المرأة من "مسيرة الجوع" إلى نساء في القمة

08 مارس 2014
حصاد 8 مارس: نساء في القمة
+ الخط -

ربما لا يمثّل زمن "مسيرة الجوع"، التي انطلقت في الثامن من شهر مارس/ آذار عام 1857، والتي لعبت النساء فيها دوراً قيادياً في محاولة جادة لتغيير واقعهن المعاش، بداية انطلاقة مسيرة التقدم للمرأة التي عرفها التاريخ منذ بدايته، حين كان المجتمع أنثوياً.
كانت قائدة ورائدة في مجالات عديدة، وخطّت اسمها لتشقّ مساراً في تاريخ البشرية، كالملكات بلقيس في اليمن، وسميراميس في العراق، وحتشبسوت في مصر، ومانيريناس، ملكة "كاش" في السودان، وسيفالي في آسيا القديمة، وزنوبيا في الشام، وأليسار، وثيهيا التي اشتهرت باسم الكاهنة في أفريقية، أو ما بات يعرف بالشمال الافريقي.
التاريخ الحديث أيضاً عرف رائدات في كل المجالات وخاصة في العالم الاسلامي، مثل سيدة الاعمال التي عرفت في ما بعد بأم المؤمنين، خديجة، أول امرأة تدخل الاسلام، وفاطمة الفهرية، الملقّبة بأم البنين، التي شيّدت أول جامعة في العالم، إضافة إلى العديد من النساء اللاتي لم يستطع التاريخ تغييبهن، كما حدث في القرن التاسع عشر، بعدما عرفت زمن القهر لسنوات.

"زمن الخبز والورد"

رفضت المرأة القهر ودفعت ثمنه 250 شهيدة قُتلن عندما قامت عاملات النسيج في مدينة نيويورك الاميركية، في 1857، بإضراب عام احتجاجاً على شروط العمل القاسية والاجور المنخفضة كثيراً، وطول ساعات العمل مقارنة بزميلها الرجل.

لم تتوقف مسيرة المطالبة بالمساواة عند المرأة مع استمرار الظلم وشدة القمع. ففي عام 1908، خرجت من جديد حاملة الخبز والورد لتتجمهر في شوارع نيويورك، مطالبة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. لقّبت تلك الحقبة بـ"تظاهرات زمن الخبز والورود"، واتّحدت فيها النساء العاملات مع المرأة من الطبقة الوسطى، مشكّلة بداية حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة، وصلت خيوطها الى سائر بقاع الأرض.

وكانت تلك بوادر ظهور الاحتفال بعيد المرأة استجابةً لمطالب محطات نضالية تاريخية، كسرت من خلالها المرأة كافة قيودها وأغلالها وطالبت بحقوقها اسوة مع الرجل، وناضلت من أجل فرض هذا اليوم كيوم عالمي للمرأة في العالم.

وكانت الاشتراكية الألمانية، كلارا زيتكين، أول مَن دعت إلى الاحتفال بيوم المرأة العالمي. وفي عام 1910، وفي مؤتمر كوبنهاغن للأممية الشيوعية، تبلورت فكرة اليوم العالمي للمرأة تقديراً لحركة حقوق المرأة.

في يوم 8 مارس 1911، وكصدى لهذه المبادرة، خلّدت الحركات التقدمية أول ذكرى لليوم العالمي للمرأة، والذي شهد تظاهرة قوامها مليون شخص، من النساء والرجال، تطالب بحقوق المرأة. وفي فبراير/ شباط 1913، وكجزء من حركة السلام التي أخذت في الظهور عشية الحرب العالمية الأولى، احتفلت المرأة الروسية باليوم الدولي للمرأة للمرة الأولى.

في 8 مارس 1914، وفي الأماكن الأخرى من أوروبا، نظّمت المرأة تجمعات حاشدة للاحتجاج ضد الحرب أو للتعبير عن التضامن مع أخواتهن.

