المراهق والمذاكرة... 3 تغيرات ضعها في الحسبان

18 مايو 2016
المذاكرة هي جزء من حياة المراهق وليست حياته كلها(Getty)
+ الخط -

تتزايد شكاوى الآباء والأمهات من المستوى الدراسي لأبنائهم في فترة المراهقة، والمشكلة ليست في فترة المراهقة، فنحن نعيب المراهقة والعيب فينا وما للمراهقة عيب سوانا.

كل ما في الأمر أن الانسان تحدث له تغيرات طبيعية جدا في هذه الفترة، مما يستلزم أسلوبا مختلفا في التناول. ففيما يخص التحصيل الدراسي، هناك ثلاث تغيرات أساسية تحدث:

- قدرة العقل البشري على الحفظ تتناقص بالتدريج مع انتهاء فترة الطفولة

- شخصية المراهق تنمو على نحو يجعله غير مستسلم لأوامر الكبار كما كان في الطفولة

- المراهق بدأ ينشغل بأمور جديدة وبدأ يقع تحت ضغوط ورغبات لم تكن تراوده في الطفولة.


هذه العناصر الثلاثة تمثل تغيرات حقيقية مثل تغير فصول العام، ومن يستخف بها ويتعامل بالاستراتيجيات القديمة يصبح كمن لا يفرق بين الصيف والشتاء، فيرتدي نفس الملابس الصيفية في الشتاء ثم يشكو من الأمراض بسبب هذا الشتاء الشرير.



أولا: قدرة العقل البشري على الحفظ تتناقص
للطفل قدرة عالية على الحفظ، وهذه القدرة التي تظهر في طفولته لا تعبر عن قدراته المستقبلية "الحقيقية" الدائمة، وإنما هي مرتبطة فقط بالطفولة، وتتناقص مع انقضائها. إذ إن الطفل يحتاج إلى أن يتعرف على كم هائل من الأشياء عند بداية حياته، لذلك تكون لديه قدرة عالية على الحفظ والتخزين، ثم يصل بالتدريج بعد ذلك لقدراته الطبيعية المحمولة على الجينات والتي تستمر معه حتى نهاية العمر، التي تختلف من إنسان لآخر بالتأكيد.

ولكن أين المشكلة؟ المشكلة هي أنه في عالمنا العربي يعتبر الحفظ هو العنصر الأساسي للتقييم الدراسي، وهنا تأتي أزمة أكثر من 90% من الطلبة الذين يتمتعون بقدرة على الحفظ بين المتوسطة أو المنخفضة، وبالتالي لا ينجو من هذا التحدي سوى 10% فقط.

والحل هو أن يتوازن الآباء والأمهات بين أمرين: الأمر الأول هو الإقرار بالواقع الذي يجبر الابن على الحفظ، وبالتالي مساعدة الابن على زيادة "مهارات الحفظ المكتسبة"، وذلك من خلال نصائح دراسية مثل: استخدام الألوان في التمييز، الترقيم، التخطيط، التلخيص، المراجعة المتكررة، الحالة النفسية الإيجابية... وغيرها من العوامل المساعدة على الحفظ.

والأمر الثاني: هو عدم المبالغة في هذا الضغط على المراهق، وعدم المبالغة في جلد المراهق دراسيا، أو أن نطلب منه أن يحصل على نفس الدرجات النهائية التي ربما كان يحصل عليها من قبل، ولكننا نحاول أن نصل معه لأقصى ما يستطيع من جهد في ضوء "القدرات الجينية الوراثية"، وبالتالي نتوازن بين: زيادة مهارات الحفظ "المكتسبة" لديه، وبين تقبل "القدرات الجينية الوراثية".


ثانيا: شخصية المراهق لا تستسلم لأوامر الكبار
فهذا الطفل الذي كان يقول "حاضر" و"نعم"، أو كان من الممكن إغراؤه بقطعة من الحلوى أو تخويفه بالحرمان من النادي، لم تعد هذه الأشياء تفلح معه، فقد أصبح رجلا أو امرأة، هل تتخيلين نفسك أنت –كأم – أو تتخيل نفسك أنت –كأب – أن الترغيب والترهيب هو الوسيلة الأفضل لإجبارك على شيء لا تريد القيام به؟

