المؤسسة العلاجية.. أطباؤها يطلبون "الخلع" في مصر

25 اغسطس 2016
تعجز اليوم عن تأمين خدماتها كما في السابق(فرانس برس)
+ الخط -

بعدما نسي المسؤولون المؤسسة العلاجية لسنوات طويلة، حتى وصلت إلى الانهيار وقد أثقلتها الديون، قرّر الأطباء وأطقم التمريض فيها اللجوء إلى الاعتصام وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والإضراب الجزئي لصرف مرتباتهم الشهرية.

لم يجد العاملون في المؤسسة العلاجية في محافظة الإسكندرية، شمال مصر، مخرجاً للأزمات المالية التي تعاني منها المستشفيات التي يعملون فيها، إلا بالاستقالة نهائياً أو بالحصول على إجازات مفتوحة والانضمام إلى جهة أخرى تقدّم الخدمة الطبية نفسها في المحافظة.

الأطباء وأطقم التمريض في المؤسسة - تضمّ أربعة مستشفيات متميّزة هي "المبرّة" و"القبطي" و"أحمد ماهر" و"الماترنيتيه" (دار الولادة) - الذين يحصلون على أجور متدنية في هذه المستشفيات، لم يجدوا حلاً أمامهم سوى الاعتصام وتنظيم وقفات احتجاجية والإضراب الجزئي عن العمل لصرف مرتباتهم الشهرية. يُذكر أنّ مستشفيات المؤسسة هي من تلك الرائدة في تقديم الخدمات الطبية منذ إنشائها بقرار جمهوري في عام 1964. لكن أمام تنصّل المحافظة ومديرية الصحة في الإسكندرية من الإشراف الإداري والمالي عليها، وجد العاملون فيها أنفسهم حائرين بين أداء مهامهم عبر تقديم الخدمات الطبية اللائقة أو الحصول على مستحقاتهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة الإشغال في تلك المستشفيات لا تتجاوز عشرة في المائة، إذ إنّ حالتها متردية. لا أجهزة طبية حديثة فيها، أمّا القديمة فتالفة، بينما ترشح المياه في المباني وقد تسرّبت مياه الصرف الصحي إلى غرف العمليات والمرضى.

وقد كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات عن مخالفات جسيمة في المستشفيات الأربعة التابعة للمؤسسة العلاجية في الإسكندرية، بعدما تحوّلت إلى "منظومة للعجز والفشل الإداري". وأوضح التقرير (فبراير/شباط 2016) أنّ الخسائر المرحلة بالنسبة إلى مجموع رؤوس الأموال واحتياط المستشفيات، بلغت نحو 492 في المائة، إذ أظهرت قوائم دخل المستشفيات الأربعة إجمالي خسائر بنحو 14 مليوناً و971 ألف جنيه مصري (نحو مليون و700 ألف دولار أميركي) ليصبح إجمالي الخسائر المرحلة 82 مليوناً و216 ألف جنيه (نحو تسعة ملايين و300 ألف دولار).

ورصد تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات سوء حالة بعض المباني التابعة لمستشفيات المؤسسة العلاجية، وتهالك بعض المرافق من قبيل شبكات الصرف الصحي والكهرباء بالإضافة إلى تجهيزات بعض أقسام مستشفيَي "أحمد ماهر" و"القبطي" ووحداتهما. وبيّن توقّف أقسام طبية عديدة بسبب ضعف الهيكل الوظيفي للخدمات الطبية وعدم التسويق جيداً للمؤسسة واستمرار ارتفاع أجور العاملين في كل المستشفيات الذي يتجاوز إيرادات النشاط المحققة. كذلك تحمّل مصروفات المستشفيات بأعباء الدين العام للمؤسسة وتكاليف مدرسة التمريض سنوياً. وقد بلغ إجمالي تلك الأعباء خلال العام الحالي نحو 3.02 ملايين جنيه (نحو 340 ألف دولار)، فيما سجّلت الالتزامات المالية طويلة الأجل نحو 18.058 مليون جنيه (نحو مليونَين و300 ألف دولار).




