المرسوم 16... جدال حول صلاحيات وزارة الأوقاف في سورية

06 أكتوبر 2018
تتحكم الدولة بالشؤون الدينية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

يدور في الأيام الأخيرة جدال حول المرسوم التشريعي الذي يحمل رقم 16 والذي أصدره النظام السوري أخيراً، محدداً فيه مهام وزارة الأوقاف واختصاصاتها

لم يعلم السوريون بالمرسوم التشريعي رقم 16 إلا بعد أيام من صدوره، فهو لم يُنشَر كما جرت العادة في وسائل الإعلام بداية واقتصر نشره في الجريدة الرسمية. وقد أثار هذا المرسوم الذي يمنح وزارة الأوقاف صلاحيات واسعة لجهة الإفتاء ومختلف أوجه النشاط الديني، جدالاً مجتمعياً واسعاً، خصوصاً في الأوساط المؤيدة للنظام، أكثر من تلك المعارضة له. ووصل الأمر إلى حدّ الدعوة إلى وقفة احتجاجية أمام "مجلس الشعب"، قبل أن تخفّ وطأة الهجوم على "الصك التشريعي" بعدما تبيّن للمعترضين أنّه مرسوم صادر عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وبالتالي فإنّ مهاجمته تعني ضمنياً رفض من أصدره. وعلى الرغم من التوضيح الذي قدّمه المحامي علاء السيد، وهو حقوقي استضافته وسائل إعلام مؤيدة للنظام في الأيام الأخيرة، والذي قال فيه إنّ المرسوم المنشور في الجريدة الرسمية تمّ تفسيره على عكس مقاصده، فإنّ الجدال بقي مستمراً.

وكان الجدال قد تصاعد عند اعتراض نائب في "مجلس الشعب" يُدعى نبيل صالح على المرسوم 16، عبر منشور حذفه لاحقاً من على صفحته على موقع "فيسبوك". هو رأى أنّ المرسوم مخالف للدستور الذي يتحدّث عن تساوٍ في الحقوق لعموم المواطنين والمواطنات في سورية، موضحاً في منشوره أنّ ذلك المرسوم الذي يوسّع صلاحيات وزارة الأوقاف يؤدّي إلى "استنساخ النظام الديني للمملكة السعودية" ليُطبّق فعلياً في سورية. ووفق صالح، فإنّ "مجلس الشعب" لم يكن يعلم بهذا القانون، قبل أن يُعرَض في جلسة للمجلس، علماً أنّه لا يُسجَّل في تاريخ سورية منذ أكثر من خمسين عاماً، اعتراض واحد من "مجلس الشعب" على مرسوم صادر عن رئاسة الجمهورية، بمعنى أنّ المجلس يمرّر هذه المراسيم عادة من دون تسجيل اعتراض عليها. ويمكن نظرياً وفق الدستور السوري، لثلثَي أعضاء "مجلس الشعب" الاعتراض على مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. وقد أكّد صالح أنّ القانون "سيمكّن وزارة الأوقاف من التحكم بمؤسسات مالية وتربوية ومؤسسات الإنتاج الفني والثقافي وتأميم النشاط الديني في البلاد، كما أنّه سيشرّع عمل جماعة دينية تحت مسمّى الفريق الديني الشبابي".



تحكّم بالوضع الديني

يقول المحامي السوري طارق عبد القادر المقيم في تركيا لـ"العربي الجديد"، إنّ "الهدف الأول من القانون الجديد ليس أسلمة الدولة أو علمنتها، فالنظام السوري ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة تماماً". يضيف أنّ "النظام قصد من خلال القانون أن يرسم منهجية عمل وخطة محكمة من أجل السيطرة على الوضع الديني في سورية والتحكم به بصورة كاملة". ويشرح أنّه "على الرغم من أن المرسوم يشير في ظاهره إلى خطة من أجل ضبط الإسلام السياسي والفكر المتطرّف الذي تدخّل في النزاع السوري لسنوات، فإنّ باطنه يشير إلى سيطرة أمنية على هيكلية البنية الدينية في سورية".

ويتابع عبد القادر أنّ "القانون ينص في إحدى مواّده على إنشاء 1355 وحدة دينية في المدن والبلدات والمناطق السورية، يدير كلّ وحدة منها مفت خاص بها، والهدف من هذه الخطوة مأسسة بنية تحتية دينية جديدة في سورية تكون للاستخبارات فيها اليد العليا". كذلك يرى أنّ "هذا القانون سوف يساهم في زيادة تفتيت المجتمع السوري المتفتت أصلاً، وسوف يزيد حدة الانقسام بين السوريين". ويؤكد عبد القادر أنّ "القانون جاء ليتحكّم بكل ما له علاقة بالدين الإسلامي، بداية من تدريسه في المدارس والجامعات، واختيار الخطباء والأئمة، وهوية الدين، الأمر الذي سوف يشكّل مع الوقت بنية تحتية دينية مفصّلة على مقاس النظام السوري".

