المحكمة الخاصة بلبنان ومقاضاة الصحافيّين: مَن سرّب المعلومات؟

25 ابريل 2014
+ الخط -

التحقير هو التصغير، مشتقّة من الحقير، أي الصغير، الذليل، (الصحاح في اللغة). أما قضائياً وقانونياً، فالتحقير، بالنسبة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، هو اتهام بعرقلة سير العدالة. اتهام صدر مساء الخميس عن المحكمة بحق كل من صحيفة "الأخبار" وتلفزيون "الجديد" اللبنانيين. نشرت وسيلتا الإعلام المذكورتان، بين عامي 2012 و2013، تقارير صحافية خاصة بملفات قضائية خاصة بالمحكمة، لتخرقا القانونين اللبناني والدولي اللذين يمنعان "نشر وقائع المحاكمات الجنائية قبل تلاوتها". كل ذلك بالإضافة إلى نشرهما مواد إعلامية متعلّقة بالشهود السريّين في المحكمة، ما يخالف أيضاً مبدأ "سرية المحاكمات" الذي يحظر "على الصحف وغيرها من وسائل الإعلام نشر محاضر التحقيقات أو إذاعتها". استكملت المحكمة قرار الدعوى باستعداء كل من رئيس تحرير "الأخبار"، إبراهيم الأمين، ونائبة مديرة البرامج السياسية في "الجديد"، كرمى الخياط، بوصفهما مسؤولين عن هذه "الجريمة"، تحديداً في ما يخص قضية سليم عياش ومتهمين آخرين، يحاكمون غيابياً، باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما اعتبرته المحكمة "عرقلةً لسير العدالة، لأنه يقلّل من ثقة الشهود الفعليين والجمهور العام في قدرة وعزم المحكمة على حماية شهودها".

"الأخبار" و"الجديد" متّهمان بتهديد سلامة الشهود، والتدخل في عمل المحكمة، وخرق كافة البنود القانونية المتعلّقة بسرية التحقيقات، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن لسبع سنوات.

أخطأت الوسيلتان، من وجهة نظر القانون، وتخطّتا خطوطاً قانونية حمراء، فاستفادت المحكمة الدولية من ذلك، وانطلقت في محاولة ردع خصومها. جاءت الاتّهامات واضحة ومدروسة وتحت سقف القانون. إلا أنّ هذه التهم ظلّت موجّهة حصراً لهذا الفريق من الإعلاميين دون سواه. وقد تجاهلت المحكمة كل التقارير الإعلامية الأخرى التي استبقت التحقيقات والبيانات الرسمية الصادرة عن لاهاي (مقرّ المحكمة)، متهمة فريقاً معيّناً بارتكاب الجريمة. قد لا تبدو هذه المعادلة صالحة، باعتبار أنّ القيّمين على المحكمة لا يسعهم سوى ضرب خصومهم من باب القانون وسرية الأحكام. لا شيء يدعو إلى الاستغراب، باعتبار أنّ لاهاي تتّهم عناصر من حزب الله بتنفيذ الاغتيال. "الأخبار" و"الجديد" يقفان في صف الحزب، ويحاولان التصويب على المحكمة وقراراتها وقضاتها والعاملين فيها، فتقع المواجهة.

عملت المحكمة على إعداد ملف هذه الدعوى منذ يونيو/ حزيران 2013، فأمر رئيسها، ديفيد باراغواناث، بمتابعة التحقيق في القضية، وإعداد المراجعات والتدقيق. وصل تقرير مفصّل إلى باراغواناث نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأُعِدّ نص الدعوى والاتهام في 31 يناير/ كانون الثاني 2014، وبقي سرياً وغير وجاهي حتى 24 أبريل/ نيسان الجاري.

اللافت في القضية أنّ باراغواناث قرّر الادعاء على أشخاص معنويين، ولم يحصر الاتهام بالأشخاص الطبيعيين. وعلى الرغم من المبدأ الدولي القائل إنّ "الشركات لا تستطيع ارتكاب الجرائم"، شددّت المحكمة، بحسب نص الدعوى، على "تمتّع الشركات بسلطة هائلة عبر قدرتها على بثّ المعلومات ونشرها بطرق أخرى".

تقدّمت المحكمة بهذه التهم، وستبتّ هي بالدعوى أيضاً، وهو ما يطرح أيضاً الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة أي جهاز قانوني الادعاء وإصدار الحكم في الوقت عينه. لن يخفّف تنحي القاضي باراغواناث عن النظر في إجراءات الدعوى، وإسنادها إلى القاضي نيكولا لتييري، من كون جهة الادعاء وجهة الحَكَم هي نفسها.

استبقت المحكمة إصدار هذا الاتهام بإبلاغ الدولة اللبنانية تعميم قرار على المؤسسات الإعلامية المحلية، بمنعها من نشر أي معلومات تخصّ عمل المحكمة، إلا إذا كانت الأخيرة أصدرتها في بيانات أو قرارات رسمية. وصلت هذه الرسالة إلى الدولة مطلع أبريل/ نيسان الجاري، واخذ المجلس الوطني للإعلام على عاتقه مهمّة إبلاغ وسائل الإعلام وتعميم القرار. تمّ الأمر. وبعد أيام، صدر عن رئيس قلم المحكمة قرار بتعيين كينيث سكوت "صديقاً" للمحكمة، "يُعنى بتهم التحقير المنظورة حالياً أمام المحكمة الخاصة بلبنان".

يبدو أنّ المحكمة أعدّت الملف، ونظّمت طاقمها، وأبلغت المعنيين بالإجراءات. ويبدو أيضاً أنها ماضية في هذا القرار على الرغم من شوائب في الشكل والمضمون. كثيرون يرون أنه على القيّمين على المحكمة المباشرة في التحقيق أيضاً في كيفية تسريب هذه المعلومات السرية إلى "الجديد" و"الأخبار"، بما يحمله هذا التسريب من وجود "مخبرين" و"تجّار" بين موظفيها والقيّمين عليها.

يمكن للأمين وخياط المثول أمام المحكمة شخصياً، أو الظهور أمامها بواسطة نظام المؤتمرات المتلفزة، يوم 13 مايو/ أيار موعد جلسة التحقيق الأولى.

المساهمون