15 نوفمبر 2024
المجزرة والتاريخ المؤسس
شهد التاريخ العربي الحديث أحداثاً دموية عديدة، غير أن لمجزرة صبرا وشاتيلا طابعاً خاصاً بقي محفوراً في الأذهان الجماعية العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً. في السادس عشر من سبتمبر/ أيلول في كل عام تعود هذه المجزرة إلى الذاكرة، سواء عبر مسيرات أو كتابات أو مقابلات مع ناجين يسترجعون لحظات الرعب التي عاشوها خلال 48 ساعة، هي المدة التي استغرقتها عمليات القتل من المليشيات اللبنانية في عام 1982، بحماية من دباباتٍ إسرائيلية كانت ترابط على أبواب المخيمين بعد اجتياح بيروت.
خليط من المعطيات جعل المجزرة محفورة في الذهن العربي والفلسطيني، لعل أبرزها أنها أرّخت لمرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني، بعدما أدت تداعياتها إلى خروج منظمة التحرير من بيروت إلى تونس، وتحول بيروت إلى أول عاصمة عربية محتلة في التاريخ الحديث، ولاحقاً لبنان إلى ثاني دولة عربية توقع "معاهدة سلام" مع إسرائيل في 17 مايو/أيار، وهو الاتفاق الذي ما لبث أن سقط بانتفاضة السادس من فبراير/ شباط.
التأريخ الذي تمثّله "صبرا وشاتيلا" لا يقف عند هذا الحد، بل يتعدّاه إلى ما هو أكثر خطورة، والذي تحوّل إلى سابقة، ربما تم البناء عليها في مساراتٍ تاريخيةٍ عربيةٍ مستمرة إلى الوقت الحالي، فالمشاركون في المجزرة لم يعفوا من المساءلة وحسب، بل تم ترفيعهم واحتضانهم من أنظمةٍ وجماعاتٍ لا تزال تتباكى على الضحايا. إيلي حبيقة الذي أجمعت كل الشهادات على أنه كان على رأس المليشيات التي دخلت إلى المخيمين، تحوّل، في مرحلة لاحقاً، إلى وزير في الحكومات اللبنانية، ورجل سورية الأقرب، حتى إنه كان حليفاً مقرباً لحزب الله اللبناني وغيره من القوى السياسية التي تشارك اليوم في إحياء الذكرى.
هذا السياق من الترفيع والإفلات من العقاب تمت معاينته في وقائع عربية ولبنانية أخرى. فأحداث مخيم نهر البارد في شمال لبنان، والتي راح ضحيتها مدنيون عديدون، وتم تدمير المخيم بعدها بالكامل، كانت عاملاً رئيسياً في ترفيع قائد الجيش السابق، ميشيل سليمان، ليصبح رئيساً للجمهورية، بمباركة من الدول الغربية والإقليمية. وأيضاً خلال المرحلة اللاحقة للمعارك، لم يتم التحقيق مع أي مسؤول في كل التهم التي سيقت في وسائل الإعلام اللبنانية والمنظمات الدولية حول الانتهاكات التي ارتكبت في ذلك الحين.
وإذا كانت الأحداث في نهر البارد حرباً مصغرة ترتكب فيها الجرائم، فإن أحداثاً أخرى ارتكبت في مناطق أخرى أوصلت إلى النتيجة نفسها، ولعل أبرز هذه الحالات في التاريخ الراهن مجزرة ميدان رابعة العدوية في مصر، والتي يمكن وضعها في سياق مشابه تماماً لمجزرة صبرا وشاتيلا. فالاعتداء كان على مدنيين عزّل، وأعداد القتلى إلى اليوم غير ثابتة، تماماً كما هو الحال في صبرا وشاتيلا، حيث بقيت الأعداد تقريبية وتتراوح بين 750 و 3000 قتيل، وهو الأمر نفسه في "رابعة"، حيث لا رقم نهائياً لعدد الضحايا، غير أن ما هو أهم في المجزرة هو تأسيسها للوضع اللاحق الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة الجمهورية المصرية، وكرّس مرحلة الثورات المضادة التي تنقلت من بلد عربي إلى آخر.
