلين تزداد كلما ضعف أداء الأحزاب وتوسّعت الفجوة بينها وبين الرأي العام، وهو ما يفرض على الأحزاب مراجعة خطابها وأدائها".

يمكن للمستقلين، في السياق التونسي الراهن، أن يشكّلوا قوة ضاغطة على الأحزاب من أجل تصحيح مساراتها وتحويلها إلى طرف منتج، ولكنهم لن يستطيعوا أن يحلوا مكان الأحزاب التي تبقى أساس العملية الديمقراطية. صحيح أنّ بإمكانهم أن يؤدوا دوراً مكملاً في الحياة السياسية، لكن يبقى السؤال: مَن هم المستقلون وهل هم مستقلون فعلاً؟

وفي هذا الإطار، يوضح الجورشي أنّه "ينقص المستقلون أدوات الفعل السياسي، وهم في مرحلة تدرّب على العملية السياسية والانتخابية". ويعتبر أن "جزءاً من فشلهم في الانتخابات الماضية يرتبط بافتقارهم إلى شروط موضوعية وتمويل حملاتهم الانتخابية، فضلاً عن أنّ ترشّحهم في أغلب الحالات، كان قائماً على الهواية والرغبة الشخصية أكثر من الكفاءة والاحتراف".

يقتبس الجورشي من تجربة ترشّحه للانتخابات في 2011، ويقول "ترشّحت في محافظة أريانة، بوجود 95 قائمة، وهو رقم خيالي بالنسبة إلى محافظة صغيرة. أدّى ذلك إلى إرباك للمواطنين الناخبين، إذ كانت هناك قوائم عائلية وأخرى تعتمد على شخصيّات غير معروفة". وتابع "أعتقد أن هذا كان نتيجة الطفرة الحماسية بعد الثورة وأدى إلى تشتت في الأصوات".

ويعتبر أنّ "الظاهرة تراجعت خلال هذه الانتخابات، والحظوظ في النجاح تبقى محدودة وغير مضمونة، في ظل ما يسمّى بــ"صراع الفيلة" بين الأحزاب الكبيرة، ذات الإمكانات المادية الكبرى والقدرات التنظيمية، وهو ما سيزيد مهمة المستقلين صعوبة".

أصوات في مهبّ الريح

سجّلت منظمة "البوصلة"، التي تُعنى بالانتخابات والمجالس المنتخبة في تونس، في تقرير أعدّته، عند مناقشة القانون الانتخابي، مسألة عدم تمثيل عدد كبير من الناخبين سنة 2011، نظراً لتشتّت أصواتهم على قوائم عدّة، مستقلّة وحزبيّة، لم تفضِ إلى مقاعد داخل المجلس.

وقالت المنظّمة إنه لم تحظَ إلا 153 قائمة من مجموع 1519 قائمة تمّ قبولها، بالتّمثيل في المجلس التأسيسي، مما يعني أنّ 1366 قائمة لم تتمكن من إيصال نوّاب إلى المجلس.

المساهمون