وحذّر التقرير من المساءلة القضائية بعد تضخّم بعض أرصدة الموردين والدائنين بنحو ثمانية ملايين و244 ألف جنيه (نحو 930 ألف دولار)، مطالباً بضرورة إعادة النظر في الوضع القانوني للمستشفيات، خصوصاً عدم تشكيل مجالس إدارات للمستشفيات لتصريف أمورها، في مخالفة للقوانين والقرارات المنظمة.

في هذا الإطار، يقول مدير عام مستشفى "المبرة" الدكتور أحمد هاني، إنّ "الأزمة الحقيقية في مستشفيات المؤسسة العلاجية هي في أنّها ليست تابعة لوزارة الصحة ولا للتأمين الصحي. هي تعتمد على التمويل الذاتي منذ نشأتها في ستينيات القرن العشرين، وفي الفترة الأخيرة أصبحت عاجزة عن دفع حتى مرتبات العاملين. وهذا ما دفع بهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية والإضراب عن العمل أكثر من مرّة، فيما طالبوا بضرورة الانضمام إلى الموازنة العامة للدولة أو وزارة الصحة للخروج من الأزمة، ولكي تتحمّل جهة ما مسؤولية إدارة المستشفى". ويعيد هاني "انخفاض مستوى النشاط العلاجي وتراجع أعداد المرضى والزيارات، إلى تدهور البنية الأساسية ونقص السيولة في بعض تلك المستشفيات، بالإضافة إلى تحوّل معظم الشركات المتعاقدة معها نحو مستشفيات ومستوصفات أخرى".

من جهتها، تقول عضو هيئة التمريض منى عبد المطلب إنّ "المؤسسة العلاجية تستطيع أن تقدّم خدمات أكثر من غيرها. لكنّ ذلك لن يحدث طالما يُسجّل نقص في عدد الأطباء والتجهيزات. المستشفى هنا يعمل بالتمويل الذاتي. وحتى اليوم، لم تفلح احتجاجاتنا في صرف مستحقاتنا أو الانتظام في صرف مرتباتنا". وتتحدّث عن "خطورة على المرضى في الأقسام الداخلية، نظراً لعدم قدرتها على مواجهة الحالات الطارئة والحرجة وافتقارها إلى سيارات إسعاف تلبّي حالات الطوارئ".

في سياق متصل، يقول رئيس لجنة الصحة في المجلس المحلي السابق، الدكتور ياسر ذكي، إنّ "مستشفيات المؤسسة العلاجية كانت رمزاً للخدمة الطبية المتميزة، وكانت العائلات تتفاخر بالعلاج فيها. استمرّت الحال حتى أواخر الثمانينيات، لكن مع قلّة الموارد وعدم توفّر دعم مالي، لم تعد تلك المستشفيات قادرة على توفير مرتبات العاملين والأطباء والممرضات، وتوقفت عمليات التطوير سواء في الأبنية الأساسية أو الأجهزة الطبية".

إلى ذلك، يشير ذكي إلى "ضرورة ضمّ تلك المستشفيات إلى وزارة الصحة. ولا بدّ للأخيرة أن توافق كذلك على تحمّل مشاكلها"، ويقترح "تأجيرها إلى القطاع الخاص واللجوء إلى مستثمرين بهدف ضخّ استثمارات مالية مهمة للنهوض بها". لكنّ عضو مجلس النواب المصري حسني حافظ يرفض فكرة تحويلها أو تأجيرها للقطاع الخاص بهدف استثمارها وتطويرها، مؤكداً أن "مثل هذه القرارات تضرّ بالمواطنين الفقراء الذين أنهكهم المرض، وتحوّل صحة أهل الإسكندرية إلى سلعة يتربّح منها رجال الأعمال". ويؤكد حافظ أنّ مستشفيات المؤسسة العلاجية تقدّم خدمات طبية بحسب إمكانياتها وبأسعار زهيدة، وثمّة فئات كثيرة تعتمد عليها لعدم توفّر مستشفيات حكومية بديلة". ويطالب بـ"ضرورة تطويرها أو بنقل إداراتها إلى وزارة الصحة".

دلالات