تقليص للعلمانية

المنشورات التي دوّنها في هذا السياق مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، معظمهم موالون للنظام، تُبيّن أنّ الرأي السائد لدى هؤلاء يستهجن فكرة توسيع صلاحيات وزارة الأوقاف، إذ إنّ المرسوم 16 بالنسبة إليهم يقلّص من "علمانية الدولة السورية"، على اعتبار أنّه يمنح الوزارة المذكورة الحق في تنظيم المجتمع السوري وإدارته من الناحية الدينية ويعزز نشاط المؤسسات الدينية في البلاد.

في البداية، كان ثمّة خلط في ما يخصّ طبيعة المرسوم 16، وذلك ما بين "قانون"، وهو مرسوم تشريعي يصدر عن رئيس النظام، وما بين "مشروع قانون" يتناوله "مجلس الشعب". وقد صل الأمر إلى حدّ نشر دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تنظيم احتجاجٍ في الشارع. وتبنّت الدعوة لاحقاً مجد نيازي، رئيسة حزب "سورية الوطن"، الذي يتخذ من دمشق مقراً له، إذ كتبت على صفحتها على موقع "فيسبوك"، يوم الأحد 30 سبتمبر/ أيلول المنصرم: "سنقوم بوقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب وذلك احتجاجاً على هيمنة وزارة الأوقاف واستنكاراً لرجال الدين وخطابهم المحرّض ومحاولة إعادة سورية إلى العصر الوهابي".

وفي وقت لاحق، راحت ردود الفعل الرافضة تأخذ شكلاً هادئاً، مع تبيان أنّ ما صدر هو مرسوم صادر في يوم 20 سبتمبر/ أيلول الماضي عن أعلى سلطة تنفيذية في النظام السوري، أي رئيسه. وقد تبنى وزير أوقاف حكومة النظام، محمد عبد الستار السيد، في حديث بثّته "الإخبارية السورية" الرسمية، مساء الإثنين في الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تسمية ما صدر بـ"الصك التشريعي"، مع تأكيده أكثر من مرّة أنّ ما صدر هو "مرسوم" بالمحصّلة. ورأى الوزير أنّ الجدال الحاصل سببه "نسخة مزورة" نشرت للمرسوم على الإنترنت، قائلاً إنّ وزارته تقف "منذ سنوات خلف الجيش العربي السوري الباسل في مواجهة المؤامرة على سورية". أضاف: "أنا لا أجيب عن الادعاءات، أنا أتحدث للمرة الأولى عن تشريع يُصدر ضوابط ومعايير للعمل الديني وشروطاً في تعيين الأئمة والخطباء، وهذا إنجاز كبير أن تتمّ مأسسة هذا العمل، وهناك نص واضح لا يقبل اللبس على الإطلاق يتعلق بالفكر الوهابي وهو أنّ من مهام وزارة الأوقاف محاربة الفكر التكفيري المتطرف بتياراته ومشاربه كافة وفق ما يحدده المجلس العلمي الفقهي، وحماية الوحدة الوطنية من مخاطر هذا الفكر وتجفيف منابعه والمواجهة الفكرية لكل من يحمله، كالوهابية وتنظيم الإخوان وما يماثلهما من الحركات والتنظيمات المتطرفة".

القانون جاء ليتحكّم بكل ما له علاقة بالدين الإسلامي (Getty)


"صك تشريعي"

في ما يخصّ "المجلس العلمي الفقهي الأعلى" الذي تحدث عنه المرسوم 16، قال السيد إنّ هذا المجلس "يجب أن يكون فيه عشرون من كبار العلماء من كل المذاهب الإسلامية ليبحثوا في الأمور الفقهية بشكل مشترك"، لافتاً إلى أنّ "التطوّر فيه يقتضي إضافة ممثلين عن الطوائف المسيحية كافة (إلى عضوية المجلس) تتمّ تسميتهم من قبل السادة البطاركة عند مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان وما يتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية". وأوضح السيد أنّه من مهام المجلس "إعداد البحوث العلمية الفقهية ومناقشة الاجتهادات التي تتعلق بالقضايا المعاصرة، حتى يصير مرجعاً فقهياً ويضمّ كل المذاهب"، بالإضافة إلى "تحديد مهام المراجع والمؤلفات والتيارات والتوجهات التي تحمل الأفكار المتطرفة والمنحرفة والتي تتبنى العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، واعتماد المراجع والكتب الفقهية والموضوعات التي يمتحن فيها المرشحون للتكليف بالعمل الديني، ومتابعة ما يصدر من فتاوى وأحكام شرعية ومدى تأثيرها على حياة الناس بحيث تكون محافظة على ثوابت الدين ومحترمة للعقل ومنسجمة مع الواقع".

