لم تشهد الساحة الليبية منذ فترة طويلة، حراكاً كالذي تشهده هذه الأيام، من كل الفصائل المتناحرة وفي كل الاتجاهات، لكنها كلها لا تطال اللواء خليفة حفتر على ما يبدو. وتقود هذه التحركات إلى استنتاج بأن قواعد اللعبة تتغير في الملف الليبي. ويبدو أن أول أسباب هذه التحركات الجديدة والمتواترة، قناعة لدى أطراف الصراع، ومن يقف وراءها، بأن الحالة الليبية وصلت إلى طريق مسدود، بعد فشل أي طرف بالصراع في فرض سيطرته الواضحة على البقية، وسقوط الخيار العسكري بسبب تكافؤ القوة، وتراجع أهم ما كان يعطّل في الظاهر أي تفاهم سياسي، تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإخراجه من سرت وبداية انتشاره في مناطق أخرى، بالإضافة إلى ما يحمله من مخاطر على دول الجوار. يضاف إلى كل هذه الأسباب، العامل الرئيسي الذي جعل ليبيا فضاء للمزايدات والرهانات الدولية والإقليمية، وأرضية سانحة للتناحر والأطماع الداخلية والخارجية، ثرواتها الكبيرة والمتكدسة، والتي تبيّن أن الكل خاسر من عدم الاستفادة منها بسبب عدم استقرار الأوضاع.
ويذهب متفائلون كثيرون إلى الاعتقاد بأن قوى دولية ترى أنه حان الوقت لوضع حد للأزمة الليبية بعد سنوات من الصراع، أُنهك فيها الجميع واقتنعوا أخيراً بجدوى الجلوس على طاولة حوار واحدة، فيما يتشاءم آخرون بتصوّر أن ما يُحضّر في شمال أفريقيا مرتبط بتبعات تطورات الأحداث في سورية والعراق، وأن السيناريو المقبل قد يكون هدفه إرباك المنطقة الهادئة نسبياً.
وتدل التحركات الحاصلة بين تونس والجزائر والقاهرة، على أن جدراناً قد سقطت، بعد أن انفتحت تونس على الشرق الليبي، ومصر على غربها، إثر زيارة رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، إلى تونس، وتوجّه وفد طرابلسي من المجلس الأعلى للدولة إلى القاهرة. وأصدر المجلس بياناً أكد فيه أن زيارة وفده إلى القاهرة كانت بناءً على دعوة رسمية من وزارة الخارجية المصرية، وكانت "تهدف للتواصل مع الأشقاء في مصر وتبادل وجهات النظر". وأكد الوفد الليبي "انفتاح المجلس الأعلى للدولة على الجميع في سبيل إنقاذ البلاد ورفع المعاناة عن الليبيين"، مثمناً "الجهود المبذولة من الدولة الصديقة والشقيقة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر". وأشار إلى أن "الاتفاق السياسي هو الحل العملي المتاح للخروج من الأزمة الليبية، وله من الآليات التي تمكّن من معالجة أي انسداد باتفاق الطرفين الأساسيين، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة".
وتأتي هذه الزيارة في موازاة زيارة رئيس المجلس، عبد الرحمان السويحلي، إلى الجزائر، وزيارة عقيلة صالح إلى تونس، ولقائه كوبلر ثم زيارته إلى الجزائر أيضاً. إضافة إلى زيارة قائد القوات الموالية لبرلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر للجزائر، وانعقاد جلسة تشاورية للجامعة العربية حول ليبيا، وأخرى أفريقية حول الملف نفسه، وانعقاد اجتماع لم يُعلن عنه في الجزائر بين مسؤولي البلد ودولة عربية فاعلة في الملف الليبي.
اقــرأ أيضاً
وعلى ذكر اجتماع القاهرة، دعا المبعوث العربي إلى ليبيا، صلاح الدين الجمالي، الثلاثاء الماضي، الدول العربية إلى مراجعة مواقفها بشأن ليبيا بناء على المعطيات الحالية، مشيراً إلى أنه غير مطمئن للمرحلة الراهنة. وأكد الجمالي أن لقاءه بعدد من الأطراف الليبية أثبت "عدم توفر مناخ ثقة بخصوص المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، خصوصاً في الشرق الليبي".
بينما أبدى كوبلر تأييده للمبادرة التونسية الجزائرية المصرية، وكذلك حكومة عبدالله الثني في طبرق، فضلاً عن عقيلة صالح. غير أن أسئلة مهمة تبقى مطروحة في خصوص هذه المبادرة، فحكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج لم تعلن إلى حد الآن عن موقف رسمي منها، وكذلك أطراف ليبية أخرى، خصوصاً في غرب البلاد. ولكن مصادر حزبية تونسية ساهمت من خلال لقاءات متعددة مع أطراف ليبية لتمهيد الطريق أمام المبادرة التونسية الجزائرية، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن العديد من القوى الإسلامية ورموز العقيد الراحل معمر القذافي يؤيدون هذا المسار، وأن العقدة الوحيدة المتبقية تتمثل في خليفة حفتر، الذي يريد ضمانات حقيقية عن دوره في المستقبل السياسي الليبي. غير أن مسألة حفتر لا تُطرح من زاوية شخصية فقط، بناء على طموحاته وتصوراته لمستقبله السياسي، وإنما تمر أيضاً عبر سياقات إقليمية ودولية، يظل حفتر إحدى أوراقها الهامة في ليبيا.
