يقول أزفاد لـ"العربي الجديد": "قد تتعجّبون من هذا الأمر أو تشعرون حياله بالشفقة؛ ففي مدينة بحجم الدار البيضاء، هناك أطفال من مناطق مهمشة وفقيرة، لا يعرفون شيئا عن البحر، وقد عايشت هذا، وسمعت بعضهم يتهامسون: انظروا إلى حجم هذه البركة الكبيرة التي أمامنا"، في إشارة منهم إلى شاطئ الكورنيش بعين الذئاب.
وتعدّ المخيمات الصيفية بالمغرب ملاذ الأطفال الفقراء والمتحدرين من أوساط اجتماعية شعبية، وتراهن على إكسابهم معارف ومهارات جديدة، وتحصينهم من الوقوع في الإدمان، وصقل شخصياتهم المستقبلية.
ويوضح أزفاد، الذي اكتسب خبرة واسعة في الميدان، مكّنته من آليات التواصل ومهارات التأطير التربوي للمستفيدين الصغار، انه يحرص من خلاله عمله في مخيم الأميرة لالة مريم على "إشراك الأطفال في الورشات المختلفة، الشاطئية منها، وحتى الخاصة بالإعلاميات، القراءة، الإسعافات الأولية، الرسم بنوعيه، الألعاب، القصور الرملية والرياضة، التوعية والتحسيس".
ويضيف أنّه "في إطار برنامج عطلة للجميع الذي تنظمه وزارة الشباب والرياضة والمديرية الجهوية لجهة الدار البيضاء سطات، والمديرية الإقليمية، وجمعية المخيمات الحضرية، يستفيد من هذا المخيم بشكل مجاني أبناء الفئات المعوزة والفقيرة الذين تراوح أعمارهم بين 8 و14 سنة".
ويشير إلى أن دمج الأطفال يتم عبر هذه الأنشطة التي تصب جميعها في خدمة شعار السنة "المخيم فضاء للتربية والإبداع"، وتنطلق يوميا عند الساعة العاشرة صباحا، بعد تناول وجبة الإفطار وارتداء الزيّ الرسمي "حيث يطلق الأطفال العنان لأجسادهم الصغيرة في التحرك سباحة وركضا، ولأناملهم رسما وتشييدا للقصور الرملية، ولخيالهم بالإبداع".
ويقول الطفل مصطفى، ذو الـ10 سنوات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من داخل المخيم الحضري لالة مريم: "هذه أول سنة أنخرط فيها في المخيم الصيفي. الأمر ممتع ومسلٍّ، وهو أفضل من قضاء العطلة في البيت أو حتى عند بعض الأقارب. نحن لا نسافر إلى أي وجهة لضعف مدخول أسرتي".
ويتابع "أشعر بالندم لأنني كنت أتردد في السنوات السابقة، وينتابني شعور بالخوف من فكرة المخيم، لكن كل مخاوفي تبددت، إذ التقيت أطفالا من سنّي، واستفدت من الورشات المختلفة في تنمية مهاراتي، خاصة السباحة، كما أحببت جدا ورشة القصور الرملية لأنها جعلتني أطلق العنان لخيالي، وأشيّد كل ما أحلم به ربما يتحقق يوما".
مصطفى واحد من بين 1350 طفلا يستفيدون خلال هذه المرحلة من برنامج مخيم الأميرة لالة مريم الحضري، والذي يعد من أقدم الفضاءات التخييمية بالدار البيضاء، ويعود تاريخ تأسيسه إلى سنة 1957، وتبلغ مساحته 5824 مترا مربعا، ويبلغ عدد المستفيدين الذين يحتضنهم طيلة فترة العطلة الصيفية حوالي 6450.
ويوضح أزفاد أنه يسهر على السير الجيد لهذا المخيم التربوي الذي يقع داخل إطار محصن متوفر على الشروط الضرورية لاستقبال وتنشيط جماعات الأطفال في ظروف صحية ملائمة، وبتأطير أزيد من 120 مؤطرا اجتازوا تدريبات وزارة الرياضة، ويملكون الكاريزما الضرورية للتعامل مع الأطفال.
ولا يخفي المتحدث بعض الصعوبات التي تواجهه في عمله، من صعوبة اندماج بعض الأطفال، أو مخاوف من التسمم، أو رفضهم لشروط الحماية خلال فترة السباحة، ويقول "هاجسي الكبير هو حماية الأطفال من أي تسمم غذائي جماعي ومراقبة جودة ما يقدم لهم، وأيضا الحرص على شروط السباحة الآمنة لتجنب غرقهم".
كما يلفت إلى أهمية ورشات التحسيس والتوعية من مخاطر الإدمان والتخريب وكل أشكال العنف التي يحرص المخيم عليها بهدف تحصيل استفادة أكبر لهؤلاء الأطفال، خاصة من يعيشون وسط أسر مفككة وظروف مهيئة "للانحراف".
وإذا كان مخيم "الأميرة لالة مريم الحضري" يحرص على خدمة تربوية واجتماعية للأطفال بهدف حمايتهم ورعايتهم ومتعتهم أيضا، من منطلق أنّ "العطلة حق لجميع الأطفال وليست امتيازاً"، فإن جمعية الحمامة للتربية والتخييم بدورها تبنّت هذه السنة استراتيجية جديدة، سعياً منها نحو "فك العزلة" عن أطفال العديد من المناطق الجبلية وإشراكهم في برنامج التخييم الذي تسهر عليه عبر فروعها الوطنية وبشراكة مع وزارة الشباب والرياضة.
وفي السياق، يقول رئيس جمعية الحمامة للتربية والتخييم، عادل أبو الخير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية دشنت استراتيجيتها من خلال مخيماتها المتعددة في مختلف مناطق المغرب، وحرصت على توفير كل الوسائل الممكنة والإمكانيات من أجل استفادة حوالي 2500 طفل من برنامج التخييم والعطلة الصيفية".
ويؤكد أبو الخير أن "المخيم يهيئ الأرضية لهؤلاء الأطفال للاستفادة من الأنشطة الثقافية والبيئية والرياضية المختلفة، ما يمكّنهم من صقل شخصياتهم وتعلم الاعتماد على النفس والخروج من حضن الوالدين، من خلال الفترة التي يقضونها في المخيم القار".
ويشير إلى دور المخيمات في زرع قيم التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر، مشبها إياها بالمجتمع المصغر لكونه يضم أطفالا من مختلف مدن المغرب بلهجات وعادات وثقافات مختلفة يكون المخيم بمثابة فضاء لإبرازها والانفتاح عليها.
وهذا ما تزكيه لبنى، وهي مستفيدة من المخيم القار بالهرهورة، (8 سنوات)، تقول لـ"العربي الجديد"، إنها سعيدة بالتعرف على أصدقاء جدد وأنشطة تربوية وترفيهية، وخاصة ورشة الرسم التي تعشقها.
في حين يتحدث عضو جمعية الحمامة من مدينة الدارالبيضاء، نبيل لشقر، لـ"العربي الجديد"، عن جهود الطاقم التربوي والإداري، وحرصه على تنويع الأنشطة والورشات والمحاور الجديدة كل سنة، لافتا إلى الورشات الخاصة بتشجيع القراءة والصحافة والموسيقى، بالإضافة إلى توفير المعدات اللوجستية لإنجاح المخيم بمختلف مراحله، ومساعدة الطفل على الخروج بقيمة مضافة، والمساهمة في بناء جيل متوازن.