أين يستثمر صغار المدخرين أموالهم، في البنوك أم البورصة أم الذهب أم العقار أم يحولونها إلى دولار ويورو ويضعونها تحت البلاطة؟
لا أتحدث هنا عن المستثمر، سواء كان صغيراً أو كبيراً، ولكن أتحدث عن المدخر الذي لديه بعض الأموال البسيطة التي يدخرها ويعوّل عليها في أن تقيه مخاطر الزمن وغدر الأيام عندما يصل لسن المعاش، أو يفقد عمله، أو حتى يدخرها لتلبية احتياجات أولاده سواء الحالية كالتعليم أو المستقبلية كالزواج، ومشكلة المدخر أنه شخص لا يحب المغامرة مثل المستثمر، ولذا يجب أن يبتعد عن أدوات المال والاستثمار الخطرة مثل الأسهم والبورصات والعملات.
بداية لا توجد قاعدة ذهبية للاستثمار المثالي والأفضل، ولا توجد أداة استثمار أفضل من الأخرى، فقط الأمر يتوقف على درجة تحمل المخاطر والمغامرة وتوقيت حاجة المدخر للسيولة ودرجة الأمان الراغب في الحصول عليها.
فقد يشتري المدخر بأمواله البسيطة أسهما ويضارب بها في البورصة، ويدخل في سباق مع قناصي الصفقات وكبار المستثمرين وصناديق الاستثمار ويحقق أرباحاً عالية، وقد يعرض نفسه لمخاطر لا قبل له بها، لأن المغامرة قد تكلف صاحب المال كل ثروته، وبشكل عام إذا سلك المدخر هذا السلوك وأراد الاستثمار في البورصة، فعليه أولاً باستشارة سمسار يحدد له التوقيت المناسب للدخول والخروج ويختار له تركيبة المحفظة المالية ونوعية الأسهم التي يستمر بها، وفي كل الأحوال يجب الابتعاد عن أسهم المضاربة المشهورة سريعة التحرك.
وإذا كانت البورصات أدوات خطرة وفي نفس الوقت يفضل المدخر إيثار السلامة والابتعاد عن الخسائر، فإن هناك عدة أدوات متاحة أمام المدخر للاستثمار بها، مثل إيداع الأموال في البنوك خاصة في الأوعية الادخارية طويلة الأجل التي تمنح عائداً أعلى.
بالطبع، إذا رغب المدخر في استثمار أمواله في البنوك، فيجب أن يلتفت لتوقيت حاجته للسيولة، فإذا كان بحاجة لسيولة مستمرة يغطي بها نفقاته هنا يجب أن يضع أمواله في شهادات ادخار تدر عائدا شهريا أو ربع سنوي أو حتى سنوي، ويبتعد عن الحسابات الجارية لأنها لا تمنح عائداً من الأصل في غالبية البنوك.
اقرأ أيضاً: سر مشتريات الذهب الضخمة والغامضة في العالم
كما يجب أن يلتفت المدخر لنقطة في غاية الأهمية وهي معدل التضخم السائد في بلده، فقد
يحصل على سعر فائدة 10% ومعدل التضخم 12% هذا يعني أن أمواله تتآكل، وبدلا من أن يحقق أرباحا يتكبد خسائر.
أما إذا كان المدخر ليس في حاجة لهذه الأموال لفترة طويلة كأن يخصصها لزواج أولاده وتعليمهم الجامعي، هنا يضعها في أدوات ادخار طويلة الأجل مثل شهادات الاستثمار التي تتراوح مدتها ما بين 5 إلى 15 سنة.
وقد يشتري المدخر ذهباً وفضة وسبائك وهي أدوات شبة مضمونة، صحيح أنها تحمل درجة ضعيفة من المخاطر، لأن أسعار السبائك الذهبية قد تتراجع في حال ارتفاع سعر الفائدة على الدولار وتحسن أسعار العملات الرئيسية كاليورو والإسترليني مثلاً، ولكن في كل الأحوال يجب اللجوء إلى الذهب والمعادن النفيسة في حالة زيادة المخاطر داخل الدولة التي تقيم بها كأن تنشأ حروب وقلاقل سياسية لا قدر الله.
وقد يشتري المدخر دولارا ويخزنه أو يضارب عليه في السوق السوداء للعملة، لكن المضاربة لعبة خطرة لا يجيدها سوى المضاربين وتجار العملة، ولذا يفضل الابتعاد عنها.
أما إذا كنت لا تفضل أي نوع من المخاطرة، وفي نفس الوقت تريد سيولة مستمرة، فضع أموالك في عقار أو اشتر أرضا، لكن هذه النصيحة لا تنطبق على كل الدول العربية، فالاستثمار في العقار داخل سورية والعراق واليمن خطر في ظل استمرار الحروب، أما في معظم الدول العربية الأخرى فالاستثمار في العقار والأرض مضمون بل ويحقق عائد عالي يفوق في معظم الأحيان العائد عن استثمار الأموال في البنوك.
وهناك أدوات مالية لا يلتفت إليها كثير من المدخرين وهي بالمناسبة مضمونة مثل أذون الخزانة التي تطرحها الحكومات بسعر فائدة عالي لتدبير موارد للدولة ورواتب الموظفين وسد العجز في الموازنة العامة، لكن لا يوجد وعي بهذه الأذون، ربما لأن هناك ظناً بأن الاكتتاب بها قاصر على البنوك والمؤسسات المالية، والغريب أن معظم المدخرين لا يعرفون شيئا عن هذه الأذون رغم أنها الأداة الاستثمارية الأكثر انتشارا بين الحكومات والبنوك المركزية في العالم.
أذون الخزانة والسندات تلائم المدخر الحذر وتجمع بين ميزتين، الأولى هي الضمان، إذ تضمن الحكومات أصل المال المستثمر والعائد الممنوح عليه، وثانيها سعر الفائدة العالي، لكن معظم الحكومات تشترط مبلغا معقولا من المال للاكتتاب في الأذون، حيث لا تسمح لصغار المدخرين بالاكتتاب.
اقرأ أيضاً: الذهب يرتفع 20 دولاراً في 4 أيام