وتشير المصادر التونسية لـ"العربي الجديد"، إلى تزايد الحضور الروسي في الملف الليبي، على الرغم من أنه يبقى متأخراً بأشواط عن بقية الأدوار الغربية، وتعاظم الدور الفرنسي في الآونة الاخيرة، مرجحة حصول تغيرات كبيرة على هذا الدور مع صعود المرشح الرئاسي الفرنسي فرانسوا فيون، الذي كان حاضراً بقوة في ليبيا في 2011، وله وجهة نظر دقيقة بخصوص ملفات جنوب المتوسط، مرجحة أن ينتظر الملف الليبي ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الفرنسية من نتائج.
وتقول هذه المصادر إن معيار نجاح هذه المبادرة سيتحدد بانعقاد القمة الرئاسية الثلاثية بين تونس والجزائر ومصر، فإذا كُتب لها أن تلتئم بالفعل، ستكون مؤشراً حقيقياً على وجود رغبة إقليمية ودولية حقيقية في تغيير المشهد الليبي، وستعكس أيضاً موافقة جميع فصائل الداخل الليبي على هذه المبادرة، بمن فيهم حفتر. وعكست مكالمة هاتفية جمعت، الثلاثاء، وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، بنظيره في حكومة الوفاق الليبية محمد الطاهر سيالة، بعض التفاصيل الهامة في مسار المبادرة، إذ أشارت الخارجية التونسية إلى "المساعي التي تبذلها تونس، خصوصاً في إطار دول الجوار الليبي، لدعم حكومة الوفاق الوطني ودفع مسار التسوية السياسية ومساعدة الأشقاء الليبيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية على انتهاج الحوار والتفاوض لإنهاء خلافاتهم، والتوصل إلى حل سياسي توافقي يمكّن من إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الشقيق، بما يضمن أمنه ووحدته الترابية ويفسح المجال لإعادة الإعمار".
ويدل بيان الخارجية على أن تونس تستخدم مصطلحات دقيقة للغاية في الحديث عن الملف الليبي، مثل دول الجوار ودعم حكومة الوفاق وغيرها. تجدر الإشارة أيضا إلى أن سيالة هو أحد الذين يتبنّون مشاركة حفتر في المشهد الليبي الجديد، فقد أشار منذ حوالي أسبوعين إلى أن "الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر بإمكانه تكوين نواة جيش ليبي موحد عبر مزيد من الحوار والمصالحة الوطنية". كذلك لاقت المبادرة دعماً من البرلمان العربي، إذ أكد مكتبه في بيان بعد ختام أعماله أمس الخميس، دعمه للجهود والوساطات التي تقوم بها مصر والجزائر وتونس، من أجل الدفع بمسار الحوار الليبي - الليبي قُدماً إلى الأمام لتسوية الأزمة الليبية بما يضمن الحفاظ على الدولة الليبية ووحدتها وسلامة أراضيها.
وإذا كانت المبادرة في مجملها تهدف أولاً إلى جمع الفرقاء بمختلف انتماءاتهم، فسيكون عليها أيضاً أن تجيب على أسئلة تفصيلية هامة، ربما يُترك لليبيين البت فيها، تتعلق بدور حكومة الوفاق، والمجلس الرئاسي، وتعديل الاتفاق السياسي، وتقاسم السلطة بين أهم مكونات المشهد الليبي، وتوحيد المؤسسات الوطنية الاقتصادية والإدارية، ودور المليشيات، وجمع السلاح، والمصالحة الوطنية، وحسم ملفات رموز القذافي في السجون الليبية وخارج ليبيا، وغيرها من الملفات التي تراكمت في ليبيا على امتداد هذه السنوات.
وتدل التحركات الحاصلة بين تونس والجزائر والقاهرة، على أن جدراناً قد سقطت، بعد أن انفتحت تونس على الشرق الليبي، ومصر على غربها، إثر زيارة رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، إلى تونس، وتوجّه وفد طرابلسي من المجلس الأعلى للدولة إلى القاهرة. وأصدر المجلس بياناً أكد فيه أن زيارة وفده إلى القاهرة كانت بناءً على دعوة رسمية من وزارة الخارجية المصرية، وكانت "تهدف للتواصل مع الأشقاء في مصر وتبادل وجهات النظر". وأكد الوفد الليبي "انفتاح المجلس الأعلى للدولة على الجميع في سبيل إنقاذ البلاد ورفع المعاناة عن الليبيين"، مثمناً "الجهود المبذولة من الدولة الصديقة والشقيقة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر". وأشار إلى أن "الاتفاق السياسي هو الحل العملي المتاح للخروج من الأزمة الليبية، وله من الآليات التي تمكّن من معالجة أي انسداد باتفاق الطرفين الأساسيين، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة".
