مجلة سينمائية عربية حاجة ومطلب قديمان. التاريخ العربي للمجلات المتنوّعة حافلٌ بإصدارات متفرّقة، بعضها مائلٌ إلى الفنون البصرية برمّتها، كالتلفزيون والموسيقى والغناء أساساً، والنجوم وحكاياتهم ونمائمهم وكواليس عيشهم أيضاً.
المجلات السينمائية العربية المتخصّصة بقضايا الفنّ السابع وهمومه، وبشؤون العاملين فيه وشجونهم، نادرة. تصدر أعداد قليلة من مجلة معيّنة، ثم تختفي عن المشهد. تجارب جدّية قليلة تشهدها الجغرافيا العربية من محيطها إلى خليجها بين حين وآخر، لكن لوقت قصير، قبل أن ينتهي كلّ شيء. حتّى المجلات الجدّية هذه لم تتوصّل إلى إيجاد ثقافة سينمائية، أو إلى إنشاء تيارات سينمائية، أو إلى التأثير في المسار التاريخي التصاعديّ لصناعة الأفلام العربية. لكنها تجارب راقية، يُحاول أصحابها البحث في قضايا متلائمة وأحوال المراحل المُعاشة عند صدور هذه المجلّة أو تلك، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والنتاج الثقافي المتنوّع. تجارب تريد مواكبة العصر، كي تذهب إلى ما هو أبعد من الراهن والآنيّ.
غياب الفعالية
لم تستطع المجلات السينمائية التماهي بالغرب على مستوى ابتكار أفكار أو تيارات سينمائية في صناعة الأفلام. "دفاتر السينما"، التي يُصدرها النقّاد الفرنسيون أندره بازان وجاك دونيول ـ فالكروز وجوزف ـ ماري لو دوكا وليونيد كايغل بدءًا من أبريل/ نيسان 1951، تؤدّي دوراً تأسيسياً في ابتكار "الموجة الجديدة" في صناعة السينما الفرنسية مثلاً. "بوزيتيف" (يُصدرها الناقد والمؤرّخ السينمائي الفرنسي برنار شاردير في عام 1952) تقف إلى جانب اليسار غير الشيوعي، وتُساهم في بلورة أفق نقديّ منفتح على الغرب الأميركي تحديداً. في المقابل، ومع أن نقّاداً سينمائيين عرباً يلتزمون يساراً أو قومية عربية أو فكراً تقدّمياً في خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، إلاّ أنهم لم يُصدروا مجلات فاعلة ومؤثّرة على غرار المجلتين الفرنسيتين، مع أنهم يكتبون نقداً لا يزال بعضه أساسياً ومرجعاً يُركَن إليه في التاريخ السينمائي العربي.
لا يُمكن تشبيه أحوال المجلات الأدبية والثقافية العربية بتلك المتعلّقة بالمجلات السينمائية. فللأولى انتشارٌ أوسع، وتأثير أكبر على مجريات الحراك الإبداعي، ومواكبة أعمق لتحوّلات يُحدثها الغليان الفكريّ والثقافي في المجتمعات العربية. مجلات أدبية وثقافية عربية مختلفة تُساهم فعلياً في إيجاد أفكار للأدب والشعر مثلاً، وتناضل من أجل أفكار، كالقومية العربية واليسار مثلاً، عبر الأدب والشعر والتحليل والمناقشة. مجلات كهذه تعاند مآزقها المالية بشتّى الوسائل، وتستمرّ في الصدور. واقع الحال العربي الخاصّ بمجلات كهذه سيئ جداً، إذ إن معظم المجلات العريقة متوقّفٌ حالياً، بينما مجلات فكرية وثقافية عامّة تعاند من أجل البقاء، وتحاول إيجاد مصادر تمويل للاستمرار، علماً أن تأثيرها في المشهد العام معدومٌ للغاية، بسبب طغيان العمل السياسي المباشر على ما عداه من نشاطات وحراك. المجلات السينمائية عاجزةٌ عن الصمود طويلاً في وجه مأزق مالي، فهي تعاني ندرة القرّاء، المنصرفة غالبيتهم الساحقة إلى الفنّ السابع عبر المشاهدة، أو من خلال متابعة مجلات سينمائية أجنبية، بالإضافة إلى مواقع إخبارية وقراءات أخرى عبر وسائل متفرّقة. المجلات السينمائية العربية لم تؤسِّس جمهوراً من القرّاء، ولم تخرج على رتابة نصوصها وآليات اشتغالاتها إلاّ نادراً، ولم تُقدّم نفسها كمشروع تجديديّ في الكتابة والنقاش يواكب تطوّر العمل الإنتاجي السينمائي، ويوجّهه ويُرشده.