"الخبز والسلام"

وفي آخر يوم أحد من فبراير عام 1917، بعدما تكبّدت روسيا في الحرب خسارة مليوني جندي، نظّمت المرأة الروسية إضراب "الخبز والسلام"، ونالت على أثره الحق في التصويت. منذ تلك السنوات، أخذ اليوم الدولي للمرأة بعداً عالمياً جديداً بالنسبة للمرأة في البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حد سواء.

وساعدت الحركة النسائية الدولية المتنامية، التي عززتها أربعة مؤتمرات عالمية عقدتها الأمم المتحدة بشأن المرأة، على جعل الاحتفال فرصة لحشد الجهود المتضافرة للمطالبة بحقوق المرأة ومشاركتها في العملية السياسية والاقتصادية.

وفي عام 1977، أصدرت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان قراراً يدعو دول العالم إلى الاحتفال بعيد المرأة، في 8 مارس/ آذار من كل سنة. كما أصدرت قراراً دولياً في سنة 1993، ينص على اعتبار حقوق المرأة جزءاً لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان العالمية، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

نضال المرأة الطويل تمخّض وأفرز نتاجاً حسناً، وولدت نساء حكمن العالم بقبضة من حديد، كـ"المرأة الحديدية"، أول رئيسة للوزراء في بريطانيا، مارغريت تاتشر، التي تعدّ إحدى الوجوه البارزة في السياسة العالمية للقرن العشرين، حتى أنها لقّبت بـ"صاحبة المعجزات السياسية والأرقام القياسية". فقد تم انتخابها ثلاث مرات متتالية، وكان فوزها في كل مرة ساحقاً، وهي أيضاً صاحبة أطول مدة على كرسي الحكم، إذ استمرت أحد عشر عاماً متصلة، ولذلك أطلق على حقبة الثمانينات عقد "التاتشرية" نسبة إليها.

ناهيك عن المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، ملكة أوروبا غير المتوّجة، التي تخطت بكثير النفوذ الأسطوري لـ"المرأة الحديدية"، حيث يُحسب حسابها ويُخشى جانبها حتى خارج ألمانيا. وأيضاً أنديرا غاندي وبينازير بوتو، وغيرهن كثيرات حكمن أوطانهن بجدارة ودخلن التاريخ من أوسع الابواب. كما برزت وجوه في دول آسيا مثل الشيخة حسينة واجد، رئيسة الورزاء في بنغلاديش وغريمتها زعيمة المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء. وفي أوروبا الشرقية، رئيسة الوزراء الاوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو، التي تتزعم الحركة الاحتجاجية حالياً ومرشحة بقوة لتولى الرئاسة.

وبالرغم من التراجع الواضح في مسيرة المرأة العربية في العصر الحديث، بسبب المعوّقات التي حاولت تجميدها ومنعها من ممارسة دورها، إلا أنها واكبت زميلاتها في الدول المتقدمة. ففي تونس، كانت أول امرأة عربية تحصل على كامل حقوقها خلال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بداية الخمسينات. كما عرفت جارتها في المغرب تقدماً لا بأس به في مجالات غيّرت صورة المرأة العربية في العالم الغربي، حينما رفعت نوال المتوكل علم بلادها في مونديال 1986. وتصدّرت الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة هيئة المتاحف القطرية، قائمة أقوى الشخصيات في عالم الفنون لعام 2013. كما وصلت المراة في مصر ولبنان والعراق وسوريا، الى مراكز مرموقة، مع أنها تراجعت في السنوات الاخيرة وأخذت في الاشتداد خلال العامين المنصرمين في الكثير من المناحي السياسية والاجتماعية والتعليمية، تزامناً مع ما أفرزه الربيع العربي من تحديات.

ويبقى يوم الثامن من مارس/ آذار، اليوم الدولي للمرأة، فرصة كبيرة للمرأة العربية لتقييم التقدم المحرز، والدعوة إلى التغيير والاحتفال بما أنجزته المرأة العادية بفضل شجاعتها وتصميمها.

المساهمون