المثقف أمام عزلته ومرآته

09 ابريل 2020
(شارع محمد الخامس في الرباط فارغاً، جلال مرشدي)
+ الخط -

فجأة، عادت المجتمعات إلى تقدير الأطباء والممرّضين، فهاهم يجسّدون الموقع الذي يليق بالعلم في حياتنا. فلا يخفى بأن القدرة على مواجهة الوباء لا يمكن أن تكون بالرجوع إلى نص روائي أو بإطلاق بيان احتجاجي أو تنظيم مسيرة شعبية، وحدها اللقاحات تخلّص البشرية من عذاباتها، وفي انتظار ذلك، ها إن الأطباء يواجهون الموت يومياً، كي ينقذوا آلاف المصابين بفيروس تخطى انتشاره جميع التوقعات.

حين استشاطت الصين غضباً من توصيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب لكورونا بـ"الفيروس الصيني"، وهو التوصيف التي رأت فيه إساءة عنصرية تجاهها، لم تتفرّغ للتحليل وتفكيك "المؤامرة"، بل انهمكت في إحاطة مدينة ووهان، بؤرة انتشار الفيروس، بالعناية اللازمة وتحريرها من المرض بالتكنولوجيا والعلم.

وقتها، كان العالم العربي - وحتى الغربي - يتحدّث عن قمع الحريات ونزعة الانتظام والامتثال لدى الشعوب الآسيوية أو تتذكر نُخبُنا رواية ألبير كامو، ومسخ كافكا، ونعيد البحث على إحدى حلقات كارتون سامبسون، ضمن طرق كثيرة تستعمل لإيهام النفس بأن ما يحدث عابر أو أنه مجرّد كذبة سيتم الكشف عنها قريباً.

مع توالي الأرقام، بين مصابين وموتى، ومع تأزم الوضع تدريجياً، وجدنا أنفسنا ملزمين بعدم الخروج لوقف انتشار الفيروس. راج شعار "خليك بالبيت" وأصبح أقرب إلى لازمة ترد في كل حديث. هنا، ظهر الكثير من المثقفين والفنانين واثقين في قدراتهم الموجّهة لمعجبيهم. تنوّعت صيغ التوعية بالمرض بين بثّ النداءات وتوظيف وسائط التواصل الاجتماعي.

خرجت بيانات لأدباء وكتّاب مغاربة، وأطلقت النقابات المهنية الفنية نداءات إرشادية، وانتشرت دعوات للقراءة ومحبة الكتاب والكتابة، وفي الأثناء مرّ "اليوم العالمي للشعر" وبعده "يوم المسرح" بدون صدى. وفي خضم المتاهة والانتظار المرير اكتشف المثقفون عزلتهم. أي أهمية لمن ظهروا في زحمة هذا المسار الفجائعي؟ أي معنى لـ"نجوم" يتحرّكون بين تسجيلات صوتية وفيديوهات ونصائح و"حقائق" و"استباقات"، كثيرون منهم أصبحت كورونا ذريعتهم للتواصل.

في طابور آخر، يتفكّه البعض فيُسهبون وآخرون يبحثون عن غنائم من وراء هذه اللحظة القاسية. إنه السلوك المجتمعي في تعدّده، مرة يتجلى بانسحاب شامل ومرة في صيغ مستحدثة من التضامن. وفي النهاية، فإن مبادرات إيجابية هنا تغطّي على انحرافات سلوكية هناك. وبين هذا وذاك، وككل مرة، لا نعرف كيف يختار المثقف موقعه. وسط هذا الضجيج، تبقى الحقيقة نفسها: العلم هو "مخلص ومنقذ البشرية"، هو الرهان اليوم ولا أمل غيره. هو اللاعب المحوري الذي يستطيع إنهاء هذا المسلسل من الرعب المتواصل.

"خليك بالبيت"، أقرب الى نوتة موسيقية، تتلاءم وطبيعة المثقف، في مديح العزلة، والتي طالما أفضت به إلى استكمال "مشاريعه" الإبداعية والمعرفية. في الأفق ربما "لقاح" البشرية من أعطابها الروحية والفكرية، فمع العزلة يمكن أن نعود إلى قضايا التعليم والتربية و"تخلفنا الاقتصادي والسياسي"...

المساهمون