اقرأ أيضاً: مخرج يحمل بندقية صيد
هناك حالات استثنائية: "الفن السابع" للممثل والمنتج المصري محمود حميدة (نهاية التسعينيات المنصرمة)، و"السينما والتاريخ" للناقد السينمائي المصري سمير فريد (تسعينيات القرن الفائت). استثنائية المجلّتين متأتية من قدرة كلّ واحدة منهما على تقديم بعض المختلف في الكتابة والهدف والهوية. التكاليف الباهظة نسبياً للأولى نابعةٌ من حرص حميدة على منح المجلة أفضل صورة ممكنة، تصميماً وطباعة ونوعية ورق وحروف وألوان. بالإضافة إلى اهتمامه بمضمون يُراد له الجمع بين تفكير نقدي سجاليّ واشتغال صحافي فني في آن واحد. 48 عدداً على مدى 4 أعوام متتالية كفيلةٌ بالقول إن "الفن السابع" تمنح المشهد السينمائي حيوية النقاش والحوار والخبر والتحليل، خصوصاً أن إدارة التحرير تفتح مجالاً أمام صحافيين ونقاد سينمائيين شباب (إلى جانب مخضرمين) لممارسة إحدى أجمل المهن الكتابية. أهمية المجلة الثانية ناشئةٌ من الاهتمام الكبير لسمير فريد بالجانب التأريخيّ للفن السابع، بالمستويات كلّها: وثائق، مخطوطات، حكايات، مقالات، إلخ. هذا كلّه منصبٌّ على ماضٍ يسعى فريد إلى حماية بعضه من الاندثار.
خلل الصناعة
ملاحظات عديدة تُساق في التعليق النقدي على واقع المجلات السينمائية العربية، سواء تلك المتوقّفة عن الصدور، أو المستمرّة في الصدور، أو حديثة العهد بالصدور. ملاحظات سلبية بمعظمها، تطاول صناعة المجلّة وهويتها الثقافية تحديداً. فبالإضافة إلى بهتان التصميم والورق المستخدم وتقنيات الحروف والألوان (غالبية المجلات هذه تصدر بالأسود والأبيض)، تغيب الأسس الثابتة لمعنى إصدار المجلة، ولوجهتها ومفهومها الثقافيّ. فالغالبية الساحقة منها مرتكزة على براعة المشرف عليها في الـ "علاقات عامّة"، التي تتيح له تواصلاً مع عدد من الصحافيين والنقّاد، مطالباً إياهم بكتابات متنوّعة لا يربطها خيطٌ ثقافي، ولا تلتقي عند مسألة أو شخصية واضحة وفاعلة. مجلات كهذه مكتفية بجمع مقالات متفرّقة، من دون أدنى اهتمام بالمشترك بينها على مستوى هوية المجلة والهدف من إصدارها، كما على مستوى تحريرها وإيجاد فضاء ثقافي ـ فني لها. بهذا، تتحوّل المطبوعات إلى "مجلات فنية" أشبه بتلك الأسبوعية، ما يعني ابتعاداً واضحاً عن السينما وعالمها الواسع.
قليلةٌ هي المجلات الجدّية. فإلى جانب "الفن السابع" و"السينما والتاريخ"، تُصدر الجمعية المصرية "سمات للإنتاج والتوزيع" (المعنية بهموم السينما المستقلّة والشبابية) مجلة "نظرة" بدءاً من ربيع عام 2002: "نافذة على التجارب السينمائية المختلفة في الماضي والحاضر، تسعى إلى تحرير الفنّ السينمائي من قبضة واحتكار السينما السائدة بمعاييرها التجارية النمطية". الاطّلاع على "نظرة" يُنبّه إلى اجتماع شكلٍ سليم ومتواضع بمضمون جدّي يحاول، قدر المستطاع، تلبية الهدف الأساس للمجلة والجمعية معاً. النقص في الدعم المالي ينعكس على طباعة عادية جداً بالأسود والأبيض، وهذا أمر سلبيّ بالنسبة إلى مجلة سينمائية تعتمد، كما الأفلام، على الصُوَر ذات الجودة الفنية العالية. لكن توازناً ما تتوصّل المجلة إلى إنشائه، عبر رفع مستوى الكتابة والسجال.
