21 يوليو 2015
المتقاعد مواطن من بلد أجنبي
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
سمعنا أن صناديق التقاعد في المغرب تمر في أزمة، وأن الإفلاس على الأبواب، وأن الانتقاص من المعاشات وارد. بل قد يصل الأمر، في المستقبل المنظور، إلى العجز الكامل عن صرفها. كل هذا سمعناه أخيراً، وليس له غير معنى واحد، مفاده بأن "يا معشر المتقاعدين إنكم عبء كبير على الميزانية، إن لم يكن على الدولة".
تكون الحقائق، أحياناً، أشد إيلاماً من الجَلْد، حينما يتم السكوت كلياً عن الجهات التي عاثت فساداً في الصناديق التقاعدية، حتى أوردتها كل هذه المهالك. يُجلد المتقاعدون، لأنهم شاركوا في الفساد الكبير، كونهم ضحاياه. الدولة، بدورها، عوضت عن سنوات الرصاص، حتى بعض الذي كانت تطلقه. فيما كان عليها، في ما يخص المتقاعدين، أن تعترف لهم بدورهم. وكان عليها أن تَعقد لهم، على الأقل، جلسات إنصاف ومصالحة، يستمعون فيها إلى اعترافات الأحياء من المتلاعبين الكبار، وبعدها تكون لهم الخِيْرةُ في أمرهم، فهم شاركوا في الإفساد، كضحايا، فكيف لا يشاركون في الإصلاح كمستفيدين؟
بدل هذا "الوئام المدني" المتحضّر، يشنّ رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حرباً نفسية على شريحة من المواطنين لا ذنب لهم سوى ما يكون للضحية من ذنب، ولا ذنب لهم سوى العمر الذي تقدم بهم من دون أن يعفيهم لا من الضريبة على الدخل ولا من الضريبة على الدم، ما دامت مسؤولياتهم، في ظل بطالة الشباب الحالية، لا تتقاعد أبداً. إذا كانت الحكومات السابقة قد نأت بنفسها عن ملف إصلاح أنظمة التقاعد، فليس لعدم شجاعتها، بل لخجلها من المتقاعدين، وكراهيتها جَلْدهم بجريرة غيرهم. أما وقد حلّ زمن الرئيس النِّحرير، الفعال لما يريد، فلماذا لا يكون المتقاعدون كالصحافيين، مثلاً، ويتحولون إلى مشوشين على الحكومة بمطالبهم؟
لم تكن كريماً، يا سيدي، وأنت تفتح على المتقاعدين أبواب الريبة والتوجّس. ولم تكن كريماً وأنت تستثنيهم، سابقاً، من زيادة مرتبطة بغلاء المعيشة. ولم تكن كريماً، وأنت تتراجع عن زيادة مستحقة ضريبياً، وقد مضى عام على الشروع في صرفها. إذ بدا للرئيس أن "يُمطط" حديث التهديد، بعدما حسم الخبراء في الأمر، وسطّروا الحلول الرياضية، لأن السياسة لا تحب نقاط النهاية أبداً. ربما لم تظهر لرئيس الحكومة كل الأرقام الصحيحة والمصححة، وكل التواريخ، باستثناء الرقم الصعب الذي تعنيه الانتخابات.
أقبلت النقابات على الإصلاح، بداية، ثم أدبرت، لأنها بدورها، لا ترى غير الأرقام الصعبة، ولا يحركها غير بنزين الاستحقاقات، بدل أن يكون المتقاعدون طرفاً في ملف قضائي يُخرج التماسيح الحية من بِركها، نجدهم يتحولون إلى ملف سياسي تتنازعه الأحزاب. ولنمارس بدورنا تسييس ملفنا فنقول: لا نقبل بإصلاحٍ في ولايتك، أيها الرئيس، لأن سوابقك تؤكد أنك لن تكون في صف الضعفاء أبداً. ستفتح أبواب جهنم جديدة على المتقاعدين، وهم مكتوفو الأيدي. فهل نُضرِب عن التقاعد، حتى نرغمكم على الاستماع إلينا؟ حتى النقابات قطعت علاقتها بنا، لأننا خارج ملعبها النشيط. فنحن لا نقبل أن نقف بين الفِيَلَة وهي تتصارع، لينتهي بنا الأمر عظاماً مطحونة بين سياسيين لا يطيقون بعضهم، ولا يتقاعدون أبداً. لنا أكثر من مبرر لنرفع أمر إصلاح أنظمة التقاعد إلى واسع النظر الملكي، بعيداً عن تدافعكم.
الإصلاح المرتقب غير موجّه فقط إلى المتقاعدين، ومن هنا، ضرورة ارتقائه إلى مستوى المدرسة التي تربي الموظفين الممارسين على الإبداع المهني، والعطاء الدائم، المؤسسين على الثقة في رشد الحكومة، والاطمئنان على الغد، حينما تداهم الشيخوخة ويضعف البدن، ويضيق الفؤاد عن سماع رئيس حكومة، شبيهٍ بالحالي، وهو يجلد المتقاعدين لأنهم سكتوا عن تسييس ملفهم، ووقفوا يتفرجون على الفيلة وهي تشحذ أنيابها. لسنا من بلد أجنبي، حتى نُقصى من تشريعات الوظيفة العمومية، حالاً ومآلاً. لقد ألزمتمونا بالتنازل عن الصفات التي تقاعدنا على أساسها، خلافاً للمعمول به في باقي الدول، فلا تنالوا من عزة نفوسنا، وأنتم تتأففون منّا بكرة وأصيلا. ولا نسألكم رفاهاً وترفاً، ربما تعوزنا حتى الكلمة الطيبة التي لا تكلّف شيئاً.
