يأتي مؤتمر مصر الاقتصادي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ (شمال شرق)، منتصف الشهر الجاري، ليختتم سلسلة من المؤتمرات الاقتصادية العديدة التي احتضنتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ بدء عهد حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011.
وحسب خبراء اقتصاد، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، لم تفلح المؤتمرات التي تكررت بأسماء
مختلفة، في إنقاذ الاقتصاد المصري الذي تراجع على مدى فترة حكم مبارك، وواصل تدهوره في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ظل الاضطرابات السياسية والأمنية التي تواجه البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز 2013.
وكانت الحكومة قد أعلنت، في ختام مؤتمر شرم الشيخ، الذي عقد بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 13 ـ 15 مارس/ آذار الجاري، عن تعاقدات ضخمة بنحو 60 مليار دولار، بالإضافة إلى 12.5 مليار دولار دعماً من دول خليجية، منها 3 مليارات دولار ودائع في البنك المركزي المصري، ومذكرات تفاهم بنحو 92 مليار دولار، إلا أن خبراء اقتصاد شككوا في إمكانية استكمال التعاقدات وبناء المشروعات الضخمة، ومنها العاصمة الإدارية الجديدة، البالغة كلفة مرحلتها الأولى 45 مليار دولار، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية. وتوقعوا أن يلقى مؤتمر السيسي مصير مؤتمرات مبارك.
وكان أول مؤتمرات مبارك الاقتصادية في الثاني عشر من فبراير/ شباط عام 1982، عقب توليه السلطة بعام، جمع فيه خبراء السياسية ورجال الأعمال المصريين من أجل العمل على النهوض بالاقتصاد المصري، وتوقع المشاركون حينها ضخ استثمارات ضخمة، وتحسن أداء الاقتصاد المصري.
وفي 5 فبراير عام 2002، استضافت مدينة شرم الشيخ أيضاً أعمال مؤتمر المانحين، بدعوة من البنك الدولي وأميركا، من أجل مساعدة الاقتصاد المصري، في مواجهة تداعيات أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، التي أثرت سلباً على موارد مصر من النقد الأجنبي، وعلى مختلف القطاعات.
وأكد المسؤولون عن مؤتمر المانحين آنذاك، أن جميع المؤشرات أشارت إلى استجابة المانحين لمطالب مصر، وتخصيص 2.5 مليار دولار لسد الفجوة في موارد البلاد، إلا أن المؤشرات الاقتصادية واصلت تراجعها في ذلك الوقت.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، لـ"العربي الجديد"، إن عقد المؤتمرات الاقتصادية تكرر كثيراً في عهد مبارك، لكنها لم تكن حلاً لإنقاذ الاقتصاد، الذي تدهور على مدى فترة حكم الرئيس المخلوع، ودفعت المصريين تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة إلى الخروج في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وأوضح الولي أن أكثر فعاليات مبارك شبهاً بمؤتمر شرم الشيخ الأخير، هو مؤتمر 2002، فكلاهما كان مؤتمراً للمانحين، وكان الداعي له أطراف خارجية، حيث عقد مؤتمر 2002 بدعوة من البنك الدولي وأميركا، وعقد مؤتمر 2015 بدعوة من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
اقرأ أيضاً:
مصر تخفض حصيلة اتفاقات مؤتمرها الاقتصادي لـ38.2 مليار دولار
ورغم الدعم الإعلامي الذي حظي به مؤتمر 2002، إلا أنه لم يحقق ما هو مرجوّ منه، ولم
تحدث طفرة اقتصادية، حسب الولي، الذي أكد أن وضع الاقتصاد المصري كان أفضل حالاً.
وأشار الولي إلى عدة مؤشرات للمقارنة بين الوضع الاقتصادي خلال المؤتمرين، منها الديون الخارجية التي بلغت في عام 2002 حوالي 27 مليار دولار، في حين وصلت في نهاية سبتمبر الماضي إلى 45 مليار دولار.
ووفقاً للولي "بلغ الدين المحلي 330 مليار جنيه في نهاية يونيو/ حزيران 2002، في حين بلغ بنهاية شهر سبتمبر الماضي 1.839 تريليون جنيه".
وبلغ فائض الحساب الجاري داخل ميزان المدفوعات، في يونيو عام 2002، نحو 614 مليون دولار، أما فى العام المالي الأخير 2013-2014، فقد حقق الحساب الجاري عجزاً بلغ 2.356 مليار دولار، رغم المعونات الخليجية البالغة قرابة 30 مليار دولار، حسب الولي، الذي استند لتسريبات مكتب السيسي.
وأكد الولي أن نجاح المؤتمر، الذي يتشابه مع مؤتمرات مبارك، سيتحدد بقدرته على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من مشروعات، والذي يواجه العديد من التحديات، ومنها عدم وجود أيدٍ عاملة مدربة، وعدم توفر مصادر الطاقة لتشغيل المصانع، خاصة مع استخدام معظم إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي في تشغيل محطات الكهرباء لسد الاحتياج المحلي، بالإضافة إلى كثرة الإجراءات البيروقراطية التي تعطل تنفيذ الكثير من المشروعات.
وفي المقابل، يرى محافظ البنك المركزي المصري الأسبق، إسماعيل حسن، في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، أن مؤتمر مبارك في 2002 يختلف عن مؤتمر السيسي في 2015. ففي 2002، جرى عقد مؤتمر للمانحين وقدمت فيه الدول مساعدات لمصر من أجل سد عجز الميزانية أو تسديد الديون الخارجية، أما مؤتمر 2015، فهو مؤتمر للاستثمار يهدف إلى إنشاء شركات ومشروعات تزيد الإنتاج وتوفر فرص عمل للشباب.
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، لـ"العربي الجديد"، إن قدرة النظام المصري الحالي على عقد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في ظل الظروف الاستثنائية التي تعاني منها مصر، هو نجاح للسلطة.
وعلى الرغم من أن الهدف من وراء المؤتمر هو الاقتصاد، إلا أن الهدف السياسي كان
واضحاً، من خلال توافد المسؤولين من دول عديدة بالعالم حتى الدول الفقيرة منها والتي لن تساهم في الاستثمار بمصر، وكأنه اعتراف منها بشرعية نظام السيسي.
وكان السيسي قرر في ختام فعاليات شرم الشيخ عقد المؤتمر سنوياً، بهدف جذب مزيد من الاستثمارات، لينافس بذلك مبارك الذي عقد العديد من المؤتمرات الاقتصادية المتتالية، ومنها مؤتمر عام 1996 بالقاهرة بعنوان "القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، قال فيه مبارك نصاً: "حققنا تقدماً من الناحية الاقتصادية، وأزلنا العوائق بالنسبة للقطاع الخاص والقطاع العام، وجهّزنا أنفسنا لاستقبال شركات كبيرة وشركات ضخمة. نأمل أن تكون هناك تعاقدات لشركات في منطقة خليج السويس والمدن الجديدة تخلق إنتاجاً".
وأكد على مشاركة ما يقرب من 2000 رجل أعمال، وهو تجمع غير مسبوق في أي دولة قبل ذلك كله، على حد قوله.
اقرأ أيضاً:
4 قطاعات تغيب عن مؤتمر مصر الاقتصادي