وفي شتاء 2015، يصدر عددٌ أول من مجلة سينمائية فصلية عربية جديدة: "السينما العربية". محاولة أولى في تاريخ "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت منذ تأسيسه في 18 مارس/آذار 1975، معطوفة على خطوة أولى للمركز أيضاً باتّجاه السينما، متمثّلة بعقد ندوة "السينما العربية، تاريخها ومستقبلها ودورها النهضوي"، المنعقدة بين 18 و20 ديسمبر/كانون الأول 2013 في المدينة التونسية "الحمامات" (الأبحاث والمناقشات الخاصّة بالندوة مجموعة في كتاب بالعنوان نفسه، صادر عن المركز بطبعة أولى في سبتمبر/ أيلول 2014).
يرأس تحريرها الناقد اللبناني إبراهيم العريس (1946). لكنها تقع في مشكلات كثيرة: انعدام أدنى رؤية فنية للتصميم، وعشوائية كبيرة في اختيار المقالات ونشرها، وانغماس في قضايا سينمائية قديمة (ملف عن دور القطاع العام في العالم العربي في صناعة السينما مثلاً)، واهتمام بشخصيات لم تُقدِّم للسينما العربية سوى فيلمين اثنين (الكويتي خالد الصدّيق)، وطرح عناوين موغلة في ماضي الفن السابع العربي، في مقابل اهتمام متواضع بسينما عربية جديدة وشابّة، من دون وضوح الرؤية النقدية والثقافية للمجلّة برمّتها.
مأزق "السينما العربية" كامنٌ في عدم تقديم أي جديد يُذكر في صناعة المجلات، على الرغم من صدورها عن مركز أبحاث ودراسات يُفترض به أن يكون داعماً لمجلة يجدر بها أن تُضيف إيجابياً على رصيده الثقافي والفكري. بالإضافة إلى هذا، هناك غياب واضح لتحرير المواد المنشورة، المعتمدة على أساليب واضعيها في الكتابة، بدلاً من اعتماد نسق تحريري يُمسك العدد كلّه.
عمر عامر
(كاتب لبناني)
المجلات السينمائية العربية المتخصّصة بقضايا الفنّ السابع وهمومه، وبشؤون العاملين فيه وشجونهم، نادرة. تصدر أعداد قليلة من مجلة معيّنة، ثم تختفي عن المشهد. تجارب جدّية قليلة تشهدها الجغرافيا العربية من محيطها إلى خليجها بين حين وآخر، لكن لوقت قصير، قبل أن ينتهي كلّ شيء. حتّى المجلات الجدّية هذه لم تتوصّل إلى إيجاد ثقافة سينمائية، أو إلى إنشاء تيارات سينمائية، أو إلى التأثير في المسار التاريخي التصاعديّ لصناعة الأفلام العربية. لكنها تجارب راقية، يُحاول أصحابها البحث في قضايا متلائمة وأحوال المراحل المُعاشة عند صدور هذه المجلّة أو تلك، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والنتاج الثقافي المتنوّع. تجارب تريد مواكبة العصر، كي تذهب إلى ما هو أبعد من الراهن والآنيّ.
غياب الفعالية
لم تستطع المجلات السينمائية التماهي بالغرب على مستوى ابتكار أفكار أو تيارات سينمائية في صناعة الأفلام. "دفاتر السينما"، التي يُصدرها النقّاد الفرنسيون أندره بازان وجاك دونيول ـ فالكروز وجوزف ـ ماري لو دوكا وليونيد كايغل بدءًا من أبريل/ نيسان 1951، تؤدّي دوراً تأسيسياً في ابتكار "الموجة الجديدة" في صناعة السينما الفرنسية مثلاً. "بوزيتيف" (يُصدرها الناقد والمؤرّخ السينمائي الفرنسي برنار شاردير في عام 1952) تقف إلى جانب اليسار غير الشيوعي، وتُساهم في بلورة أفق نقديّ منفتح على الغرب الأميركي تحديداً. في المقابل، ومع أن نقّاداً سينمائيين عرباً يلتزمون يساراً أو قومية عربية أو فكراً تقدّمياً في خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، إلاّ أنهم لم يُصدروا مجلات فاعلة ومؤثّرة على غرار المجلتين الفرنسيتين، مع أنهم يكتبون نقداً لا يزال بعضه أساسياً ومرجعاً يُركَن إليه في التاريخ السينمائي العربي.