وتأتي هذه الزيارة في موازاة زيارة رئيس المجلس، عبد الرحمان السويحلي، إلى الجزائر، وزيارة عقيلة صالح إلى تونس، ولقائه كوبلر ثم زيارته إلى الجزائر أيضاً. إضافة إلى زيارة قائد القوات الموالية لبرلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر للجزائر، وانعقاد جلسة تشاورية للجامعة العربية حول ليبيا، وأخرى أفريقية حول الملف نفسه، وانعقاد اجتماع لم يُعلن عنه في الجزائر بين مسؤولي البلد ودولة عربية فاعلة في الملف الليبي.
وعلى ذكر اجتماع القاهرة، دعا المبعوث العربي إلى ليبيا، صلاح الدين الجمالي، الثلاثاء الماضي، الدول العربية إلى مراجعة مواقفها بشأن ليبيا بناء على المعطيات الحالية، مشيراً إلى أنه غير مطمئن للمرحلة الراهنة. وأكد الجمالي أن لقاءه بعدد من الأطراف الليبية أثبت "عدم توفر مناخ ثقة بخصوص المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، خصوصاً في الشرق الليبي".
بينما أبدى كوبلر تأييده للمبادرة التونسية الجزائرية المصرية، وكذلك حكومة عبدالله الثني في طبرق، فضلاً عن عقيلة صالح. غير أن أسئلة مهمة تبقى مطروحة في خصوص هذه المبادرة، فحكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج لم تعلن إلى حد الآن عن موقف رسمي منها، وكذلك أطراف ليبية أخرى، خصوصاً في غرب البلاد. ولكن مصادر حزبية تونسية ساهمت من خلال لقاءات متعددة مع أطراف ليبية لتمهيد الطريق أمام المبادرة التونسية الجزائرية، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن العديد من القوى الإسلامية ورموز العقيد الراحل معمر القذافي يؤيدون هذا المسار، وأن العقدة الوحيدة المتبقية تتمثل في خليفة حفتر، الذي يريد ضمانات حقيقية عن دوره في المستقبل السياسي الليبي. غير أن مسألة حفتر لا تُطرح من زاوية شخصية فقط، بناء على طموحاته وتصوراته لمستقبله السياسي، وإنما تمر أيضاً عبر سياقات إقليمية ودولية، يظل حفتر إحدى أوراقها الهامة في ليبيا.
وتشير المصادر التونسية لـ"العربي الجديد"، إلى تزايد الحضور الروسي في الملف الليبي، على الرغم من أنه يبقى متأخراً بأشواط عن بقية الأدوار الغربية، وتعاظم الدور الفرنسي في الآونة الاخيرة، مرجحة حصول تغيرات كبيرة على هذا الدور مع صعود المرشح الرئاسي الفرنسي فرانسوا فيون، الذي كان حاضراً بقوة في ليبيا في 2011، وله وجهة نظر دقيقة بخصوص ملفات جنوب المتوسط، مرجحة أن ينتظر الملف الليبي ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الفرنسية من نتائج.
ويدل بيان الخارجية على أن تونس تستخدم مصطلحات دقيقة للغاية في الحديث عن الملف الليبي، مثل دول الجوار ودعم حكومة الوفاق وغيرها. تجدر الإشارة أيضا إلى أن سيالة هو أحد الذين يتبنّون مشاركة حفتر في المشهد الليبي الجديد، فقد أشار منذ حوالي أسبوعين إلى أن "الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر بإمكانه تكوين نواة جيش ليبي موحد عبر مزيد من الحوار والمصالحة الوطنية". كذلك لاقت المبادرة دعماً من البرلمان العربي، إذ أكد مكتبه في بيان بعد ختام أعماله أمس الخميس، دعمه للجهود والوساطات التي تقوم بها مصر والجزائر وتونس، من أجل الدفع بمسار الحوار الليبي - الليبي قُدماً إلى الأمام لتسوية الأزمة الليبية بما يضمن الحفاظ على الدولة الليبية ووحدتها وسلامة أراضيها.
وإذا كانت المبادرة في مجملها تهدف أولاً إلى جمع الفرقاء بمختلف انتماءاتهم، فسيكون عليها أيضاً أن تجيب على أسئلة تفصيلية هامة، ربما يُترك لليبيين البت فيها، تتعلق بدور حكومة الوفاق، والمجلس الرئاسي، وتعديل الاتفاق السياسي، وتقاسم السلطة بين أهم مكونات المشهد الليبي، وتوحيد المؤسسات الوطنية الاقتصادية والإدارية، ودور المليشيات، وجمع السلاح، والمصالحة الوطنية، وحسم ملفات رموز القذافي في السجون الليبية وخارج ليبيا، وغيرها من الملفات التي تراكمت في ليبيا على امتداد هذه السنوات.