في سورية أيضاً، يمكن تصنيف المجزرة الكيماوية في الغوطة حدثاً مؤسّساً، ولا سيما بعد التهويل الأميركي الذي أفضى إلى لا شيء، وأعطى نظام الأسد مناعةً للاستمرار في ارتكاب المجازر من دون حسيب ولا رقيب، وبحمايةٍ من حلفائه الروس والإيرانيين، والمليشيات المتحالفة معه، وهو ما أوصل إلى الوضع السوري القائم، حيث تتحكّم روسيا بمفاصل الأمور، وسط رضوخ أميركي.
خليط من المعطيات جعل المجزرة محفورة في الذهن العربي والفلسطيني، لعل أبرزها أنها أرّخت لمرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني، بعدما أدت تداعياتها إلى خروج منظمة التحرير من بيروت إلى تونس، وتحول بيروت إلى أول عاصمة عربية محتلة في التاريخ الحديث، ولاحقاً لبنان إلى ثاني دولة عربية توقع "معاهدة سلام" مع إسرائيل في 17 مايو/أيار، وهو الاتفاق الذي ما لبث أن سقط بانتفاضة السادس من فبراير/ شباط.
التأريخ الذي تمثّله "صبرا وشاتيلا" لا يقف عند هذا الحد، بل يتعدّاه إلى ما هو أكثر خطورة، والذي تحوّل إلى سابقة، ربما تم البناء عليها في مساراتٍ تاريخيةٍ عربيةٍ مستمرة إلى الوقت الحالي، فالمشاركون في المجزرة لم يعفوا من المساءلة وحسب، بل تم ترفيعهم واحتضانهم من أنظمةٍ وجماعاتٍ لا تزال تتباكى على الضحايا. إيلي حبيقة الذي أجمعت كل الشهادات على أنه كان على رأس المليشيات التي دخلت إلى المخيمين، تحوّل، في مرحلة لاحقاً، إلى وزير في الحكومات اللبنانية، ورجل سورية الأقرب، حتى إنه كان حليفاً مقرباً لحزب الله اللبناني وغيره من القوى السياسية التي تشارك اليوم في إحياء الذكرى.
هذا السياق من الترفيع والإفلات من العقاب تمت معاينته في وقائع عربية ولبنانية أخرى. فأحداث مخيم نهر البارد في شمال لبنان، والتي راح ضحيتها مدنيون عديدون، وتم تدمير المخيم بعدها بالكامل، كانت عاملاً رئيسياً في ترفيع قائد الجيش السابق، ميشيل سليمان، ليصبح رئيساً للجمهورية، بمباركة من الدول الغربية والإقليمية. وأيضاً خلال المرحلة اللاحقة للمعارك، لم يتم التحقيق مع أي مسؤول في كل التهم التي سيقت في وسائل الإعلام اللبنانية والمنظمات الدولية حول الانتهاكات التي ارتكبت في ذلك الحين.
وإذا كانت الأحداث في نهر البارد حرباً مصغرة ترتكب فيها الجرائم، فإن أحداثاً أخرى ارتكبت في مناطق أخرى أوصلت إلى النتيجة نفسها، ولعل أبرز هذه الحالات في التاريخ الراهن مجزرة ميدان رابعة العدوية في مصر، والتي يمكن وضعها في سياق مشابه تماماً لمجزرة صبرا وشاتيلا. فالاعتداء كان على مدنيين عزّل، وأعداد القتلى إلى اليوم غير ثابتة، تماماً كما هو الحال في صبرا وشاتيلا، حيث بقيت الأعداد تقريبية وتتراوح بين 750 و 3000 قتيل، وهو الأمر نفسه في "رابعة"، حيث لا رقم نهائياً لعدد الضحايا، غير أن ما هو أهم في المجزرة هو تأسيسها للوضع اللاحق الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة الجمهورية المصرية، وكرّس مرحلة الثورات المضادة التي تنقلت من بلد عربي إلى آخر.
في سورية أيضاً، يمكن تصنيف المجزرة الكيماوية في الغوطة حدثاً مؤسّساً، ولا سيما بعد التهويل الأميركي الذي أفضى إلى لا شيء، وأعطى نظام الأسد مناعةً للاستمرار في ارتكاب المجازر من دون حسيب ولا رقيب، وبحمايةٍ من حلفائه الروس والإيرانيين، والمليشيات المتحالفة معه، وهو ما أوصل إلى الوضع السوري القائم، حيث تتحكّم روسيا بمفاصل الأمور، وسط رضوخ أميركي.