وعن "الفريق الديني الشبابي" الذي ينصّ المرسوم 16 على تأسيسه، قال السيد إنّه يتألّف من "موظفين يتبعون لمديرية التوجيه والإرشاد في وزارة الأوقاف، أئمة وخطباء ومدرّسي دين"، مشيراً إلى أنّ ذلك يُعَدّ "تجربة رائدة تطوّر الآن الأجيال المقبلة التي تتصدى للمنابر في المساجد وليس في مكان آخر".

ورأى السيد في المقابلة التي أجريت بعد عاصفة ردود الفعل المعارضة للمرسوم 16، أنّ الهجوم عليه جاء بعد "انتصارات الجيش العربي السوري، والانتصار العظيم الذي حققه السيد الرئيس بشار الأسد. انتصرت سورية على قوى الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأميركية والأعراب، وهم (المعترضون) لا يريدون الاستقرار في سورية، ولا يريدون لهذا الصك التشريعي أن يخرج سليماً".

سوريات في الجامع الأموي في دمشق (Getty)


انقسام واضح

في السياق، نشرت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام تحليلاً، يوم الأربعاء في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تحت عنوان "المرسوم 16 بين واقعية التعاطي وخطاب التشكيك". ورأى كاتبه عامر نعيم إلياس، أنّ "الانقسام (حول المرسوم) ظهر جلياً بين تيارَين متضادَين، الأوّل يدافع عن الأوقاف وليس المرسوم، باعتبار أنّ أيّ مسّ بهيبة المؤسسات الدينية أمر محرّم، والثاني اعتمد على معارضة كل ما هو ديني في لحظة مفصلية وانتقالية من تاريخ سورية". أضاف المقال أنّ سورية تمرّ "بمرحلة انتقالية، والمؤسسات الدينية الرسمية منوط بها الدور الأكبر في تنظيم عمل الجسم الديني الضخم في سورية وإدارة شؤون المجتمع الدينية وأمور الوقف، ذلك الوقف الذي يغطّي مساحات واسعة من كبريات المدن السورية.

وهذا أمر لا يمكن إنكاره، ومن غير الممكن الدعوة إلى الضرب فيه عرض الحائط، وعليه وفي سياق مرحلة انتقالية، فإنّ الدولة السورية بحاجة إلى تفعيل عمل مؤسساتها". وتابع أنّ "المجتمع السوري هو مجتمع محافظ في كليته، وهذا الأمر ليس حكراً على مكوّن معيّن، بل يُمكن لحظ التمسك بالإرث الثقافي والديني لكل مكونات الشعب السوري، وردّة المجتمع على مختلف مستوياته، لكنّ الخوف يبقى أيضاً حاضراً في أوساط بعض المكونات، وهذا ما يدفع إلى تبني موقف يبدو بالظاهر موقفاً علمانياً يستند إلى قاعدة فصل الدين عن الدولة، لكنّه لا يمت له بصلة إن أردنا مقاربة الواقع بشكل حقيقي، بل الدافع هو الخوف الذي تعزز بعد الحرب الكونية على سورية التي شكلت الشعارات الإسلاموية أحد أهم روافعها وعناوينها".



لعبة خطرة

من جهته، رأى المحامي السوري الناشط في مجال حقوق الإنسان، ميشيل شماس، أنّه "في قراءة أولية لمرسوم الأوقاف أرى ما يأتي: من حيث الشكل يبدو مرسوم الأوقاف مجرّد مرسوم تنظيمي لعمل وزارة الأوقاف ولا علاقة له بما يشاع عن القضاء على علمانية الدولة، لأنّ الدولة السورية لم تكن يوماً علمانية". أضاف في منشور له على صفحته على موقع "فيسبوك"، أنّه "يجب التركيز على الدوافع غير المعلنة التي دفعت الأسد إلى إصدار مثل هذا المرسوم ومنح صلاحيات واسعة لوزارة الأوقاف. فإنّ الأسد يسعى من خلال هذا المرسوم بعد فشل حزب البعث في تأمين الدعم لنظامه، إلى استمالة السنّة الذين ما زالوا يشكلون أكثر من نصف سكان سورية رغم الخسائر والدمار الكبير الذي لحق بهم في الأرواح والممتلكات، وإرضائهم من خلال توسيع صلاحيات وزارة الأوقاف". وأكد شماس أنّ ذلك "لعبة خطرة يلعبها الأسد الابن قد تؤدّي في النهاية الى ابتلاع الدولة، وهي لعبة سبق أن لعبها الأسد الأب (حافظ الأسد) في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما فتح أبواب سورية أمام المال السعودي للمشاركة في بناء معاهد تحفيظ القرآن والمساجد، ما أدّى إلى اتساع ظاهرة التدين في المجتمع السوري حينها. واليوم يفتح الطريق أمام الإيرانيين ويقدّم لهم التسهيلات ويغضّ النظر عن عمليات التشييع التي تمارسها إيران في سورية والتي ستؤدّي بدورها إلى زيادة التديّن في البلاد وتخريب الدولة وتقويضها".