المستشفيات الجامعية مشروع قانونها يهدر صحة فقراء مصر

09 يناير 2015
لن يجد الفقراء مكاناً يعالج أمراضهم المعقّدة (العربي الجديد)
+ الخط -
الأطباء والعاملون في القطاع الصحي في مصر غاضبون. فمشروع قانون "تنظيم العمل في المستشفيات الجامعيّة" الذي تسعى الجهات الحكوميّة إلى إقراره، وُضع من دون الأخذ بآرائهم أو حتى برأي نقابتهم. فيصفه أمين صندوق نقابة الأطباء، الدكتور خالد سمير، بمحاولة تخريب المنظومة الصحيّة، مستنكراً إصرار وزير التعليم العالي، الدكتور سيد عبد الخالق، على القانون ودفاعه المستميت عنه.

ويعيد تلك الجهود إلى محاولة التخلص من أساتذة الجامعات، وجعل المستشفيات الجامعيّة تحت ولاية وزير التعليم العالي من دون التفكير في حجم الضرر الذي سيلحق بالمنظومة الطبيّة.
وفي هذا السياق، كان الأمين العام لنقابة أطباء القاهرة، الدكتور إيهاب الطاهر، قد حذّر في مؤتمر صحافي عقدته النقابة العامة للأطباء أخيراً، من تحوّل المستشفيات الجامعيّة إلى شركات قطاع أعمال تبغي الربح بموجب القانون الجديد، فقال: "ظاهرة تفرّغ بعض الأساتذة للعمل في المستشفيات الجامعيّة هي لتقديم خدمة طبيّة أفضل. لكن هذا القانون ينطوي على قتل المرضى الفقراء وخصخصة الخدمات الصحيّة في مصر".

وأوضح الطاهر أن مشروع القانون ينصّ على أن تكون ميزانيات المستشفيات من الموارد الذاتيّة، من دون أي ذكر لدور الدولة في دعمها، ولم ينصّ كذلك على أية عبارة تخصّ العلاج المجّاني. ولفت إلى أن العلاج على نفقة الدولة في المستشفيات الجامعيّة سيتوقف، لأنه يُحسب بسعر التكلفة فقط.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إجمالي عدد المرضى الذين تمّ علاجهم على نفقة الدولة في الخارج والداخل، هو 1.6 مليون مريض بتكلفة ثلاثة مليارات جنيه مصري في عام 2013.
وحذّر الطاهر من أن جميع التبرعات من أجل دعم العلاج المجاني لمرضى الأورام والقلب ستتوقف، وأن المرضى الفقراء لن يجدوا مكاناً لعلاج الأمراض المعقدة التي لا يمكن علاجها إلا في المستشفيات الجامعيّة عادة.

وشدّد على أن الفصل بين كليات الطب والمستشفيات الجامعيّة سيؤدّي إلى تقلّص الأبحاث العلميّة، بالإضافة إلى تقليص فرص تدريب وتعليم طلاب كليات الطب وأطباء الامتياز والأطباء المقيمين في تلك المستشفيات، نظراً لقلة عدد الأساتذة المدرّبين وتجنّب بعض الكفاءات.

من جهتها، استغربت نقيب عام التمريض، الدكتورة كوثر محمود، مسارعة الحكومة إلى إصدار القانون، مشدّدة على أن قانون مزاولة المهنة أولى بالإقرار، نظراً للعجز الذي تعانيه المستشفيات في مجال التمريض ولحتميّة تحسين أوضاع الممرضين. وأشارت، في تصريحات صحافيّة، إلى أن ثمّة 21 ألف ممرّض وممرضة يعملون في المستشفيات الجامعية.

ويصل عدد المستشفيات الجامعيّة في مصر إلى 81 وفقاً لإحصاءات عام 2013. وهي تقدّم الخدمة التعليميّة لنحو 11 ألف خرّيج من كليّة الطب والخدمة الصحيّة لنحو 16 مليون مواطن بنسبة 30% من إجمالي الخدمات الصحيّة المقدّمة. كذلك، هي تقدّم نحو 70% من الخدمة الصحيّة في الحالات الصحيّة المعقدة.

ويأتي مشروع قانون تنظيم العمل في تلك المستشفيات الذي قدّمته لجنة يترأسها وزير التعليم العالي، سيد عبد الخالق، لتضرب منظومة التعليم الطبي وتتخلى بشكل صريح عن مسؤوليّة الدولة في الإنفاق على هذا القطاع وتحوّله إلى مجموعة من الوحدات الاقتصاديّة ذاتيّة التمويل تمهيداً لخصخصتها.