لا يُمكن تشبيه أحوال المجلات الأدبية والثقافية العربية بتلك المتعلّقة بالمجلات السينمائية. فللأولى انتشارٌ أوسع، وتأثير أكبر على مجريات الحراك الإبداعي، ومواكبة أعمق لتحوّلات يُحدثها الغليان الفكريّ والثقافي في المجتمعات العربية. مجلات أدبية وثقافية عربية مختلفة تُساهم فعلياً في إيجاد أفكار للأدب والشعر مثلاً، وتناضل من أجل أفكار، كالقومية العربية واليسار مثلاً، عبر الأدب والشعر والتحليل والمناقشة. مجلات كهذه تعاند مآزقها المالية بشتّى الوسائل، وتستمرّ في الصدور. واقع الحال العربي الخاصّ بمجلات كهذه سيئ جداً، إذ إن معظم المجلات العريقة متوقّفٌ حالياً، بينما مجلات فكرية وثقافية عامّة تعاند من أجل البقاء، وتحاول إيجاد مصادر تمويل للاستمرار، علماً أن تأثيرها في المشهد العام معدومٌ للغاية، بسبب طغيان العمل السياسي المباشر على ما عداه من نشاطات وحراك. المجلات السينمائية عاجزةٌ عن الصمود طويلاً في وجه مأزق مالي، فهي تعاني ندرة القرّاء، المنصرفة غالبيتهم الساحقة إلى الفنّ السابع عبر المشاهدة، أو من خلال متابعة مجلات سينمائية أجنبية، بالإضافة إلى مواقع إخبارية وقراءات أخرى عبر وسائل متفرّقة. المجلات السينمائية العربية لم تؤسِّس جمهوراً من القرّاء، ولم تخرج على رتابة نصوصها وآليات اشتغالاتها إلاّ نادراً، ولم تُقدّم نفسها كمشروع تجديديّ في الكتابة والنقاش يواكب تطوّر العمل الإنتاجي السينمائي، ويوجّهه ويُرشده.
اقرأ أيضاً: مخرج يحمل بندقية صيد
هناك حالات استثنائية: "الفن السابع" للممثل والمنتج المصري محمود حميدة (نهاية التسعينيات المنصرمة)، و"السينما والتاريخ" للناقد السينمائي المصري سمير فريد (تسعينيات القرن الفائت). استثنائية المجلّتين متأتية من قدرة كلّ واحدة منهما على تقديم بعض المختلف في الكتابة والهدف والهوية. التكاليف الباهظة نسبياً للأولى نابعةٌ من حرص حميدة على منح المجلة أفضل صورة ممكنة، تصميماً وطباعة ونوعية ورق وحروف وألوان. بالإضافة إلى اهتمامه بمضمون يُراد له الجمع بين تفكير نقدي سجاليّ واشتغال صحافي فني في آن واحد. 48 عدداً على مدى 4 أعوام متتالية كفيلةٌ بالقول إن "الفن السابع" تمنح المشهد السينمائي حيوية النقاش والحوار والخبر والتحليل، خصوصاً أن إدارة التحرير تفتح مجالاً أمام صحافيين ونقاد سينمائيين شباب (إلى جانب مخضرمين) لممارسة إحدى أجمل المهن الكتابية. أهمية المجلة الثانية ناشئةٌ من الاهتمام الكبير لسمير فريد بالجانب التأريخيّ للفن السابع، بالمستويات كلّها: وثائق، مخطوطات، حكايات، مقالات، إلخ. هذا كلّه منصبٌّ على ماضٍ يسعى فريد إلى حماية بعضه من الاندثار.
