لا يدّخر رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، أيّ جهدٍ قد يعيده إلى سدّة الحكم من جديد، وهو الذي عمل خلال الفترة التي أعقبت إزاحته من السلطة، على العودة إلى الحكم وإطاحة حيد العبادي، مستنداً إلى نقاط قوة كثيرة يمتلكها، شعبياً وفي المليشيات وفي الاقتصاد وفي الإدارة وفي الجيش والأجهزة الأمنية التي لا يزال يمتلك فيها نفوذاً قد يتخطى ما لرئيس الحكومة الحالية، وخصوصاً أن المالكي لا يزال مستنداً إلى منصب رسمي رفيع المستوى، بما أنه اليوم أحد نواب رئيس الجمهورية.
وحتّم الواقع الحالي الذي يعيشه العراق على المالكي تغيير أسلوبه في التعاطي مع حبّه للسلطة، وترك خطواته لإطاحة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، ليلجأ إلى محاولة كسب ودّ المحافظات الجنوبيّة، للحصول على دعم ناخبيها في الانتخابات المقبلة.
وعلى الرغم من كل ما بذله المالكي ويبذله، فإنّ المعطيات الحاليّة تشير إلى فشل كل مساعيه. ويؤكّد سياسيون وعشائريون أنّه "خسر كل شيء، وعليه القبول بهذا الواقع وإدراك أنّه مرفوض شعبياً، حتى في المحافظات الجنوبيّة التي يعوّل عليها".
وكان المالكي قد نفى في تصريحات صحافيّة، التخطيط للعودة إلى الحكم مرة ثانية، مؤكّداً أن "لا نيّة لدي للعودة الى مكتب رئاسة الوزراء الذي شغلته لثماني سنوات، فأنا أحترم قرار الشعب، وإذا قرر الشعب ذلك وانتخبني مجدداً فسألبّي هذه الدعوة".
وعن محاولات المالكي العودة للسلطة، يقول النائب عن محافظة كربلاء سعد عبد الرضا لـ"العربي الجديد"، إنّ "المالكي خسر فرصة كبيرة للبقاء في الحكم، بسبب سوء عهده، وكانت سنوات حكمه فرصته الوحيدة، لكنه خسر فيها كل شيء، بعد خسارته شعبيته في المحافظات الجنوبية".
أما النائب عن محافظة النجف، محمد الخيكاني، فرأى أنّ "المالكي لن يهدأ له بال ولن تغمض له عين، ما لم يعد إلى الحكم، ولا يستطيع أن يرى العبادي على كرسي الحكم وهو خارجه، الأمر الذي دفعه للتخطيط والتدبير وتخصيص الأموال في محاولة للعودة إلى الحكم مجدداً".
وأوضح الخيكاني في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "المالكي اليوم يعمل على مسارات عدة، لمحاولة بناء قاعدة شعبية جديدة له، على أمل الفوز بالانتخابات المقبلة". وكشف أن "التوجه الأول هو الحصول على تأييد الحشد الشعبي، الذي يمثّل كافة المحافظات الجنوبية". واعتبر أن "المالكي اليوم يضخّ الأموال بشكل كبير على الحشد الشعبي، ويقيم الاحتفالات ويلقي الكلمات الرنّانة، كما نصّب نفسه مدافعاً عن الحشد في سبيل كسبه، ضارباً على وتر الطائفية في خطاباته الأخيرة".
اقرأ أيضاً: العراق: اتساع خلافات التحالف الوطني و"داعش" يعيد انتشاره بتكريت
وتابع، "لجأ المالكي إلى تقسيم أنصاره إلى كتل جديدة تحت مسميات جديدة، ومنها كتلة النائبة حنان الفتلاوي، والنائب هيثم الجبوري، وذلك في سبيل الحصول على أصوات انتخابية، قبل أن يعود لجمعها في كتلة واحدة بعد الانتخابات. كذلك يسعى إلى إبراز أخطاء رئيس الحكومة، والتقليل من أهميته أمام المحافظات الجنوبية للتقليل من قاعدته الشعبيّة".
وأكّد أنّ "توجهات المالكي مدروسة، وأن أنصاره يعملون معه بجدٍّ على إنفاذ مخططهم البعيد المدى"، لافتاً إلى أنّ "العبادي يراقب عن بعد كل تصرفات المالكي وخطواته، ويسعى إلى إفشالها من دون تدخل من خلال حصوله على تأييد قادة المجتمعات في المحافظات الجنوبية".
ورجّح الخيكاني "فشل المالكي في كل مساعيه، خصوصاً أن لغته الطائفيّة لم تعد بضاعة رائجة لدى المحافظات الجنوبية، ولن يستطيع من خلالها إعادة ترميم ما خرّبه بيده". ورأى أن "المحافظات الجنوبية التي يعوّل عليها المالكي ترفضه بشكل كبير، ولم يعد يحظى بأيّ تأييد فيها".
من جهته، قال عضو مجلس عشائر محافظة الديوانية، الشيخ حسن الخزعلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المالكي اليوم مرفوض في مختلف الأوساط الشعبية، وخسر كل فرصة للعودة إلى الحكم مجدداً". وأشار إلى أنّ "أبناء الديوانية، كما المحافظات الأخرى يرون فيه إنساناً أخطأ بحق الحكومة والمجتمع العراقي، لأنّه أوصل العراق الى ما هو عليه اليوم من حالة مأسويّة".
وأضاف الخزعلي، أنّ "المالكي أصبح اليوم بلا مؤيد ولا مناصر، وأن إيران التي دعمته وأوصلته الى الحكم وتمسكت به لفترة من الزمن، تعتبره اليوم حصاناً خاسراً، وترى في العبادي الشخص المؤهل للحكم في البلاد، لذا فإنها تبذل جهدها ببناء سلطته ودولته كما تريدها".
من جهته، رأى الخبير في شؤون الانتخابات فاضل نعيم، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "بناء القاعدة الشعبية من الصفر أسهل بكثير من محاولة ترميم قاعدة متآكلة، بسبب تصرفات أثبتت فشلاً كبيراً في إدارة دفة الحكم لثماني سنوات".
وأوضح أنّه "إذا عوّل المالكي على بناء قاعدته الشعبية فإنّه يرسم فشله بيده، فلن يستطيع في أربع سنوات، مهما فعل، إصلاح فشلٍ عمره ثماني سنوات وتلميع صورته في أعين ناخبيه". وأشار إلى أنّه "سيلجأ إلى الطرق غير المشروعة، من خلال شراء الذمم والأصوات في المناطق التي سيستهدفها انتخابياً، فضلاً عن العمل على شراء ذمم المتنفّذين في مفوضية الانتخابات".
وتابع أنّ "هذه هي الطريقة الوحيدة أمام المالكي التي سيلجأ إليها بالتأكيد لإعادة مجده"، مستدركاً "لكنّها كلها لا تنفع مقابل ما يمر به العراق، فهو اليوم رهين السياسات الخارجية، وتنصيب وعزل الحكومات يتم في دول خارجيّة، وعلى المالكي أن يدرك ذلك، فقد خسر كل الأوراق، ولعبه بالنار سيحرقه".
اقرأ أيضاً: اتهامات للعبادي بعدم الجدية في تسليح عشائر الأنبار