المساعدات الأميركية لفلسطين وأكاذيب كوشنر

30 يناير 2020
كوشنر مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض(Getty)
+ الخط -
أصبحت العلاقات الأميركية الإسرائيلية أقرب من أيّ وقت مضى في التاريخ، وبالمقابل وصلت العلاقات الأميركية الفلسطينية إلى أقصى حدّ من التباعد، لا سيَّما بعد اعتراف إدارة دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، كما اشتعلت التوتُّرات مع استمرار الإدارة الأميركية في التأكيد على شرعية مستوطنات الضفة الغربية.

ويبقى تعليق المساعدات الأميركية التاريخية للفلسطينيين من بين أكثر الإجراءات إثارة للقلق، خاصة مع تفاقم العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة. وفي الوقت الذي يصارع فيه الرئيس الأميركي إجراءات عزله التي تجري على قدم وساق، اتَّخذ الكونغرس خطوة بارزة قبل أيام لمحاولة إحياء بعض تلك المساعدة الأميركية الهامة للفلسطينيين.

وتبرز أهمية هذه المساعدات ليس فقط على صعيد تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء والصحة، بل أيضاً من ناحية التخفيف من حدّة العدوان الإسرائيلي الذي يتغوَّل على الشعب الفلسطيني، وعندما تسحب أميركا مساعداتها المالية فهذا يعتبر بمثابة تأييد تام للعدوان الصهيوني. وبالرغم من العيوب الكبيرة، لا يمكن إنكار دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي كانت تتلقَّى تمويلاً كبيراً من الولايات المتحدة لتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية الهامة للفلسطينيين. وهذا التمويل انخفض سنوياً منذ عام 2012 حتى توقَّف تماماً بقرار من إدارة ترامب.

رفض الإدارة الأميركية الحالية الاستمرار في تقديم الدعم المالي جاء كخطوة لمحاولة إجبار الفلسطينيين على تبنِّي النهج الغربي-الإسرائيلي في محادثات السلام لأنّ أميركا، وتحت الضغط الإسرائيلي، على يقين تام بمدى أهمية الدعم الفلسطيني في ما يسمى بخطة "السلام من أجل الازدهار" Peace to Prosperity Plan، وهي الخطة التضليلية التي قدَّمتها إدارة ترامب في العاصمة البحرينية المنامة وحُجبت بموجبها كل أنواع الدعم المالي المخصَّص لتمويل برامج السلام الفلسطينية، وكذا وقف مساهمة أميركا السنوية البالغة 300 مليون دولار إلى الأونروا.

لقد خلَّف وقف المساعدات الأميركية في هذه الفترة القصيرة ضرراً جسيماً وتأثيراً سلبياً وكبيراً على البرامج الضخمة التي استهدفت مشاريع البنية التحتية للفلسطينيين، وبالتالي تعطَّلت أعمال إنجاز شبكات المياه والطرق والصرف الصحي، وانقطعت المساعدات الغذائية الحيوية والبرامج الصحية التي أصبح الشعب الفلسطيني، لا سيَّما الأشخاص المعرَّضين للخطر في غزة، يعتمدون عليها بشكل كبير في تلبية احتياجاتهم الأساسية.

ولطالما تبجَّحت الحكومات الأميركية المتعاقبة برغبتها في إصلاح النسيج المؤسساتي الفلسطيني، ولكن خطوة وقف المساعدات غير مدروسة العواقب جاءت لتدمِّر كل شيء، وتثبت بجدارة الولاء الأميركي الأزلي لدولة الاحتلال.

وفي خضمّ معركة العزل التي تهدِّد مستقبل ترامب في البيت الأبيض، اجتمع الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس يوم 16 كانون الأول/ديسمبر لإعادة النظر في الثغرة التي يتركها رفع التمويل الأميركي عن فلسطين كمحاولة لمعالجة الاختلال الذي قد يصبح فرصة سانحة لتدخُّل الدول العربية الغنية بالنفط، لأنّ أميركا لا تمنح شيئاً بالمجان وتنتظر الحصول على المقابل الآن.

