المساجد ورياض الأطفال الإسلامية تحت مجهر السلطات الألمانية

19 فبراير 2019
في أحد مساجد برلين (إيمانويل كونتيني/ Getty)
+ الخط -

بعد تحذيرات هيئة حماية الدستور الألمانية من مخاطر المنظمات الجهادية، برزت أصوات تطالب السلطات والأجهزة المعنية بفرض رقابة على عمل المراكز والمساجد والجمعيات الإسلامية ذات التوجه السلفي في البلاد.

وسط موجة كبيرة بدأت في الفترة الأخيرة لمناهضة الفكر السلفي والجهادي في ألمانيا، انتقد ممثلو مكتب المقاطعة ورئيس بلدية حي نيوكولن، في العاصمة برلين، الحكومة لعدم سيطرتها على بعض المساجد ومراكز التعليم الديني، في الحي الذي تقيم فيه أكثرية مسلمة، خصوصاً مسجدي النور ودار السلام، اللذين تعتقد السلطات أنّ الجماعات السلفية تسيطر عليهما.

هاجم عدد من المسؤولين الدولة واعتبروا أن ليس لديها أدنى فكرة عما يجرى تلقينه للأطفال والمراهقين أسبوعياً في المدينة، محذرين مما يمكن أن يكون عليه الجيل التالي من السلفيين. يأتي ذلك بالتزامن مع تصنيف مسجد النور من قبل هيئة حماية الدستور بأنّه ذو توجه سلفي، علماً أنّ الجمعية التابعة للمسجد لا تتلقّى إعانات حكومية، وغير مسجلة كمؤسسة رسمية لرعاية الشباب، وهذا ما يمنع حكومة ولاية برلين من وضع رقابة عليها، ويؤدي إلى الحذر مما قد يدور بين جدران المسجد من "فكر متطرف موجه ضد النظام الديمقراطي الحر".

كذلك، وصف عضو مجلس الشباب في حي نيوكولن، فالكو ليكه، المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي، مسجد النور بـ"الصندوق الأسود"، متهماً جمعية المجتمع الإسلامي في برلين بالسلوك الضار والخطير اجتماعياً للديمقراطية. ودعا إلى فرض حظر على المسجد، مشيراً إلى مسجد آخر أيضاً هو مسجد دار السلام. وكانت المتحدثة باسم سياسة الاندماج في كتلة الحزب المسيحي الديمقراطي في البوندستاغ، قد أكدت أنّه إذا توفرت أدلة كافية يجب حظر الجمعية، مشددة على الحاجة إلى تدعيم مراكز الشرطة ودعمها مالياً من جانب الحكومة.




لم يقتصر الأمر على برلين، بل ذكرت تقارير أنّ روضة أطفال في مدينة كاسل تواجه اتهاماً بالعمل مع السلفيين، وأنّ أحد مؤسسي دار الرعاية النهارية الثمانية، هو إمام سابق لمسجد الهدى في المدينة، وهو ذو توجه سلفي، الأمر الذي دفع بالحزب المسيحي الديمقراطي في المدينة إلى المطالبة باختبار تمويل الروضة، متوقفاً عند ضرورة حمايتها من خطر النفوذ السلفي، خصوصاً أنّها ممولة من القطاع العام، وقد تلقت نهاية العام الماضي تبرعات من السلطة المحلية في المدينة بقيمة 54 ألف يورو.

إلى ذلك، حرمت سلطات ولاية راينلند بالاتينات، الروضة الإسلامية الوحيدة في ماينز من الترخيص المقدم لها قبل 10 سنوات، وبات يتوجب على مركز النور للرعاية النهارية أن يقفل أبوابه بحلول 31 مارس/ آذار المقبل، بحسب رئيس مكتب الدولة للشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب في الولاية، ديتليف بلازك، الذي اعتبر أنّ السبب في اتخاذ مثل هذا القرار يعود إلى عدم ثقة السلطات بالرابطة المسماة "عرب نيل الراين"، ولكون الجمعية تمثل محتوى الأيديولوجيا السلفية. وبالتالي، فهي لم تعد قائمة على أساس دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية. وأفاد بأنّها المرة الأولى التي يجرى فيها حرمان روضة أطفال في الولاية من ترخيصها، قبل أن يشدد على أهمية تدخل السلطة المانحة للترخيص إذا كانت الجهة المستفيدة غير قادرة على تهيئة الظروف اللازمة لضمان مصالح الطفل الفضلى.

في المقابل، عارض رئيس الجمعية، سامي هاجريسي، القرار والاتهامات المتطرفة ضد الجمعية، ورفع دعوى أمام المحكمة الإدارية، وقال: "نحن نقبل ونحترم الدستور، لكنّ القرار غير مفهوم وفيه كثير من الغموض. أعتقد أنّ ذلك خطأ وغير عادل... قرار الإغلاق صادم لأهالي الأطفال".

وكان المتحدث باسم اتحاد الشرطة، بنجامين يندرو، قد أعلن مؤخراً أنّه بحسب الإدارة الداخلية، فإنّ مسجد النور في برلين منشأة يسيطر عليها السلفيون، واعتبر أنّ من غير المسموح أن تقوم المجموعات السلفية بنشاطات مع الشباب من دون رقابة فعلية، ما يؤدي إلى القبول بالتطرّف في المساجد من دون معرفة من يلقن أو يعظ هؤلاء الشباب وما مضمون المحتوى. ودعا السياسيين إلى التفكير ملياً في الأمر.




من جهتهم، يقول مسؤولون أمنيون إنّ هناك نحو 500 سلفي متشدد، من بينهم 160 من الشيشان وأفغانستان وسورية وشمال أفريقيا، يعيشون في برلين، بينما تشير وزارة الداخلية الاتحادية إلى تنامي أعداد المنتمين إلى التيار السلفي، إذ وصلت إلى 11.500 على مساحة البلاد، من بينهم 3100 شخص في ولاية شمال الراين فستفاليا، أي بزيادة 100 شخص عن العام الماضي، وهي تعتبر منذ سنوات معقلاً لهم، ويرى وزير داخلية الولاية، هربرت ريول، أنّها تهديد للمجتمع. 

تجدر الإشارة إلى أنّ ناشطين في العمل الاجتماعي يشدّدون على أنّ جيل المراهقين يحتاج إلى مشاريع وورش عمل، تمكّنهم من التفكير بشكل مستقل وتدفعهم إلى مزيد من الالتزام في صفوفهم الدراسية لتأمين مستقبلهم، وهذا ما يدفع في مرحلة مبكرة إلى تعزيز حضور المراهقين والشباب المسلمين اجتماعياً بدلاً من انعزالهم وتطرفهم.