المدنيّة والمجتمع السياسي العراقي

24 سبتمبر 2018
+ الخط -
الحديث عن المجتمع المدني في العراق كالحديث عن الديمقراطية والإصلاح السياسي بعد الاجتياح الأميركي عام 2003: عناوين كبيرة ومضامين صغيرة، فالمدنية ليست شعارات تطلق أو كلمات يتفوّه بها السياسي أو دعاية يروّجها لنفسه. كما أنّ الإصلاح شأن المدنية، لم نر منهما سوى أحاديث السياسيين على التلفاز وخطاباتهم التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.
نرى الحزب الذي يتوّسد سدة الحكم في العراق يرغب في الاصطفاف ضمن الدول التي يشهد فيها مؤشر الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي تقدمًا، لكنها لا تقوم بعمل جدي من أجل بلوغ ذلك الهدف، وتكتفي قياداته بالخطابات والقوانين التي طالما كانت ولا تزال حبراً على ورق، ولَم ينفذ منها شيء. وهذا ما رأيناه على مدى السنين المتتالية، فكل من يأتي يوعد ويتوّعد ويهدّد بالضرب بيد من حديد، وكل هذه الوعود تذهب في مهب الريح، أو تلك البيانات التي تنشرها صحف ومواقع إلكترونية، وبعضها مموّل من هذه الأحزاب المتنفذة التي لم يبصر منها النور شيء.
وعلى صعيد المجتمع المدني، فإن سياسيي العراق يكتفون بما يلبّي غاياتهم في الظهور أمام الآخرين بمظهر الدولة الحديثة الديمقراطية المتعدّدة، وفي إيجاد مساحات لبعض القطاعات الأهلية للانشغال باهتماماتها، وإلهاء الشعب بما يبعده عن المطالبة بتوفير وسائل الترفيه، كالكهرباء وانقطاعها، والازدحامات التي باتت تشكل المعضلة الكبرى للعراقيين، والإرهاب (داعش) وما يضاهيه من عدم استقرار أمني، والبطالة التي جعلت من المواطن منهك القوى خائر العزيمة.
ونجد داخل الدولة عشرات، إن لم يكن مئات، المؤسسات والهيئات التي تصنّف وفقا لقوانين يقرّها البرلمان، باعتبارها مؤسسات وهيئات غير حكومية. لكن نظرة سريعة إلى القوانين التي ترّخصها، وتنظم عملها، تكشف أنها لا تتمتع بالاستقلالية المطلوبة في عملها كمؤسسات مجتمع مدني، لا من جهة حق المنتمين لها في التنظيم، من أجل الدفاع عن الحق العام حيث تتقاسم الأحزاب هذه الهيئات، ولا من حيث القدرة على الشراكة مع القطاع الخاص في العمل العام، ولا حتى من حيثيات العمل وتنظيم الأنشطة التي تدخل في صميم عملها قبل إبلاغ "السلطات المختصة"، وأخذ موافقتها حيث تعتبر هذه الهيئات مجرّد مصادر دخل تحصل الأحزاب عليه بصورة قانونية بعيداً عن المسألة.
وهنا نجد أن المجتمع المدني لا يمكن له العمل والنهوض في ظل غياب الديمقراطية والإصلاح السياسي، لأن غياب أحدهما أو ضعفه، ينتج عنه بالضرورة غياب الآخر أو ضعفه، حيث لا يمكن رؤية مجتمع مدني حقيقي، في ظلّ غياب الديمقراطية، أيّ دولة القانون والمواطنة. ومن جهة أخرى، لا يتحقق حكم الديمقراطية ويتطور إلا بوجود مجتمع مدني يشكل قوة دفع ورقابة.
غير أنّ لهذا الغياب أسبابه، ويتعلق أهمها، في نشأة الدوله الحديثة، على الرغم من تاريخ العراق الممتد إلى أكثر من سبعة آلاف سنة، إلا أن الدولة الحديثة فشلت فشلاً ذريعاً في إنشاء هويه وطنية لأبناء البلد، ما أدى إلى ضعف الانتماء السياسي للدولة لديهم، وزرعت في داخلهم الشعور النفعي الذي يجعلهم ينظرون إلى الدولة فرصة لجمع الأموال وبناء الثروات. وبالتالي أثرت في ابتعادهم عن القضايا العامة، وعدم اهتمامهم بمسير العمل السياسي، سواء من تدخلاتٍ خارجية، أو عمالة داخلية، وانجرارهم نحو المصالح الشخصية التي تبنى على أنقاض الديمقراطية والمدنية، واستشراء الولاء والتبعية، وإبعاد المواطن عن الشعور بالمسؤولية تجاه وطنه، والاعتماد على العلاقات الهرمية النفعيه التي انتشرت منذ الاجتياح الأميركي للعراق، وما زالت تنتشر.
EDFE7381-8390-4642-A61B-263B56884711
EDFE7381-8390-4642-A61B-263B56884711
فلاح العرار (العراق)
فلاح العرار (العراق)