الليموناضة ليست مالحة

27 فبراير 2015
الفتيات أجبن "بكل تهذيب" بأنّ الليموناضة جيدة(يو آي جي)
+ الخط -
ضبطت نفسها، أخيراً، بأنها شخص يميل لأن يكون محبوباً، مقبولاً ومهذباً. لا تجادل ولا تحاجج إلا حيث تدعو الحاجة. تجد المبررات لتصرفات الآخرين، حتى ولو تجاوزت تصرفاتهم "حدود الأدب". نجحت في أن يكون حضورها مقبولاً لدى الآخرين. هي ببساطة لا تشكّل أي تهديد لأحد. هكذا حرصت أمها على تربيتها، لتحظى بقبول وتأكيد الأهل والمحيط والمجتمع. وهكذا تحديداً أصبح "الأدب" بصورة اصطناعية الشماعة التي عُلّق عليها العبء الثقافي الرثّ في تربية الفتيات.

"لا ترفعي صوتك، عيب"، "لا تضحكي بصوتٍ عالٍ، كالعاهرات"، "لا تحدثي ضجّة وأنت تمشين، ولا تحدثي صوتاً وأنت تأكلين"، "خبئي فمك وأنت تضحكين". تطول لائحة اللاءات التي يجب على الفتيات في مجتمعنا الالتزام بها. هكذا إذاً تربى الفتيات على أن يكنّ مؤدبات "خدمة للصالح العام". وكلما "زاد أدبهن" كلما زاد رصيدهن لدى المجتمع والمحيط والأهل.

أكثر ما يعبّر عن "الأدب والعيب" في تربية الفتيات، هو الاختبار الذي قام به كامبيل ليبر في جامعة كاليفورنيا على مجموعة من الصبيان ومجموعة من الفتيات في الفئة العمرية بين 7 ـــ 8 سنوات. خلال الاختبار، أعطي الصبيان كوباً من الليموناضة (حامض وماء وسكر) واستبدل السكر بالملح وطلب منهم التعبير عن مذاقها. عبّر الصبيان ببساطة بأنها سيئة ومثيرة للغثيان. بالمقابل، أعطيت الفتيات كوباً من الليموناضة واستبدل السكر بالملح أيضاً، وطلب منهن التعبير عن مذاقها. المفاجئ أن الفتيات أجبن "بكل تهذيب" بأنها جيدة، ولا بأس بها!

تشكل هذه الممارسات تطبيعاً مباشراً ومقونناً للفتيات، تحت مسمى "الأدب" تُسلب النساء القدرة والقوة للدفاع عن وجودهن ومساحتهن الشخصية والنفسية. سُلبن تحت حجة "الأدب" الحق والقدرة على التعرف على الأدوات التي يمكنهن بواسطتها مواجهة التمييز والعنف والإقصاء والتصرفات العنفية في حقهن. يتحوّلن تدريجياً إلى مجموعات مهمّشة، لا يؤثرن في أي قرار على محيطهن، أو على أنفسهن. تكبر الفتيات ويبدأن شيئاً فشيئاً الاعتذار عن وجودهن والتنازل عن مكانهن ومساحتهن. يكبرن ويكبر معهن شعور دفين بالذنب لا يعرفن سببه. يصبحن نساءً في مجتمع يثمّن لهن قيم "التضحية" و"الأمومة" و"المحبة" لتعزيز هذا التطبيع، والقضاء على أي أمل في أن يحافظ للنساء على كينونتهن.

دون الحاجة إلى التعليق على الاختبار، وأمام هذه الأعباء التربوية والثقافية والاجتماعية الرثة التي تحدد إطار التنشئة الاجتماعية لأولادنا، ألف تحية لأولئك، للأهل الذين يربون الفتاة دون أن يجعلوا جنسها معياراً لتربيتها وتنشأتها.

(ناشطة نسوية)
المساهمون