وبناءً على ذلك تمَ الاتفاق على تخصيص 150 مليون دولار من التمويل الأميركي بالتساوي بين برامج المساعدة الأمنية والمساعدات الإنسانية والاقتصادية. كما قرَّر الكونغرس استبعاد طلب الإدارة الأميركية للحصول على 175 مليون دولار لخطة السلام السامة التي صاغها ترامب وصهره جاريد كوشنر كوسيلة لشراء الصمت العربي المطبق عند بيع فلسطين.

وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، سيبقى تأثيرها محدوداً لأنّ هذا التمويل لا يزال أقل بكثير من المستويات السابقة، بل ولن يعوِّض أبداً حجم الخسائر التي يخلِّفها العدوان الصهيوني على الفلسطينيين الذين يعلمون تماماً خطورة الاستخدام الأميركي للمساعدات المالية كذريعة للتفاوض معهم على انتزاع أملاكهم وكل ما هو حق مشروع لهم.

لقد صرَّح جاريد كوشنر صهر ترامب بوقاحة بأنّ الشعب الفلسطيني حصل على مساعدات أكثر من أيّ فئة أخرى من المواطنين في التاريخ، وبالطبع لم يقدِّم أرقاماً تؤكِّد صحة كلامه لأنّ ذلك سيكشف أكاذيبه. في الواقع تلقَّت إسرائيل مساعدات أكثر من الفلسطينيين، حتى على أساس نصيب الفرد، وفقاً لبيانات الحكومة الأميركية، حيث يشير موقع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية للضفة الغربية وقطاع غزة إلى أنّ نصيب الفرد الفلسطيني الواحد من المساعدات الأميركية قدِّر بـ 450.69 دولارا في عام 2017، في الوقت الذي تلقَّت فيه دول أخرى مساعدات أميركية للفرد في عام 2017 أكثر من الفلسطينيين، مثل سورية (567 دولارا) وتونغا (744 دولارا) وكيريباتي (663 دولارا)، لكن للأسف كوشنر يتذكَّر فلسطين فقط.


وبالطبع سيرتفع الرقم بشكل جنوني عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال التي اعتادت على تلقِّي الكثير من المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة، والتي قدِّرت بـ 228 مليار دولار بين عامي 1951 و2017 وفقاً لقاعدة بيانات المساعدات الخارجية لوزارة الخارجية الأميركية.
ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قدِّرت المساعدات الأميركية للضفة الغربية وقطاع غزة بموافقة الحكومة الإسرائيلية بمبلغ 9.1 مليارات دولار منذ عام 1988.


بعبارة أخرى، تحصل إسرائيل على ما متوسطه 3.5 مليارات دولار سنوياً منذ 66 عاماً فقط من الولايات المتحدة، بينما يتلقَّى الفلسطينيون حوالي 1.7 مليار دولار سنوياً من عدّة مانحين دوليين.

ستكون المساعدات المالية الأميركية للفلسطينيين متواضعة دائماً، لأنّ الغرب يعلم تماماً أنّ وجود مجتمع فلسطيني صحّي وقوّي يعني زوال إسرائيل وفشل حاملي راية الصهيونية في كل أنحاء العالم، وخصوصاً أولئك الذين يستثمرون أموالا لا تأكلها النيران في تدوير عجلة الاقتصاد الأميركي، وإنقاد العديد من الولايات الأميركية من شبح الركود الاقتصادي والكساد.

وكان المفروض أن يشكِّل قطع المساعدات المالية الأميركية دافعاً أساسياً للدول العربية، خاصة الثرية منها، لسدّ الفراغ واكتساب نفوذ ولو بسيطا في القضية الفلسطينية، وبالتالي التأثير على توازن القوى الأميركية والإسرائيلية، ولكن كالعادة تواصل تلك الحكومات العربية سباتها على الرغم من أموالها الضخمة وملياراتها التي تصرف سنوياً على بذخ حكامها في الدول الغربية وعلى رأسها أميركا.

خلاصة القول إنّه من غير المرجَّح أن يتحقَّق السلام على المدى القصير، ويستحيل أن يكون هناك دعم أميركي للقضية الفلسطينية، ولكن على الأقل يجب على أعضاء الكونغرس العمل بشكل جدي على زيادة مستويات المساعدة المالية المقدمة لفلسطين، والحرص على مساءلة الإدارة الأميركية عن إنفاق الأموال التي حصلت عليها.
المساهمون