المديونيّة تنهش تونس وتقضي على أمل النهوض

13 ابريل 2015
جيل ما بعد الثورة يطالب بالمساواة والحقوق الاجتماعية(فرانس برس)
+ الخط -
عندما أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في ميدان تونس، لم تكن خطوته أكثر من شعلة إنذار عن تردي الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إليها البلاد. تونس تعيش تحت مديونية تهدّد مستقبلها الاقتصادي وحتى السياسي، ويعود السبب في ذلك إلى السياسات التي اتّبعت في السنوات الماضية لجهة تدمير القطاعات التي تشكل عموداً فقرياً للاقتصاد.

انهيار الاقتصاد

بحسب الخبيرة الماليّة، نجوى الهمّامي، فإن ارتفاع المديونية خلال السنوات الأربع الماضية، هي إشارات واضحة على ما يتعرض له الاقتصاد من انهيار. وقالت، لـ"العربي الجديد": بلغ حجم الديون التونسيّة خلال السنوات الأربع المنقضية 25 مليار دينار، بحيث باتت تستنزف ما يقارب 50% من الناتج المحليّ الخام للبلاد، ناهيك عن الدين الذي أغرق تونس في العقد الماضي.

واعتبرت أن الوقوع تحت سقف المديونية عادةً ما يكون بذريعة تمويل المشاريع التنموية ومجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول النامية. لكن بارتفاع مستواها وتراكم فوائضها، تتحوّل الديون (الخارجية منها خاصةً)، إلى عامل معمّق للأزمة الاقتصادية داخل هذه البلدان ومهدّدٍ لسيادتها الوطنية. وبحسب الهمامي، لا تُستثنى تونس من هذا الواقع، حيث يرزح اقتصادها تحت عبء قيمة الديون الكبيرة، مؤكدة أن إقبال الحكومات المتعاقبة على سياسة الهروب إلى الأمام، والارتهان لدول ومؤسسات مالية أجنبية، يهددان السيادة الوطنية، وبالتالي الاقتصاد.

ليست الديون الوسيلة الوحيدة لضرب الاقتصاد المحليّ، إذ إنّ شلل القطاعات الكبرى والأساسيّة يؤدّي في النهاية إلى شلل الدورة الاقتصاديّة ككلّ. وبحسب الخبير الاقتصادي، محمد ياسين السوسي، فإنّ القطاعات الكبرى والحسّاسة التي تمثّل عماد الاقتصاد التونسي تعرّضت لعمليّة تخريب طوال العقود الماضية، نتيجة الأخطاء السياسيّة وخيارات اقتصاديّة كانت ارتداداتها كارثيّة على البلاد. وقال: "يعتبر القطاع الزراعي من أكبر وأهم القطاعات الاقتصاديّة التي تعاني من العديد من المشاكل التّي تنعكس سلباً على المزارعين والمواطنين على حدّ سواء".


وأكد أن ضبابيّة مسالك التوزيع واستفحال التهريب والاحتكار، من أهمّ المعضلات التي تعرقل عمليّات التوزيع التي تساهم في ارتفاع الأسعار وتناقص القدرة على تحقيق الأمن الغذائيّ.

وأضاف: "أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فإنّ عدم تنظيم العمل يتسبب في خسارة %9 من إنتاجية المؤسسة، كما تبيّن الإحصائيات المتعلقة بسوق العمل، وهو ما يعتبر من أكبر المعضلات التّي يعاني منها الاقتصاد الوطني عموماً. إذ تعتمد الصناعات التونسيّة على اليد العاملة غير الكفوءة، وهو ما يسبّب عجزاً متواصلاً أمام جهود تنمية الموارد البشريّة وخلق أرضيّة صناعيّة وطنيّة".

تراجع السياحة
من جهة أخرى، لفت السوسي إلى أهمية القطاع السياحي الذي يعد ثاني أكبر القطاعات التي تدر أموالاً للخزينة، والذي بات أداة لتهديم الاقتصاد. وقال: "ساهمت التشريعات السابقة في تراجع مردوديّة القطاع نتيجة غياب استراتيجية واضحة لتنويع وتجديد قطاع السياحة".

وأوضح أنه بالرغم من أنّ قطاع السياحة يستقطب سنوياً استثمارات تصل إلى 150 مليون يورو، إلاّ أنّه يشهد تراجعاً ملحوظاً نظراً لوجود مشاكل هيكليّة تتعلّق بطبيعة الاستقطاب السياحيّ.


أما الخبير في شؤون الاقتصاد والتنمية، شيحة قحّة، فقد اعتبر أنّ السياسات والخيارات الخاطئة أدّت إلى عمليّة ممنهجة لهدم الاقتصاد المحليّ والقضاء على مقوّمات بناء اقتصاد وطني قائم بذاته. ليستطرد قائلاً إن غياب التوازن بين الأطراف المعنية بالعملية التنموية الجهوية (المحافظة والمجلس الجهوي والمجلس البلدي)، من حيث التخطيط والتنفيذ والمراقبة، بالإضافة إلى غياب سياسة فاعلة وعادلة بخصوص تموضع المصالح الإدارية والمقرات الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية العمومية.

ضعف التأهيل البشري
اعتبر الخبير في شوؤن التنمية شيحة قحة، أن غياب برامج التأهيل البشري، وإعداد كوادر علمية لكافة القطاعات أدى إلى إضعاف الاقتصاد التونسي. وقال: "إن النقص الحاصل في تمويل برامج دعم الشباب، وتأهيلهم للدخول الى أسواق العمل، أدى إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة بين التونسيين". وتابع: "يبدو من المهم التركيز على معالجة القضايا الاقتصادية من منظور كلي، وذلك من خلال تقديم خطط العمل لحل المشكلات على نحو يتلاءم مع الرؤية بعيدة المدى، لكنّ السياسات الحالية لا تتضمن الاستراتيجيات اللازمة في مجالات القضايا التي تتطلب التدخل الآني أو الأولي وخاصة المرتبطة بالوضع الاجتماعي. كما أن فقدان تونس للبعد الاستراتيجي يكاد يكون شاملاً في مختلف القطاعات".

إقرأ أيضا: أطفال السودان ضحايا الاقتصاد الموازي