خلل الصناعة
ملاحظات عديدة تُساق في التعليق النقدي على واقع المجلات السينمائية العربية، سواء تلك المتوقّفة عن الصدور، أو المستمرّة في الصدور، أو حديثة العهد بالصدور. ملاحظات سلبية بمعظمها، تطاول صناعة المجلّة وهويتها الثقافية تحديداً. فبالإضافة إلى بهتان التصميم والورق المستخدم وتقنيات الحروف والألوان (غالبية المجلات هذه تصدر بالأسود والأبيض)، تغيب الأسس الثابتة لمعنى إصدار المجلة، ولوجهتها ومفهومها الثقافيّ. فالغالبية الساحقة منها مرتكزة على براعة المشرف عليها في الـ "علاقات عامّة"، التي تتيح له تواصلاً مع عدد من الصحافيين والنقّاد، مطالباً إياهم بكتابات متنوّعة لا يربطها خيطٌ ثقافي، ولا تلتقي عند مسألة أو شخصية واضحة وفاعلة. مجلات كهذه مكتفية بجمع مقالات متفرّقة، من دون أدنى اهتمام بالمشترك بينها على مستوى هوية المجلة والهدف من إصدارها، كما على مستوى تحريرها وإيجاد فضاء ثقافي ـ فني لها. بهذا، تتحوّل المطبوعات إلى "مجلات فنية" أشبه بتلك الأسبوعية، ما يعني ابتعاداً واضحاً عن السينما وعالمها الواسع.
قليلةٌ هي المجلات الجدّية. فإلى جانب "الفن السابع" و"السينما والتاريخ"، تُصدر الجمعية المصرية "سمات للإنتاج والتوزيع" (المعنية بهموم السينما المستقلّة والشبابية) مجلة "نظرة" بدءاً من ربيع عام 2002: "نافذة على التجارب السينمائية المختلفة في الماضي والحاضر، تسعى إلى تحرير الفنّ السينمائي من قبضة واحتكار السينما السائدة بمعاييرها التجارية النمطية". الاطّلاع على "نظرة" يُنبّه إلى اجتماع شكلٍ سليم ومتواضع بمضمون جدّي يحاول، قدر المستطاع، تلبية الهدف الأساس للمجلة والجمعية معاً. النقص في الدعم المالي ينعكس على طباعة عادية جداً بالأسود والأبيض، وهذا أمر سلبيّ بالنسبة إلى مجلة سينمائية تعتمد، كما الأفلام، على الصُوَر ذات الجودة الفنية العالية. لكن توازناً ما تتوصّل المجلة إلى إنشائه، عبر رفع مستوى الكتابة والسجال.
وفي شتاء 2015، يصدر عددٌ أول من مجلة سينمائية فصلية عربية جديدة: "السينما العربية". محاولة أولى في تاريخ "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت منذ تأسيسه في 18 مارس/آذار 1975، معطوفة على خطوة أولى للمركز أيضاً باتّجاه السينما، متمثّلة بعقد ندوة "السينما العربية، تاريخها ومستقبلها ودورها النهضوي"، المنعقدة بين 18 و20 ديسمبر/كانون الأول 2013 في المدينة التونسية "الحمامات" (الأبحاث والمناقشات الخاصّة بالندوة مجموعة في كتاب بالعنوان نفسه، صادر عن المركز بطبعة أولى في سبتمبر/ أيلول 2014).
يرأس تحريرها الناقد اللبناني إبراهيم العريس (1946). لكنها تقع في مشكلات كثيرة: انعدام أدنى رؤية فنية للتصميم، وعشوائية كبيرة في اختيار المقالات ونشرها، وانغماس في قضايا سينمائية قديمة (ملف عن دور القطاع العام في العالم العربي في صناعة السينما مثلاً)، واهتمام بشخصيات لم تُقدِّم للسينما العربية سوى فيلمين اثنين (الكويتي خالد الصدّيق)، وطرح عناوين موغلة في ماضي الفن السابع العربي، في مقابل اهتمام متواضع بسينما عربية جديدة وشابّة، من دون وضوح الرؤية النقدية والثقافية للمجلّة برمّتها.
مأزق "السينما العربية" كامنٌ في عدم تقديم أي جديد يُذكر في صناعة المجلات، على الرغم من صدورها عن مركز أبحاث ودراسات يُفترض به أن يكون داعماً لمجلة يجدر بها أن تُضيف إيجابياً على رصيده الثقافي والفكري. بالإضافة إلى هذا، هناك غياب واضح لتحرير المواد المنشورة، المعتمدة على أساليب واضعيها في الكتابة، بدلاً من اعتماد نسق تحريري يُمسك العدد كلّه.
عمر عامر
(كاتب لبناني)