تنصّ المادة الأولى من مشروع القانون على أن تكون المستشفيات الجامعيّة مستقلة مالياً وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الجامعة، في حين تنصّ المادة 14 منه على أن يكون لكل مستشفى حساب خاص في المصرف الذي يحدّده مجلس أمناء الجامعة بالعملتَين المحليّة والأجنبيّة.

وميزانيات المستشفيات، وفقاً للمشروع، ستكون من الموارد الذاتيّة والاستثمارات من القطاع الخاص، بالإضافة إلى العلاج بأجر من دون أي دور للدولة في دعمها ومن دون أدنى ذكر للعلاج المجاني. وهو ما يعني تحوّل هذه المستشفيات إلى شركات قطاع أعمال وإلى تحوّل الخدمة الطبيّة تدريجياً إلى علاج بأجر.

كذلك، يهمّش المشروع تماماً دور عمداء كليّة الطب، وهو ما يقلب الهرم التعليمي والبحثي. فبدلاً من أن تكون المستشفيات الجامعيّة هي الذراع التعليمية والبحثية والتدريبية لتلك الكليات، تحوّلت إلى مجرّد تابع. وهذا الفصل بين كليات الطب والمستشفيات الجامعية سيؤدّى أيضاً إلى مزيد من التدهور في مستوى الخريجين. ويكشف رئيس القطاع الطبي في المجلس الأعلى للجامعات، الدكتور رشاد برسوم، عن أن 30% من خريجي كليات الطب في مصر لا يعملون في تخصصاتهم بل في مهن أخرى من بينها العمل في الفنادق، وأن 10% منهم يحصلون على شهادات عليا في حين يكتفي 90% بالبكالوريوس فقط. يضيف أن ثمّة 24 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، من بينهم ثمانية لا يمارسون مهنة الطب وهي نسبة اعتبرتها منظمة الصحة العالميّة عقبة أمام تحقيق معدلات التغطية الوافية بالخدمات الرئيسيّة للرعاية الصحيّة الأوليّة، بحسب أولويات الاستراتيجيّة الإنمائيّة للألفيّة الجديدة.

إلى ذلك، تنصّ المادة 13 على ترسيخ فكر التعاقد مرة ثانية مع صغار الأطباء، بتعيين الطبيب المقيم من أوائل خريجي كليات الطب ومعاوني أعضاء هيئة التدريس في الكليات أو المعاهد لمدّة خمس سنوات. ويتمّ التعاقد معهم جميعاً لاستكمال تدريبهم وتعليمهم وفقاً للضوابط المبيّنة في "اللائحة التنفيذيّة" ووفقاً "لاحتياجات المستشفيات الفعليّة، بما يضمن توفّرهم على مدار الساعة".

ويأتي هذا المشروع من ضمن توجّه عام لفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات التي قدّمت سابقاً بشكل مجاني أو شبه مجاني، بعد خصخصة نظم الحماية الاجتماعيّة مثل التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعيّة وفتح الباب للاستثمار في الخدمات التي تقدّم على أساس التعرفة مثل الماء والاتصالات والنقل والكهرباء وغيرها.

ويبقى المريض الفقير يواجه المجهول بين مستشفيات حكوميّة تُخصخَص، ومستشفيات خاصة لا يستطيع دخولها، ومستشفيات أهليّة تحارَب وتجمّد حساباتها، مثلما حدث مؤخراً مع مستشفيات الجمعيّة الطبيّة الإسلاميّة ومستشفيات الجمعيّة الشرعيّة بدعوى محاربة الإرهاب.

صلاحيات مطلقة للسلطة التنفيذيّة
تنصّ المادة الرابعة من مشروع قانون المستشفيات الجامعيّة على تشكيل مجلس أعلى لتلك المستشفيات برئاسة وزير التعليم العالي. فيقوّض ذلك مبدأ استقلال الجامعات عبر إعطاء صلاحيات مطلقة للسلطة التنفيذيّة في اختيار المجلس الأعلى لتلك المستشفيات، وسلطات واسعة لرئيس الجامعة في اختيار مجلس أمناء كل مستشفى جامعي.
دلالات
المساهمون