مع قرب اكتمال تحرير أغلب المناطق العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، تنتفي حاجة القوات العراقية للمتعاونين معها من الأهالي، والذين استعانت بهم خلال عمليات التحرير في الموصل والحويجة والأنبار، وقدموا لها الدعم والمعلومات بشأن التنظيم وتحركاته وتواجده، من خلال توفير معلومات سرية، كان لها الدور الكبير في عمليات تحرير تلك المناطق، وما تلاها من تتبُع لخيوط التنظيم في تلك المناطق. ويؤكد المتعاونون أنّهم تحرّكوا مع القوات العراقية بدافع ذاتي في بداية الأمر، وحرصاً على تحرير مناطقهم والتخلص من "داعش"، بينما حصلوا على ضمانات من قبل القوات العراقية بتوفير الحماية لهم وتقديم الدعم المادي والمعنوي، فضلاً عن الوعود التي حصلوا عليها لضمّهم إلى الأجهزة الأمنية، بينما يواجهون اليوم أمراً مختلفاً، بعدما تنكرت لهم القوات، لتتركهم يواجهون مصيراً مجهولاً.
وقال ضابط في قيادة العمليات المشتركة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيادة العمليات المشتركة، وقبل إطلاق عملية تحرير الموصل، كانت توزع منشورات على الأهالي تلقى عبر الطائرات، تناشدهم التعاون مع القوات العراقية. وحددت أرقام هواتف يتصلون بها، لينقلوا المعلومات عن مواقع وتحركات التنظيم". وأوضح أنّ "قيادة العمليات كانت تتلقى اتصالات كثيرة من قبل الأهالي، وقد تم الاتفاق مع أعداد كبيرة منهم على التعاون معها، وتمّ تنظيم شبكات كبيرة في أغلب مناطق الموصل وتلعفر والحويجة وغرب الأنبار"، مبيناً أنّ "هذه الشبكات كانت توفر معلومات مهمة جداً للقوات العراقية، وعلى ضوئها تم كشف الأنفاق التي يتحرّك فيها عناصر داعش، والمنازل التي يستخدمونها داخل الأحياء السكنية، وخططهم وتحركاتهم والطرق التي كانوا يسلكونها وتغيير الوقت في التحركات، وما إلى ذلك من معلومات عسكرية ذات فائدة كبيرة". وأضاف إن "تلك المعلومات كانت تحلل عسكرياً في غرفة عمليات خاصة، وتتحرّك الطائرات والقطعات العسكرية على ضوئها. كما أنّ بعض تلك المعلومات تمّ إيصالها الى التحالف الدولي لتنفيذ الضربات التي تحتاج إلى قدرات جوية أكبر من قدرات الطيران العراقي".
وأوضح الضابط أن "قيادة العمليات كانت مهتمة جداً بهؤلاء المتعاونين، ودرست معلوماتهم، ومن منهم كان يأتي بمعلومات مفيدة أكثر من غيره، لذا قلّصت أعدادهم، ونظّمت المتبقين منهم ممن استطاعوا توفير معلومات مهمة جداً"، مبيناً أنّ "القوات كانت تزود المتعاونين بخطوط اتصال ورصيد لهواتفهم يرسل لهم بشكل مستمر حتى يتواصلوا معنا، وهم كانوا يعيشون حياتهم الطبيعية، ويتنقلون ويرصدون كل تحركات التنظيم". وأشار إلى أنّ "القوات المشتركة نظمت قوائم بأسماء هؤلاء المتعاونين، وصرفت لهم مكافآت مالية ووعدتهم بتعيينات وتنسيب في أجهزة الشرطة المحلية في مناطقهم"، مبيناً أنّ "القيادة وعدتهم بالحفاظ على سرية عملهم مع القوات العراقية".
ويشكو المتعاونون مع القوات العراقية من مصير مجهول بعد أن تعاونوا مع القوات، مؤكدين أنّ بوادر الإهمال بدت واضحة إزاءهم مع قرب انتهاء مهامهم. وقال أحد المتعاونين، الذي رمز لنفسه باسم "أبو ليلى"، لـ"العربي الجديد"، "بدأنا بالتعاون مع القوات العراقية بدافع ذاتي، ورغبة منا بتحرير مناطقنا من سلطة داعش الذي فتك بنا"، مبيناً أنّ "التعاون مع القوات العراقية أخذ أبعاداً عسكرية، وقد قامت القوات العراقية بتكليفنا بواجبات نقوم بها خارج مناطق تواجدنا، ونتحرك عبر أقاربنا ومعارفنا في المناطق الأخرى لجمع المعلومات عن التنظيم. وبالفعل قمنا بتلك الواجبات على أتم وجه". وأضاف "كان المسؤولون المباشرون يلتقون بكل منا على حدة بين فترة وأخرى، وقد صرفوا لنا مكافآت مالية، وكانت هذه المكافآت تصلنا بشكل شهري، وبعض الأحيان نحصل على عدة مكافآت في الشهر الواحد"، موضحاً أنّه "بعد انتهاء عمليات تحرير الموصل، استمررنا بالتعاون بالكشف عن خيوط التنظيم والمرتبطين به، وزودنا القوات قوائم بأسماء كل متعاون مع داعش، وكان ذلك أيضاً حرصاً منا على تطهير مناطقنا من فكر التنظيم ومن المتعاونين معه". وأكد "أبو ليلى" أن "القوات استطاعت كشف خيوط التنظيم والمرتبطين به في المناطق، بناءً على المعلومات التي زودناها بها"، مستدركاً بالقول "لكن للأسف اليوم، وبعد أن حررت مناطقنا وتم تطهيرها من التنظيم والمرتبطين معه، تنكّرت لنا قيادة العمليات المشتركة، وتخلّت عن كل وعودها لنا، وأوقفت المكافآت التي كانت تصرفها لنا. كما أنّها لم تنفذ وعودها بضمنا إلى قوات الشرطة المحلية في مناطقنا". وعبر عن خشيته "من أن يتم تسريب أسمائنا من قبل قيادة العمليات، وما سيكون لذلك من تأثير سلبي خطير علينا، كوننا أبلغنا عن المتعاونين مع التنظيم وتم اعتقالهم، ما يعني أنّ عشائرهم ستتحرّك ضدّنا، وسنواجه مصيراً مجهولاً وخطيراً".
ويؤكد مختصون أمنيون أنّ القوات العراقية بحاجة لتطوير هذه الحلقة المهمة، والتي من الممكن أن تكون نواة استخبارية تستفيد منها. وقال الخبير الأمني، حامد العزي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوات العراقية بحاجة إلى استثمار هذه الحلقة من خلال ضم المتعاونين إلى الأجهزة الأمنية، ليشكلوا من خلالهم شعباً استخبارية متعاونة مع القوات، وخصوصاً أنّ هؤلاء أثبتوا نجاحاً في عملهم وحققوا الكثير، باعتراف القوات الأمنية". وأكد أنّ "تطوير الشعب الاستخبارية داخل الأجهزة الأمنية يعد من أساسيات العمل الأمني، ولها دور أهم بكثير من دور المواجهة العسكرية في الحد من التنظيمات الإرهابية".