المدخل إلى الكارثة

26 نوفمبر 2015
يفقد التعليم وظيفته كبوصلة لتقدم الانسان (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

يتطلب انتظام التقدم في المضمار التعليمي، ظروفاً سياسية ملائمة ممثلة بالأجهزة الحكومية، وما يرتبط بها من دوائر تخضع للمراقبة والمحاسبة والثواب والعقاب متى لزم الأمر، وسلطات مسؤولة أمام الرأي العام، سواء تمثل بأجهزة إعلام حرة ومستقلة وتتمتع بالديمقراطية وحرية التعبير، أو الناخبين الذين يملكون حق محاسبة ممثليهم على ما فعلوه، وما لم يفعلوه من تشريعات وقوانين، وما نفذوه وما قصروا عن تنفيذه من خطط تؤول إلى تحسين الأوضاع.

في الحروب عموماً، والأهلية منها خصوصاً، تتعطل كل الآليات الطبيعية التي سنتها المجتمعات من أجل ممارسة خطوات في سياق تحقيق عملية التقدم المطلوبة هذه. وخلال الحروب والفوضى مهما كانت منوعاتها، تستطيع السلطات المعنية، وهي هنا وزارات التربية والتعليم والحكومات، الادعاء معها أن ليس باليد حيلة، لأن ما يتم تدميره من أسس الحياة أضعاف ما تم إنجازه في غضون سنوات وعقود سابقة، وأن الموازنات تصرف على شراء الأسلحة والعتاد الحربي وتعبئة قوى المجتمع لخوض الغمار وتحقيق الانتصار. ثم إن الانتظام العام يتعطل بين المراكز والدوائر الصغرى، ويتصرف الكل على هواه، هذا إذا لم نتحدث عن الصفقات والرشى والسرقات الموصوفة وغير الموصوفة ومن دون حسيب أو رقيب.
 
في مثل هذا المناخ يتراجع موقع ودور المعلم الاجتماعي أمام الطلبة وذويهم، ويفقد التعليم والعلم وظيفته كبوصلة لتحقيق تقدم الانسان والمجتمعات البشرية. بل ويصبح دق النفير لحمل السلاح والانضواء في صفوف المحاربين، هو الأصل، وما عداه ترف لا محل له ولا مبرر. وبالتأكيد يتراجع دور وموقع العلماء والخبراء في كل مجال لصالح قادة وخطباء المنابر والمحاور الذين يعمدون إلى تجييش الجماهير والزج بها في آتون المواجهات. ويستعمل هؤلاء في التعبئة كل ما يخطر، ولا يخطر على البال، من أيديولوجيا وشحن عاطفي وفئوي، يعبّر عنه تارة بتكفير الخصوم وطوراً بشيطنتهم أو أبلستهم.

لا شك أن العديد من الدول العربية تشهد حروبا أهلية مركبة، بمعنى أن العامل السياسي يتداخل فيها مع العامل الطبقي والعقائدي والقبلي والمناطقي والنفسي... وهو مزيج مثالي لحروب تدميرية كالتي نشهد منوعاتها يومياً. ويتغذى ذلك كله من مفهوم انقلابي مفاده أن هذه الفئة أو تلك التي تخوض القتال وحدها من دون سواها، إذا ما تسلمت مقاليد الأمور تستطيع بناء الجنة الموعودة على الأرض أو السماء. وأن لا مشكلة في تدمير كل شيء وإعادة بنائه على هوى ما تريد وترغب. وهو المدخل للكارثة الماثلة أمام أعيننا جميعاً.
(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: الأمّية لكم جميعاً