فقد سمعنا عن مراهقين كانوا يسافرون لمدينة تبعد 200 كلم عن مدينتهم مع أصحابهم ثم يعودون في موعد انتهاء المدرسة دون أن يدري آباؤهم! المراهق لم يعد تحت السيطرة الكاملة، وأصبح قادرا أن يقف أمامك ويقول "لا"، ويخدعك و يعاندك. جزء من هذا التمرد صحي، لأنه يعكس بحث المراهق عن شخصيته وألا يكون نسخة من أحد، ببساطة لأن قدراته وطباعه وميوله قد تكون مختلفة عن أبيه وأمه، بالإضافة إلى أن زمانه غير زمانهم، لذلك هو يقاوم محاولا البحث عن طريقه الخاص.

باختصار شديد: هو لن يستسلم للكبار بسهولة! ولن يرضخ لأساليبهم الترغيبية والترهيبية القديمة. والحقيقة هي أن هؤلاء الكبار أصبحوا لا يملكون إلا الوسائل التالية: الحوار والإقناع والصداقة والحب! استعد إذن لساعات طويلة من الحوار والإقناع بأهمية المذاكرة والمستقبل، ولا تفاجأ بأنه بعد خمس ساعات من الحوار المثمر الذي انتهى باتفاقات محددة عن قناعة ورضا أن ابنك يعود بك مرة أخرى لنقطة الصفر لتكررا نفس حوار الأمس! ستكون حازما أحيانا، ستغضب أحيانا، ولكن يظل سلاحك الأساسي هو الحوار والإقناع والصداقة والحب، وأن تستمع أكثر مما تتكلم، دون نصائح مباشرة في كثير من الأحيان.



ثالثا: المراهق بدأ ينشغل بأمور جديدة
هي بدأت تنشغل بصورة جسمها، وهو بدأ ينشغل بشكل عضلاته، ربما زاد الاهتمام بأنواع السيارات، أو الغيرة بين البنات، أو البحث عن الصداقة الحقيقية، بدأ يعجب بزميلته في المدرسة، وهي بدأ قلبها يتعلق بابن الجيران، تزايد اهتمامهم بمواقع التواصل الاجتماعي، راودته فكرة أن يجرب المواقع الإباحية أو السجائر أو حتى المخدرات مثل بعض زملائه، قفزت في رأسه أفكار حول الإله والدين والحياة والموت.

هل تتوقع أن تستمر علاقته بالمذاكرة في سلام وقد امتلأ رأسه بكل هذه الضغوط أو الرغبات؟ الحديث هنا يطول حول التعامل مع هذا النوع من التغيرات، ولكننا فقط نركز هنا على تأثيرها على المذاكرة والتحصيل، حيث تصبح المذاكرة ثقيلة الظل ويصبح التركيز فيها أقل.

وهنا لابد للأب أو الأم –بالإضافة للحوار والصداقة التي تحدثنا عنها – لابد من درجة عالية من متابعة المذاكرة عن قرب، أولا بأول، وعمل خطط وجداول ومستهدفات، ولا مانع من بعض الدعم الزائد، كما في فترة الطفولة، و نجدته إذا ضعف مستواه، ودعمه والوقوف بجانبه بشكل إيجابي إذا رجع للخلف مع التعبير عن عبارات التعاطف، والشعور بأزماته الجديدة، بدلا من إشعاره بضعف الثقة بنفسه أو خيبة أمل أهله فيه.

ومع ذلك كله: تهيئة أفضل جو يساعد على المذاكرة والتحصيل، من الهدوء وتنظيم الوقت. وذلك مع عدم انقطاع الأنشطة المحببة إلى قلبه (الرياضة – الفنون – اللغة – النشاط الاجتماعي ..) حسب نوع ذكاءاته الأعلى، لأن هذه الأنشطة تجعله أكثر توازنا من الناحية النفسية وأكثر اعتدالا في مزاجه، وأقل عجزا وأكثر صلابة في مواجهة الضغوط.

وأخيرا.. المذاكرة هي "جزء" من حياة المراهق، وليست حياته كلها، وكلما أخذت مساحتها بشكل متوازن دون إفراط أو تفريط، وكلما كان المراهق متمتعا بدرجة كبيرة من الحب من أبويه، والأنشطة التي يجد فيها نفسه، والصحبة الإيجابية، كلما مرت الأمور على أفضل ما يكون.



المساهمون