المزيد من الأفلام

27 ديسمبر 2014
مهند عرابي / سوريا
+ الخط -

يضيّع عامر، اللّاجئ السّوري، ابنتَهُ التي لم تبلغ بعد الثّامنة من العمر في وسط بيروت. كان قد خرج من بيته للمرة الأولى منذ قدومه، نزولاً عند رغبتها. أرادت ملاحقة الشّمس بعيداً عن غرفتها؛ غرفة الجميع بالأحرى. اكتفت بإصبعه بعد فشلها التقاط يده اليسرى كاملةً وأخذت تتراقص على الرّصيف المؤدّي الى السوليدير.

يتجمّد الوقت فجأة في واجهة أحد المحال التّجاريّة الثمينة. يقرأ عامر برأسه سعر حذاء لا يتعدّى قياسه بضعة السنتمترات؛ بالأجنبيّة كان قد وضعت لافتة تعدّى حجمها الحذاء المعروض كُتِب عليها؛ "on sale: only for 100$".

هناك بعيداً في قريته كان يدير مصنعاً للأحذية، لم تكن أجمل قطعة لتتعدّى الخمسمئة ليرة سورية، عشرة دولارات بسعر صرف اللّيرة قبل الثّورة. الآن، لم يعد هناك من مصنع ولا ليرة ولا ثورة ولا وطن.

يلتفت الى جانبه حين لم يعد يشعر بدفء في سبّابته ليجد بأنّ ابنته قد اختفت. وكأنّ الله لم يكن يستمع إلى أفكاره. سيناريو آخر من فقدان الذّات. وكأنّ هذا كلّه لم يكن كافياً. كأنّ من كتب القدر كان يلاعبه.

"هل رأيتم طفلة صغيرة بهذا الحجم ترتدي تنورة حمراء؟!"، يسأل كلّ من يمرّ بجانبه. يدخل عامر الأسواق على أمل أنّ ابنته تاهت ببعض ألوان الميلاد. هناك شخص تنكّر بلباس "بابا نويل" يقف في الخارج يرنّ بجرسه يلاعب أولاد زبائن مركز التسوّق. "هل رأيت ابنتي؟؟!"، يسأله: "هل بإمكانك إرجاعها إلي؟".

يدخل محلّاً لبيع الأفلام، لربّما دخلت ابنته فيلماً ما ولم تعد تريد العودة. في الدّاخل العديد من الأفلام، أميركيّة بمعظمها، دون أن يلمح ولو فيلماً عربيّاً واحداً. راح يسأل عن مجزرة الغوطة، الفيلم الوحيد الذي يذكر أنه شاهده العامَ الفائت. منذ أن شاهد الفيلم وهو يبحث عن ابنته في جميع صالات العرض. لن يجدها.

تقارن لي إحدى الصّديقات الوضع العربي بسفينة تيتانيك، تحديداً الفيلم الذي كتبه وأخرجه صانع الأفلام جايمس كاميرون، فتقول: "أنتم أولئك الذين كانوا يقضون وقتاً سعيداً في صالة الرّقص والسّفينة تغرق!". هوليوود تنتج أفلاماً من أحداثنا اليوميّة دون الاستعانة بنا ولو لكومبارس دون مقابل.

المساهمون