المرأة السعودية بعد القيادة... هل تطالب بحقوقها المهدورة؟

27 يونيو 2018
تحديات كثيرة ما زالت تنتظرها (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -


حقّقت المرأة السعودية إنجازاً كبيراً بحصولها على حق قيادة السيارة بعد منع مستمر منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وعلى أثر حملة مطالبات بدأت في عام 1990 شاركت فيها نساء أكاديميات وناشطات نسويات في نظام قيل إنّه يمثّل عائقاً أمام خروج المرأة في المجال العام والمشاركة فيه.

هذا الانفراج الذي طاول المرأة السعودية لم يعد كافياً، وما زال مشوار المطالب النسوية السعودية طويلاً جداً ومليئاً بعقبات كبيرة، أبرزها بعض فئات المجتمع. يُذكر أنّ قرار السلطات السعودية السماح للمرأة بالقيادة غير نابع من إيمان بمبدأ مساواة المرأة للرجل ومنحها حقوقها، إنّما أتى لحاجات سياسية واقتصادية بحتة تهمّ الحكومة، بالإضافة إلى الاستجابة للضغط الشديد والمتواصل من الناشطات النسويات داخل البلاد والمنظمات الحقوقية خارجها.

إسقاط الولاية

وأطلقت ناشطات سعوديات نسويات حملة كبرى للمطالبة بإسقاط قانون الولاية الذي يجعل لكلّ امرأة مهما كانت سنّها أو منصبها أو وضعها المادي والاجتماعي، وليّ أمرٍ يتحكم في حياتها. ولا تستطيع المرأة استخراج جواز سفر خاص بها إلا بإذن ولي أمرها، وإذا أرادت السفر فإنّه يتوجّب عليها إبراز إذن من وليّ الأمر نفسه بالسفر في المطارات السعودية. وهذا النظام منع نساء كثيرات من إكمال دراستهنّ أو الحصول على وظائف مرموقة في الخارج بسبب تعنّت أولياء أمورهنّ.

ووليّ الأمر يكون غالباً والد المرأة، وفي حال زواجها تنتقل الولاية إلى زوجها على الفور، وإذا تطلّقت فإنّ ولاية أمرها تعود إلى والدها، أمّا في حال وفاة الأب وعدم وجود زوج فإنّ الولاية تنتقل إلى الأخ الأكبر. وفي حالة إثبات المرأة أنّ وليّها يسيء معاملتها أو يضطهدها، فإنّها تذهب إلى القاضي وتطلب تغيير الولي بقريب آخر. لكنّ هذا أمر من الصعب إثباته، إذ إنّها لا تستطيع المثول في المحكمة إلا بإذن ولي أمرها الذي يضطهدها.



زواج المرأة

إلى ذلك، يحقّ لوليّ الأمر رفض أيّ زواج تحاول المرأة إتمامه، في حين أنّ أبناء عمّ المرأة أو أشقاءها يستطيعون تطليقها من زوجها وتفريقها عن أبنائها، على الرغم من موافقة والدها - وليّ أمرها - على الزواج، وذلك بسبب عدم كفاءة النسب. وقد شهدت المحاكم السعودية حالات عدّة أجبرت المرأة فيها على الطلاق من زوجها، بسبب عدم تكافؤ النسب بينها هي التي تنتمي إلى قبيلة في أعلى الهرم الاجتماعي وبين زوجها الذي ينتمي إلى قبيلة في موقع أدنى أو لا ينتمي إلى أيّ قبيلة، وهو ما يُعدّ وفق العرف الاجتماعي زواجاً غير متكافئ. وفي عام 2016 على سبيل المثال، قررت المحكمة السعودية تطليق مها التميمي من زوجها علي القرني، بعدما رفع أبناء عمها قضية قالوا فيها إنّ زوجها زوّر نسبه القبلي، على الرغم من موافقة والد الزوجة على تزويجها، وهو أمر أدانه علماء الدين السعوديون وقالوا إنّه متعلق بأعراف ليس لها أصل ديني.

وتتنوّع أسباب رفض ولاة أمر النساء تزويجهنّ، وأبرزها طمعهم في الحصول على رواتبهنّ إذا كنّ موظفات. يُذكر أنّ المرأة تستطيع رفع دعوى قضائية تسمّى بالعضل إذا منعها وليّ أمرها من الزواج من شخص يكافئها في النسب القبلي والوضع الاجتماعي، وقد فاقت هذه الدعاوى 700 حالة في عام 2017، لكنّ القاضي يتعاطف غالباً مع أسباب وليّ أمر الشابة ويرفض دعوى العضل.



