المتاجر العربيّة في فرنسا تحتضر

22 يوليو 2015
كان لتلك الحوانيت عزّها (العربي الجديد)
+ الخط -

في إحدى الحملات الانتخابية وبهدف مغازلة اليمين المتطرّف الفرنسي، تحدّث الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بسلبية وانفعال، عن المهاجرين (عرب وأفارقة) الذين "يتناسلون بكثرة والذين يحصلون نتيجة ذلك على كثير من المساعدات الاجتماعية". وتابع: "إذا أضيفت إلى ذلك روائحهم، فإن الأمر لا يطاق". وفي مواجهة الانتقادات الواسعة التي طاولته، لم يجد شيراك سوى التأكيد على أنه ليس عنصرياً، وأنه يعشق الذهاب في أيام الآحاد للتبضع عند "عرب الزوايا"، الذين يعتبرهم "أناساً رائعين".

حدث ذلك في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الأمور تغيّرت. السبعينيات والثمانينيات كانت تُعدّ العصر الذهبي لتلك الحوانيت الصغيرة التي فتحها المغاربة ومن ثم التونسيون. وتتميّز هذه المتاجر الصغيرة التي كان يطلق عليها "متاجر القُرب"، إذ تفتح أبوابها باكراً في الصباح حتى وقت متأخر من الليل، وكذلك في أيام الآحاد والعطل.
مُحمّاد من جنوب المغرب، يملك متجراً في الدائرة الثالثة عشرة لباريس. يقول إنها كانت "فرصة للفرنسيين الذين يعدّون يوم الأحد يوم الربّ، ولا يشتغلون فيه أو لهؤلاء العمال الذين يحاولون الاستفادة من استراحة نهاية الأسبوع، لابتياع ما فاتهم شراؤه من قبل أو حاجياتهم الطارئة". يضيف: "لكن المجد الذي عرفته تلك المتاجر انتهى. وفي أواخر الثمانينيات بدأنا نلاحظ سوبر ماركات صغيرة تزاحمنا. والمؤلم أنها تخفّض كثيراً أسعارها، بالإضافة إلى أنها بدأت تغلق أبوابها في وقت متأخر من الليل، بالتالي بدأت تخطف أيضاً زبائن الليل منا".

ويتابع أنه "سُمح لها كذلك بفتح أبوابها أيام الآحاد. وقد انتهى الأمر أخيراً بسوبر ماركات ضخمة في الضواحي، فتحت لها فروعاً صغيرة في قلب المدينة فحرقت الأسعار. هكذا حُرمنا من زبائن آخرين، كنا نتصور أنهم أوفياء لنا".
وبالرغم من الظروف التي أصبحت صعبة، إلا أن محمّاد لا يشعر بالمرارة. ويلفت إلى أن عددا كبيرا من أصحاب هذه المتاجر لا يعرفون أن الزمن تغيّر وأن بإمكانهم تغيير مهنهم، بالتالي "إما التأقلم أو الموت". ولا ينسى الإشارة إلى تغيّر الذهنيات، إذ "في البداية كانت هذه المتاجر العربية تدار عائلياً، ويتوارثها الأبناء عن الآباء. لكن الجيل الجديد لا يرغب في المضيّ بذلك". ويسأل: "هل تتخيّل أن يقبل الشباب اليوم بالعمل 12 ساعة أو أكثر يومياً، في مقابل مردود مالي بائس؟".

الجيل الأول من المهاجرين، لم يفكروا إلا في ادخار الأموال وإرسالها إلى الوطن. أما جيل اليوم، فلا تربطه العلاقة ذاتها بالوطن. وطنه هو فرنسا وكذلك لغته. من جهة أخرى، كثيرون من أبناء هذا الجيل تابعوا دراساتهم وحصلوا على شهادات عليا، بالتالي يرغبون بوظائف عليا أيضاً وبقضاء عطلهم في السفر والمغامرة، بدلاً من قضاء جزء كبير من النهار وقسم من الليل في انتظار من تقطّعت به السبل.

من جهة أخرى، قليلون فقط شعروا باقتراب الأزمة وقرروا تغيير مهنتهم وباعوا متاجرهم، أما الأكثرية فهي تكابد وتحتضر في صمت. متجر محمّاد على سبيل المثال محاط بأكثر من ست سوبر ماركات، بالإضافة إلى سوق شعبي للخضار والفواكه يفتح أبوابه يومَي الخميس والأحد. بالتالي، ما الذي يستطيع بيعه، علماً أن الزبائن يبحثون عن الأسعار المتدنية ومحمّاد غير قادر على المنافسة.

على مدى ساعات، لم يدخل متجره إلا ستة زبائن لم يشتروا إلا المياه المعدنية، فيقول: "هذه حال متاجرنا. أكثر ما أبيعه هو المشروبات الروحية. هنا لا يحتاج الزبون للوقوف في طابور، وكل شيء آخر متوفّر في السوبر ماركت بثمن أرخص". يضيف: "في السابق كنا نبيع المعلبات مثلاً، أما اليوم ومع كثرة مطاعم الشاورما التركية والكردية، لم نعد نبيع شيئاً". ويبتسم لافتاً: "تصوّر أن حتى المواد الغذائية التي أستوردها من المغرب، أصبح الزبائن قادرين على شرائها من السوبر ماركت وبثمن مناسب".

ويبقى أن هذه المتاجر العربية، لم تعد "تتصيّد" إلا الزبائن الذين لا يجدون سواها مفتوحة في آخر الليل، أو الذين يريدون مواصلة السهر وتناول المشروبات الروحية. كذلك، اتجه عدد كبير منها إلى بيع السجائر، حتى ولو أنها بذلك تخالف القانون الذي لا يجيز لها ذلك.

اقرأ أيضاً: سوق "بورت دو مُونتْروي" لفقراء فرنسا