تكون الحقائق، أحياناً، أشد إيلاماً من الجَلْد، حينما يتم السكوت كلياً عن الجهات التي عاثت فساداً في الصناديق التقاعدية، حتى أوردتها كل هذه المهالك. يُجلد المتقاعدون، لأنهم شاركوا في الفساد الكبير، كونهم ضحاياه. الدولة، بدورها، عوضت عن سنوات الرصاص، حتى بعض الذي كانت تطلقه. فيما كان عليها، في ما يخص المتقاعدين، أن تعترف لهم بدورهم. وكان عليها أن تَعقد لهم، على الأقل، جلسات إنصاف ومصالحة، يستمعون فيها إلى اعترافات الأحياء من المتلاعبين الكبار، وبعدها تكون لهم الخِيْرةُ في أمرهم، فهم شاركوا في الإفساد، كضحايا، فكيف لا يشاركون في الإصلاح كمستفيدين؟
بدل هذا "الوئام المدني" المتحضّر، يشنّ رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حرباً نفسية على شريحة من المواطنين لا ذنب لهم سوى ما يكون للضحية من ذنب، ولا ذنب لهم سوى العمر الذي تقدم بهم من دون أن يعفيهم لا من الضريبة على الدخل ولا من الضريبة على الدم، ما دامت مسؤولياتهم، في ظل بطالة الشباب الحالية، لا تتقاعد أبداً. إذا كانت الحكومات السابقة قد نأت بنفسها عن ملف إصلاح أنظمة التقاعد، فليس لعدم شجاعتها، بل لخجلها من المتقاعدين، وكراهيتها جَلْدهم بجريرة غيرهم. أما وقد حلّ زمن الرئيس النِّحرير، الفعال لما يريد، فلماذا لا يكون المتقاعدون كالصحافيين، مثلاً، ويتحولون إلى مشوشين على الحكومة بمطالبهم؟
لم تكن كريماً، يا سيدي، وأنت تفتح على المتقاعدين أبواب الريبة والتوجّس. ولم تكن كريماً وأنت تستثنيهم، سابقاً، من زيادة مرتبطة بغلاء المعيشة. ولم تكن كريماً، وأنت تتراجع عن زيادة مستحقة ضريبياً، وقد مضى عام على الشروع في صرفها. إذ بدا للرئيس أن "يُمطط" حديث التهديد، بعدما حسم الخبراء في الأمر، وسطّروا الحلول الرياضية، لأن السياسة لا تحب نقاط النهاية أبداً. ربما لم تظهر لرئيس الحكومة كل الأرقام الصحيحة والمصححة، وكل التواريخ، باستثناء الرقم الصعب الذي تعنيه الانتخابات.
أقبلت النقابات على الإصلاح، بداية، ثم أدبرت، لأنها بدورها، لا ترى غير الأرقام الصعبة، ولا يحركها غير بنزين الاستحقاقات، بدل أن يكون المتقاعدون طرفاً في ملف قضائي يُخرج التماسيح الحية من بِركها، نجدهم يتحولون إلى ملف سياسي تتنازعه الأحزاب. ولنمارس بدورنا تسييس ملفنا فنقول: لا نقبل بإصلاحٍ في ولايتك، أيها الرئيس، لأن سوابقك تؤكد أنك لن تكون في صف الضعفاء أبداً. ستفتح أبواب جهنم جديدة على المتقاعدين، وهم مكتوفو الأيدي. فهل نُضرِب عن التقاعد، حتى نرغمكم على الاستماع إلينا؟ حتى النقابات قطعت علاقتها بنا، لأننا خارج ملعبها النشيط. فنحن لا نقبل أن نقف بين الفِيَلَة وهي تتصارع، لينتهي بنا الأمر عظاماً مطحونة بين سياسيين لا يطيقون بعضهم، ولا يتقاعدون أبداً. لنا أكثر من مبرر لنرفع أمر إصلاح أنظمة التقاعد إلى واسع النظر الملكي، بعيداً عن تدافعكم.
الإصلاح المرتقب غير موجّه فقط إلى المتقاعدين، ومن هنا، ضرورة ارتقائه إلى مستوى المدرسة التي تربي الموظفين الممارسين على الإبداع المهني، والعطاء الدائم، المؤسسين على الثقة في رشد الحكومة، والاطمئنان على الغد، حينما تداهم الشيخوخة ويضعف البدن، ويضيق الفؤاد عن سماع رئيس حكومة، شبيهٍ بالحالي، وهو يجلد المتقاعدين لأنهم سكتوا عن تسييس ملفهم، ووقفوا يتفرجون على الفيلة وهي تشحذ أنيابها. لسنا من بلد أجنبي، حتى نُقصى من تشريعات الوظيفة العمومية، حالاً ومآلاً. لقد ألزمتمونا بالتنازل عن الصفات التي تقاعدنا على أساسها، خلافاً للمعمول به في باقي الدول، فلا تنالوا من عزة نفوسنا، وأنتم تتأففون منّا بكرة وأصيلا. ولا نسألكم رفاهاً وترفاً، ربما تعوزنا حتى الكلمة الطيبة التي لا تكلّف شيئاً.
دلالات
مقالات أخرى
19 يونيو 2015
12 يونيو 2015
06 يونيو 2015