العنف ضد المرأة

في عام 2013، أقرّت السلطات السعودية قانون العنف الأسري بعد ضغط من المنظمات الدولية، وقد عرّف القانون هذا العنف بأنّه "كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية، أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية". وحدّد القانون عقوبات الحبس بين شهر وعام أو غرامة بين خمسة آلاف ريال سعودي (1400 دولار أميركي) و50 ألفاً (نحو 14 ألف دولار) ما لم تنصّ أحكام الشريعة على عقوبة أغلظ، ويمكن للقضاة مضاعفة العقوبات المقررة في حال تكرار المخالفين لأعمال الإيذاء.

لكنّ مشاكل كثيرة طاولت تطبيق هذا القانون، أبرزها تحكّم وليّ أمر المرأة الذي قد يعتدي عليها في حياتها ويمنعها من تقديم شكوى ضده، أو رفعه دعوى عقوق (في حالة والدها) أو نشوز وعدم طاعة (في حالة زوجها) وإجبارها على العودة إلى بيته من دون أيّ فائدة تذكر.
وفي تقرير أصدرته "هيومن رايتس ووتش" تحت عنوان "كمن يعيش في صندوق" في عام 2016، بالتعاون مع عشرات الناشطات السعوديات، أوضحت المنظّمة أنّ "نظام ولاية المرأة يخلق صعوبات كبيرة تمنع ضحايا العنف من التماس الحماية أو الحصول على تعويض قانوني لسوء المعاملة، ونقل الولاية من أحد الأقارب المسيئين إلى شخص آخر شبه مستحيل مما يجعل المرأة عرضة للعنف طيلة حياتها".



الحصول على عمل

ولا تستطيع المرأة السعودية الحصول على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص من دون موافقة ولي أمرها، على الرغم من أنّ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أصدر في منتصف عام 2017 قراراً بعدم اشتراط موافقة وليّ الأمر للقبول في بعض الوظائف، إلا أنّ الإدارات الحكومية والشركات الخاصة لم تطبق هذا القرار.

ونشرت "هيومن رايتس ووتش" صوراً لنماذج عمل تشترط موافقة وليّ الأمر على وظيفة المرأة. وفي حال موافقة وليّ الأمر على الحصول على الوظيفة ، فإنّ الفجوة والتفاوت بين الرواتب يمثّل هاجساً آخر للمرأة السعودية، إذ تستغل الشركات الخاصة حاجة المرأة إلى العمل لتعرض رواتب منخفضة جداً بالمقارنة مع الرجل الذي يستطيع التنقل بين الوظائف من دون وليّ، الأمر الذي يجبر الشركات على إغرائه برفع راتبه. وبحسب دراسة أعدّتها مؤسسة الملك خالد الخيرية في العام الماضي، فإنّ نسبة البطالة بين النساء السعوديات بلغت 21 في المائة فيما كانت 2.6 بين الرجال.



دور الرعاية الاجتماعية

من جهة أخرى، في حال ارتكاب المرأة جريمة أو جنحة أو جناية توجب عقوبة قانونية وانتهاء عقوبتها وخروجها من السجن، يشترط القانون السعودي قيام وليّ أمرها بالتوقيع على استلامها. لكنّ عائلات كثيرة ترى أنّ دخول المرأة إلى السجن عار، فيرفض أهلها استلامها، الأمر الذي يجعل السلطات تنقلها مع السجينات اللواتي انتهت عقوبتهنّ القانونية إلى دور رعاية اجتماعية، وهي مؤسسات شبيهة بالسجون في كل أرجاء البلاد. وفيها تُمنَع المرأة من الدخول والخروج ومن استخدام الهاتف وتتعرض للضرب من قبل المشرفات وفق تقارير حقوقية.



ويبقى أنّه على الرغم من التقدّم الملحوظ الذي تحقّق غي مجال حقوق المرأة في السعودية بعد تنفيذ القرار الملكي الخاص بالقيادة، فإنّ المشوار يبقى طويلاً جداً وفق المنظمات الحقوقية لتحقيق قدر جيّد من المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة في بلاد لطالما عانت المرأة فيها من التهميش بشكل كبير.