يضع السلة الغذائية أمامه وأمام من وجد من أفراد عائلته، ويطلب منهم الابتسام لإبراز تعبير ذاك المحتاج وعائلته بالامتنان والشكر والسعادة الغامرة، يهيىء الجو السينمائي المناسب؛ ويبدأ بالتقاط الصور.. هذه غير مناسبة، الإضاءة غير كافية.. يعيد مرات ومرات حتى يقتنع بـ "الصورة التذكارية" التي سيعود بها في جعبته لمؤسسته التي ستستخدمها لاحقاً في حملة جمع تبرعات جديدة.
هذا المشهد هو الأكثر شيوعاً في قطاع واسع من المؤسسات الخيرية والعاملة بالمجال "الإنساني"، التي باتت تعتبر المحتاج أداة لتحصيل المزيد من الدعم والتبرعات والمساندة، وأنموذجاً "model" مثيراً للشفقة ومحركاً للمشاعر يحق لها أن تستخدمه كيفما كان وأينما كان لتجمع قدراً أكبر من التبرعات، وذلك كله مقابل سلة غذائية لا تتجاوز قيمتها بضع دولارات.
من يتابع المنصات الإعلامية للمؤسسات الخيرية، يجد كثيراً من الانتهاكات تحت ذرائع كثيرة، منها التوثيق والنشر الإعلامي ومتطلبات المشروع وغيرها من الحجج، التي تراها المؤسسات تبرر الانتهاكات المتتالية والكثيرة للمستفيدين.
في بيئات الكوارث والحروب لا يكترث المحتاج كثيراً لكرامته، فغريزة البقاء والحفاظ على الروح تسبق، وفي حالات الحصار الخانق لا يهم الإنسان أكثر من أن يبقى على قيد حياة، وفي ذات الأجواء تنفجر أعداد المؤسسات والجمعيات التي تنشأ تحت مسميات إنسانية ولافتات مساعدة المحتاج والملهوف، وتسود الفوضى المشهد فلا رقيب ولا حسيب على الأموال، ولا معايير واضحة في العطاء وتسيير عملية توزيع المساعدات، بما يضمن وصولها إلى مستحقيها بدون تحيز أو تمييز مع الحفاظ على كرامة المستفيد.
قبل أشهر كنت مشرفاً على توزيع مساعدات على عوائل تعيش تحت خط الفقر في أحد المناطق الحدودية، وضمن سياستنا في المؤسسة أن نشرك المتطوعين في العمل ونتيح لهم المساهمة كل في إطار تخصصه؛ فالتحق بنا شاب كمتطوع في التصوير والتوثيق، وكعادتي في بداية كل مهمة إنسانية أعطي الفريق تعليمات ومحددات العمل وعلى رأس القائمة احترام كرامة المستفيد والحفاظ على الابتسامة والكلمة الطيبة.
كنت أراقب المشهد عن بعد وإذ بالمتطوع يطلب من رب العائلة وأفراد عائلته أن يقفوا أمام باب بيتهم، ويضعوا سلة المساعدات والظرف الذي يحوي مبلغاً ماليّاً أمامهم، طالباً منهم إبراز شعار "Logo" المؤسسة، ليلتقط صورة "تبيّض" وجهه أمام المؤسسة، فناديته باسمه قبل أن يتم اللقطة وسألته: "لو وضعت نفسك مكانهم فهل سترضى بذلك؟" فطأطأ رأسه خجلا، وأردفتُ مكملا: "ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك".
(سورية)
هذا المشهد هو الأكثر شيوعاً في قطاع واسع من المؤسسات الخيرية والعاملة بالمجال "الإنساني"، التي باتت تعتبر المحتاج أداة لتحصيل المزيد من الدعم والتبرعات والمساندة، وأنموذجاً "model" مثيراً للشفقة ومحركاً للمشاعر يحق لها أن تستخدمه كيفما كان وأينما كان لتجمع قدراً أكبر من التبرعات، وذلك كله مقابل سلة غذائية لا تتجاوز قيمتها بضع دولارات.
من يتابع المنصات الإعلامية للمؤسسات الخيرية، يجد كثيراً من الانتهاكات تحت ذرائع كثيرة، منها التوثيق والنشر الإعلامي ومتطلبات المشروع وغيرها من الحجج، التي تراها المؤسسات تبرر الانتهاكات المتتالية والكثيرة للمستفيدين.
في بيئات الكوارث والحروب لا يكترث المحتاج كثيراً لكرامته، فغريزة البقاء والحفاظ على الروح تسبق، وفي حالات الحصار الخانق لا يهم الإنسان أكثر من أن يبقى على قيد حياة، وفي ذات الأجواء تنفجر أعداد المؤسسات والجمعيات التي تنشأ تحت مسميات إنسانية ولافتات مساعدة المحتاج والملهوف، وتسود الفوضى المشهد فلا رقيب ولا حسيب على الأموال، ولا معايير واضحة في العطاء وتسيير عملية توزيع المساعدات، بما يضمن وصولها إلى مستحقيها بدون تحيز أو تمييز مع الحفاظ على كرامة المستفيد.
قبل أشهر كنت مشرفاً على توزيع مساعدات على عوائل تعيش تحت خط الفقر في أحد المناطق الحدودية، وضمن سياستنا في المؤسسة أن نشرك المتطوعين في العمل ونتيح لهم المساهمة كل في إطار تخصصه؛ فالتحق بنا شاب كمتطوع في التصوير والتوثيق، وكعادتي في بداية كل مهمة إنسانية أعطي الفريق تعليمات ومحددات العمل وعلى رأس القائمة احترام كرامة المستفيد والحفاظ على الابتسامة والكلمة الطيبة.
كنت أراقب المشهد عن بعد وإذ بالمتطوع يطلب من رب العائلة وأفراد عائلته أن يقفوا أمام باب بيتهم، ويضعوا سلة المساعدات والظرف الذي يحوي مبلغاً ماليّاً أمامهم، طالباً منهم إبراز شعار "Logo" المؤسسة، ليلتقط صورة "تبيّض" وجهه أمام المؤسسة، فناديته باسمه قبل أن يتم اللقطة وسألته: "لو وضعت نفسك مكانهم فهل سترضى بذلك؟" فطأطأ رأسه خجلا، وأردفتُ مكملا: "ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك".
(سورية)